الانتخابات البرلمانية.. موقفنا الراهن


حزب اليسار الشيوعي العراقي
2018 / 4 / 12 - 01:22     


قد يتبادر إلى الذهن أن رفضنا المشاركة في الانتخابات التي تُجرى كلّ أربع سنوات في العراق، يأتي من تشددٍ في موقفنا السياسي على نحو ما. إنّ الأمرَ ليس كذلك. وبصرف النظر عن رؤيتنا الإنسانية المختلفة في طبيعة الحريات التي يجب أن ينالها الناس جميعهم لممارسة حقوقهم العامة التي تمر عبر صندوق الاقتراع، فإننا هنا فقط بصدد تناول الوقائع الميدانية التي تكشف عن زيف ما يُطلق عليه الديمقراطية في العراق، فقد كشفتْ لنا ممارسات العملية الانتخابية وآليّة ترشيح وانتخاب الساسة واختيار السياسات الناجمة عنها، جملة من المخالفات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية، وهي في النتيجة الأمر الذي نتج عنه خسران العراق استقلاله السياسي وفقدانه سيادته الوطنية.
أمّا في أوضاع العراق الراهنة فهناك الكثير مما يقال. وقبل ذكر أيّة قضية وقبل تحليل طبيعة الانتخابات المزرية في بلادنا، لابدّ من القول إن الانتخابات أصبحت وأمست الماكياج اللاّزم والضروري لإخفاء وتغطية قبح النظام الدكتاتوري في العراق وابتذاله، وقبح جميع الأنظمة الدكتاتورية القائمة في المنطقة أيضاً. ولقد كشفت الانتخابات المصرية الأخيرة التي توّجت الدكتاتور الجديد (السيسي) قائداً لمصر، المهزلة التي يدعونها انتخابات ديمقراطية وتداولاً سلمياً للسلطة.
ومما يثير الحيرة ضلوع الجميع في العملية السياسية المبتذلة وتباريهم وتنافسهم المخجل على كراسي الحكم والنفوذ، فيما أنّك لن تجد فرقاً واحداً فيما بينهم، والحيرة الأكبر غياب التيار الوطني الذي يضع مصالح العراق الوطنية العليا على راس جدول أهداف نضاله التي يجب أن يقف في مقدمتها إحراز الاستقلال التام واستعادة السيادة الوطنية بالسيطرة على الثروة النفطية. ولكن لا يخلو العراق من أبنائه المخلصين، فسوف نسير في مقدمة الجماهير، ونناضل دونما تردد، ونتقدم دونما تراجع لنيل مصالح الشعب والدفاع عنها، ونتقدم صفوف النضال من أجلِ سيادة العراق على أرضه وثروته. ونكافح المحتلين وأذنابهم.
ومن دون أن نضيف جديداً، لابد أنْ نذكّربالحقيقة المعروفة؛ (إنّ العراق بلدٌ محتلٌ). وليس في يد ساسته أو حكوماته المتعاقبة اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنهض بالبلاد وتقدم مصالح أبنائه، خصوصا بعد أن قام الساسة بتكبيل العراق بقيود ضخمة من القروض للبنوك ومؤسسات المال الدولية. فالسياسات كلها أصبحت مرتبطة بالقرار الذي ترضى عنه القوى المحتلة وشركاتها ومؤسساتها المالية، والتي تضع عليه السفارة الامريكية في النهاية ختمها لإجازته وتمريره، بما في ذلك نتائج الانتخابات.
أضف إلى كل ذلك، أنّ العراق يخضع للاحتلال الأمريكي من جانب والتغلغل الايراني من جانب آخر ويقبع تحت هيمنتهما؛ فضلاً عن تدخّل قوى إقليمية ودولية في شؤونه الداخلية وفي قراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي مما أفقده استقلاله وسيادته الوطنية.
وفي بلد محتل تصبح الديمقراطية والانتخابات باطلة ومجرد ديكور لتبرير الحكم الاستبدادي. إنّها سخريّة مرّة، وخدعة رخيصة ومفضوحة، واحتيال لتزوير إرادة الشعب وضمان بقاء زمر الفساد من عملاء أمريكا وإيران في مواقع الحكم والسلطة. ويكفي أن نشهد ما يجرى من مساومات تطول لأشهر بذريعة حسم الفرز بين القوائم الانتخابية، لنعرف خداعها وخداع من يقوم عليها، حين تصبح فيها السفارة الامريكية عرّاب تلك الانتخابات، فهي من يضطلع بالمساومات بين الاطراف المتنازعة لضمان مصالحها.
