ميتافيزياء البرلمان وواقعية الثورة بالتغيير


قاسم محمد حنون
2018 / 4 / 22 - 22:13     

اذا كان العمال يناضلون في تغيير اوضاعهم عبر الطرق السلمية والعنيفة كما كان في القرن التاسع عشر ومازالت تلك الاسئلة تطرح رغم تغير الامكنة والازمنة وظرفياتها المتغيرة، فقد تحول اليوم الى الاختيار بين الطرق البرلمانية وطريق الثورة التي قد تعتبرها البرجوازية ذوو المصلحة اما عنفا او ارهابا. وكذلك حولها هؤلاء المتثاقفين ومثقفي العملية السياسية والليبراليين والديمقراطيين الى حقيقة مطلقة. وهذا الرأي لايخلو من تسيس للفلسفة وتحزب لراي معين اذ لايوجد فلسفة وراي مستقل فجميعها يصب لصالح حزب ما ورؤيا سياسية وايدلوجية لطبقة ما. ان حركة الفكر بالنسبة الى هيجل التي يجسدها باسم الفكرة هي صانعة الواقع, والتي ليست سوى الشكل الظاهري للفكرة. اما بالنسبة لماركس ان حركة الفكر ليست سوى انعكاس لحركة الواقع المترجمة في دماغ الانسان. ان الحقيقة هي مصدر كل خير وهي الخير الاسمى وهي افضل ماعداها وهذه هي الحقيقة المطلقة لهيجل.. اما انجلز فيرفض هذه الحقيقة المطلقة لاثرها السلبي على الانسان: عندما يوجد الانسان صاحب الحقيقة النهائية والاخيرة والنهج الدقيق والوحيد, فمن الطبيعي ان يشعر باحتقار تجاه باقي البشرية الضالة والغريبة عن العلم.. ان هي نسبية وتطورية وليست نهائية وكاملة. يقول انشتاين ايضا ان تصوراتنا عن الواقع الفيزيائي لايمكنها ان تكون نهائية ابدا وعلينا ان نكون مستعدين دائما لتغيير تلك التصورات.
محصل القول هو ان الماركسية ومنهجها مثل العلم يتعارض مع اي حقيقة نهائية وهي بذلك تتعامل مع المتغيرات والمتناقضات الاجتماعية والسياسية والثقافية، التي تتغير بشكل مستمر من نفس الحياة ذاتها وحركة المجتمع بتاثير عوامل في عمقها تغيير بنمط الانتاج الاقتصادي. هذه المقدمة كان سببها نقاشات مع بعض الاصدقاء بوسط الحلقات حول الانتخابات، وهي الاداة الوحيدة للتغيير كما يرددها الكثير بالاوساط الجماهيرية وخاصة من الاحزاب التي تريد ان تتربع بقبة البرلمان من اجل السلطة والمنافع، والابقاء على العراق باطار التصارع الامريكي الايراني وتفتيت المجتمع الى جماعات متناحرة وليس متعاونة او متساوية. يتفقون معك حول كل السؤم والوجع والاغتراب والتفقير الذي احدثته العملية السياسية واحزابها الدينية الطائفية والقومية. ورغم الاعتراضات والهبات او الاحتجاجات الجارية بمناطق البؤس والفقراء والمهمشيين، الا ان التصور بالانتخابات هو الحل والحل المطلق كما الاشتراكيين الديمقراطيين في بعض دول اوربا . حيث يقولون اننا من خلال الانتخابات نكسب العمال ونقيم تفاهما طبقيا بين الراسمالية وهي اجابة للاسئلة في مقدمة المقالة، ومازالت الاجوبة تميل للبرلمانات انطلاقا من مبدا السلام والأمان. بالرغم الذي يشهد العالم بسبب قرارت البرلمانات حروب على الشعوب تنطلق من تلك البرلمانات وتدمر الانسان وحضارته وفنه، من اجل مزيدا من تراكم الثروة والهيمنة حتى في اوربا العريقة بهذا التقليد والمنتفخة بتلك التصورات.
مازلنا نحن وفي عالمنا الثالثي الهش والديكتاتوري والمليشياتي والتسلطي نردد البرلمان هو الحل؟ وليس هو الحل فقط بل وحتمية البرلمانات رغم فشلها وتوافق اجنداتها للراسمال المحلي والعالمي وانعكاساته السياسية والاخلاقية والنفسية على المجتمع. باللحضة التي يعبر الواقع الطبقي والملايين من المهمشيين الذين بلا سكن واوراق وبلا عمل يتظاهرون ويرفضون الانتخابات، رغم قوة الوهم والميتفايزياء والحقيقة المطلقة الهيجلية الاسلامية التي تبث عبر فضائيتها وجوامعها الذهاب الى الصناديق من اجل شرعية العملية السياسية.