من هذا نرى أن الانتخابات باطلة ومجرد خدعة وتزوير لارادة الشعب.. وباختصار:
1- لأنّ العراق بلدٌ تحتله قوات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءٌ آخرون، تصب نواعيرهم في النهج الامبريالي الذي تقوده أمريكا في المنطقة، فان نتائج الانتخابات عادة تسير وفق الخطة العامة لغزو العراق، أي عند هدف حماية مصالح المحتلين، الذين ما زالوا يتحكمون بالسيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي. إنّ حماية انتخابات نيابية تحت الهيمنة الامبريالية هي الطريق الأمثل لحماية تلك المصالح.
2- إن الانتخابات البرلمانية تجرى منذ 2004 إلى اليوم من دون أن يُجرى أيّ تعدادٍ للسكان لكي يكون بالامكان ضبط نسب التمثيل البرلماني. علماً أنّ آخرَ تعدادٍ للسكان شهده العراق كان في سبعينات القرن المنصرم. وبسبب هذا الخلل يجري التلاعبُ بنسب وتعداد السكان في المحافظات كما جرى في تعداد سكانِ الموصلَ الذي زِيدَ تعدادَه السكاني بمقدار مليون ومئة الف شخص في انتخابات سابقة، فحصل على 11 كرسياً إضافياً لمحافظة الموصل، وهو ما أكّدته وأعلنت عنه المفوضية المستقلة للانتخابات. أضف إلى ذلك عمليات التزوير المفضوح لنتائج الانتخابات تحت سمع وبصر المفوضية المستقلة للانتخابات والمراقبين الدوليين والمحليين، مرة عبر ممثلي هذه الاحزاب في المفوضية ومرة عبر السفارة الامريكية التي تختار من يخدم مصالح شركاتها في العراق ويؤمّن لها نهب الثروة النفطية.
3- إنّ الانتخابات تُجرى وفق الانتماء الطائفي والمذهبي والقومي، وتنظم القوى والنخب كياناتها وقوائمها الانتخابية وفقاً لتحصيناتها الطائفية والعرقية الباطلة، الأمر الذي مزّق وحدة الشعب العراقي وغيّب انتماءه الوطني، فتحوّل الشعب إلى مجرد طوائف وكيانات وتيارات متنازعة بصورة دموية، منتجة للمليشيات الطائفية والمذهبية والعرقية التي صارت تتقاسم مع الحكومة السلطة والحكم، وتتصرف بمقدرات العراق وأمنه وثرواته على هواها، وهي تفصح عن خيانتها علناً وتتحدث عن موالاتها لقوى ودولٍ إقليمية ودولية، ناهيك عن هيمنتها على وزارات ومفاصل اقتصادية مهمة، وتغلغلها في أجهزة الدولة العسكرية والأمنية، وإشاعتها وتعميمها للخوف والرعب والارهاب حيث لا سلطة إلاّ سلطتها على المواطن.
4- إنّ الانتخابات تجرى لكي تمنح الشرعية للقوى والتيارات والنخب التي جاءت بها قوات الاحتلال وحمتها منذ البداية الدبابات الأمريكية ودعمتها في سدة الحكم، ومن الملاحظ لم يستطع غير هؤلاء أن يحظى بأيّ تأثير سياسي في البرلمان ولا في أيّة حكومة من حكومات ما بعد الاحتلال.
5- درج القائمون على القوانين المنظمة للانتخاب على الاحتيال والتلاعب مثل (كوتا) التمثيل النسائي والعرقي والطائفي، وتمثيل المرأة عند النسبة 25%، ومن ثم اختيار قانون سانت ليغو بالنسبة 1.9 وتغييره حسب الخطط والاتفاقات التي تعقد سراً وفي الخفاء حيث تقرر أن يكون بالنسبة 1.7 واعتماده في الانتخابات القادمة.
6- لايتحكم بهذه القوانين الموقف الوطني للقوى الضالعة في العملية السياسية بل تجري التسويات الطائفية والعرقية في الغرف المغلقة الابواب قبل وبعد الانتخابات تكريساً لسياسة المحاصصة ومن ثم اخضاع كل السياسات إلى هيمنة هذه المحاصصة بما فيه اصدار القوانين.
7- إنّ إجراء أيّة انتخابات وفقا لذلك سيكون في النتيجة مجردَ منح الشرعية للقوى والشخصيات التي دمرتْ الاقتصاد العراقي وعطّلتْ عملياته الانتاجية وأوقفتْ مصانعه ورفعت معدّلات البطالة الى حد مرعب وخفضت دخل الفرد بحيث أصبح دخل العوائل التي تقع تحت خط الفقر مجرد سنتات، وحولت العراق إلى مباءة إرهابية، وهي نفس القوى والتيارات والنخب التي وضعتها قوات الاحتلال في مواقع السلطة والهيمنة لخدمة وحماية مصالح المحتلين، وما زالت مستمرة في دعمهم عبر السفارة الأكبر في العالم في بغداد.
8- ليست مفوضيةُ الانتخابات مفوضيةً مستقلة كما يشيرعنوانُها الحكومي. فقد جرى تنظيمها لتكون صورة مصغرة عن نظام المحاصصة، ووفقا للسياسة العامة التي اختطها الحاكم المدني الامريكي للعراق (بول بريمر)، فموظفيها هم مجرد ممثلين للاحزاب الحاكمة تحديداً، أي أنّها واحدة من مؤسسات المحاصصة التي رسمتها الاحزاب والتيارت السياسية والنخب، وجنّدت ممثليها لقيادتها وفق حاجة النافذين وقوتهم. فهي مهيمنة على نتائج الانتخابات قبل الفرز، وليس لنتائج الفرز الوهمية أيّة أهمية عملية.
9- تُجرى الانتخابات عادة تحت جعجعة السلاح الذي ترفعه المليشيات وتحت هيمنة الرعب والارهاب الذي تمثله هذه المنظمات العسكرية فضلاً عن حملات التسقيط. وليس من قانون رادع لمثل هذه النشاطات غير المشروعة.
10- يقوم المرشحون بخرق القوانين والتلاعب والاحتيال عليها والقيام باعمال ونشاطات منافية لقانون الانتخابات الذي أعدته هذه الاحزاب ذاتها، كذلك يقوم هؤلاء باستغلال أجهزة إعلام الدولة ومبانيها وعجلاتها وكل ما يقع تحت سلطاتهم، للترويج لأنفسهم ومن دون تقديم أيّ برنامج سياسي، وهم يقومون بذلك باستهتار وتهور ومن دون احترام للقوانين أو خشية من الجهات الرقابية التي تحمي هذه القوانين، ويثبت للجميع يوماً بعد آخرَ أنّها غائبة تماماً عن الرقابة.
11- من المعروف بشكل أكيد والشائع، بل ويتعدى تأكيده إلى النشر عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عمليات الاحتيال والتلاعب التي ينظّمها مرشحو الانتخابات لاستغفال الناخبين بالوعود الفارغة، فضلاً عن نشر الجهل بالحقوق الدستورية والعّامة من مثل شراء البطاقة الانتخابية من الناخبين، البطاقة التي تفرضها المفوضية "غير المستقلة" للانتخابات وتربطها بمصالح وحاجات المواطنين. ولاتوجد أيّة خطّة أو قوّة لمنع مثل هذه الممارسات المخالفة للقوانين.
12- إنّ الانتخابات البرلمانية على وجه الخصوص وانتخابات المحافظات عموماً، هي الخطة المثالية لاغتصاب السلطة بواسطة هذه النخب التي تتخادم مع أمريكا وإيران لتزوير إردة الشعب والحكم بإسمه. ومن ثم نهب ثروته، ولابد أنّ المشاركة فيها لا يتعدى منحَ الشرعية لعملاء المحتلين واللصوص والشذاذ الذين يهيمنون على كل المنافذ الاقتصادية والسياسية المهمة، التي لو أُديرتْ بشكل سليم فإنّها ستنقذ العراقيين حتماً من التردي وتنقذ مستقبلهم. لقد استطاع هؤلاء الاستحواذ على كل شيء نتيجة للتدليس وتقاسم النهب واللصوصية وإفقار العراقيين.

من كلِّ هذا، وهنالك الكثيرايضاً، كيف يمكن لوطني يؤمن بإرادة شعبه ويناضل من أجل استقلال وطنه وسيادته الوطنية على أرضه وثرواته أن يشارك في هذه الدوامة؟ وكيف يتوقع أنّ مشاركته ستنتج التغيير الذي تتوخاه الجماهير وتطالب به. نحن نرى أنّ الانتخابات لم تعد سوى تلاعبٍ واحتيالٍ، وأنّ أيّة نتيجة انتخابية لن تشكّل فرقاً في تكالب القوى المتنفذة التي تخون العراق من تحت قبة البرلمان.

لجنة العمل الفكري
حزب اليسار الشيوعي العراقي