ان هؤلاء المدراء والمثقفين والاعلاميين والموظفيين يشكلون طبقة برجوازية عالمية معولمة افرزها صخب الانتاج الراسمالي، وافرز بالمقابل بشر يكاد ان يكون ملعون وتتوسطه الطبقة العاملة وينتشرون باسوار المدن دون اي حماية اقتصادية وقانونية، وهم عرضة لتلك التيارات والتصورات والضياع والاغتراب، وهي ايضا باتت طبقة عالمية امتداد للاستغلال الطبقي المعولم والمدولن والخفي. ويتمظهر من خلال الوجوه البائسة والبطالة والعمل الهش والبدائي والطفيلي.
ان هذا التحول الاجتماعي المنعكس اقتصاديا يحث فجوات واسعة بالبؤس والشقاء ويوعي تلك الشرائح غريزيا بشكل طبقي اتجاه الراسمال، حتى بات الاستعمال السياسي للدين عقائدنا الى سلع امبريالية قاتلة استوعبتها الجماهير ورددت "باسم الدين باكونة الحرامية"، وهو اصطفاف طبقي واضح ينم عن ترجمة بان ليس للماركسية مشكلة مع الدين، بل مع الاضطهاد الاجتماعي الذي يكون فيه الدين مشاركا ومساهما ويغذي تنويم الجياع والتسلية باحلامهم، وتحويلهم الى جماعات متعصبة تقف ضد بعضها بعضا كما حدث ويحدث في العراق وسوريا. حيث كان الثمن الانسان وحياته والتهجير والقتل بينما الثروات والخيرات اصبحت بيد الاسلاميين، وتحولت شعوبنا الى مختبر كبير وتجارب انتحارية.
ان التاريخ تصنعه الشعوب وليس قدر لاهوتي، لذلك التفكير بالثورة ممكنا وحدث ومازال يحدث وان الفقراء مكان شرس لحلم لمستقبل. ومازالت العلاقة قائمة بين الماركسيين والجياع من اجل اقامة تغيير وعالم افضل عبر ثورة ضد كل هذا البؤس والكراهية والتقسيم. ثورة للجياع بافق ماركسي يسكن في بيوتنا ويوحدنا كمسحوقين من منطلق ادميتنا التي سلبت بفعل العمل الماجور وعدم القدره الشرائية، التي هي نتاج النظام الراسمالي واشكاله وتلافيفه المتعدده باطر دينية ديمقراطية مدنية. ان الجياع استوعبوا الدرس السياسي والخدع والتظليل خاصة باطار المقدس والجين والعمال والمهمشين والمعطلين من العراق اكتشفوا الاوهام الدينية باطارها السياسي، لذلك لديهم ميل علماني. وتلك هي مقدمة للثورة التي ابتدات بتحرر العقل العمالي العراقي وحفاته وعاطليه والثوريين ومن ثم سيكون التنظيم بهذا الاتجاه، حيث ينطلق من الرفض المليوني للجماهير وبكل شرف وهم يشنون ويفضحون رؤساء القبائل والمثقفين ورجال الدين الذين يروجون للفاسديين والقتلة. انها ثورة وعي ليس تاملي بل انعكاس لواقع وتجربة مره باطار الحقيقة المطلقة وحلم الانبياء الذي تلاشى امام واقع اقتصادي مزري استغلالي.
ان الاحداث والثورات بالتاريخ البشري كثيرة وهي التي تخلق التاريخ الانساني، ان الغاية هي التغيير وليس وضع حد او فكرة معقولة للعبث السائد. ان العالم مفسر يجب تغييره كما يقول ماركس، وليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودنا بل الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم...
ان الواقع اليوم هو ان قوى الرفض عبرت عن بؤسها وحاجاتها وقالت ان هؤلاء الميتافيزيقين لايمثلوني بل يجروني الى الاغتراب والضياع عنوة. ولايملكون سوى الساكن ويرددون كما يردد القديم اذ لايملكون شكلا اخر للتغيير سوى مايتطابق مع مصالحهم واناهم وتسيدهم وتسلطهم ونحن عبيد. فلا برلمانهم يفيدنا ولا تغيير وجوه بوجوه جديدة يفيدنا. ان الشكل الذي نمارسه هو الثورة والتغيير الجذري من اسفل الى اعلى.
انتم تقولون برلمان وليس لنا بديل ونحن وواقعنا المتهالك نقول: لا ينفعنا لكم ارادتكم ومصالحكم ولنا ارادتنا ومصالحنا وكلاهما متناقضان. ومن هنا الاصطدام الحاصل بين القديم وتجربتكم وبين جديدنا ومصالحنا الطبقية. انتم معتدون ونحن ضحايا وسنكف ان نكون ضحايا لاستعادة حقوقنا عبر شكل اقتصادي اخر يعكس المعرفة والتربية والعلاقات الجديدة. وكل من يطرح اشكال برلمانية سياسية واخرى توافقية وتفاهمية، هو يطيل بعمركم كما كان يطيل عمر الاقطاعية والبرجوازية ككل. نحن لانراهن على برلمانكم المنتفخ على حساب بؤسنا، بل نراهن على قوى الرفض الشبابية التحررية واشكالها الجديدة، المنطلقة من مصالحنا الطبقية كشغيلة كجياع ومحرومين عبر الحب والفن والمساواة.