هندسة الفيضانات


محمد باليزيد
2018 / 3 / 27 - 19:12     

في آخر مرة "نشط" فيها وادي درعة(2013)، تدفقت المياه بغزارة إلى درجة أن مستوى المياه تجاوز القنطرة بين زاكورة وأمزرو وانقطعت الطريق عن كل منطقة من فزواطة والكتاوة والمحاميد... لمدة أسبوع تقريبا. صادف ذلك حدوث نفس الأمر في مناطق أخرى من المغرب فوجد المغاربة أنه بعد 60 عاما من الاستقلال ما تزال وديانهم دون قناطر تضمن عدم عزل مناطق كبيرة بسبب أمطار يصلون من أجلها.
لأن صفحات الموقع لا تتحمل الرسوم، أرجو من القارئ تحميل المقال برسومه علىالرابط: https://www.4shared.com/office/CnQELt4-ca/__online.html
في هذا الظرف(أعتقد) انبثق مشروع بناء قناطر عالية نسبيا على بعض الوديان(قنطرة زاكورة وقنطرة ورززات على سبيل المثال).
لكن هل وضعت تلك القناطر بالمعايير اللازمة والحامية من الفيضان؟ سأحاول أن أوضح هنا ما ارتأيت أنه يجب أن يشار إليه وللقارئ أن يجتهد في نقد ما أكتبه لعل بالنقاش تبن الأمور .
لنفترض أن الوادي على الشكل التالي، شكل تبسيطي لكنه صالح 100% للدراسة والاستنباط.


لقد ظل مستوى النهر، خلال أيام في الفترة المذكورة، على مستوى النقطتين (A و B).
لقد بنيت قنطرة زاكورة على الشكل التالي:


حين رأيت القنطرة لأول مرة قلت مع نفسي ومع الآخرين أن هذا هو الحل فعلا وأن عزلة تلك المناطق لن تحدث بعد هذا ولو جاء صبيب الوادي أكثر مما كان عليه في 2013 . فتتبعوا معي ما يلي:
قلنا أنه في سنة 2013 وصل مستوى النهر النقطتين (A و B). فإذا افترضنا أن سرعة جريان الماء في منطقة القنطرة هي (c متر في الثانية). بهذا يكون صبيب الماء عند القنطرة هو (cx(axb+bxb)) متر مكعب في الثانية. لنذكر أن الصبيب هو المساحة المخترقة/المقطوعة (la surface traversée) مضروبة في السرعة. إن حسبت السرعة بالثانية فالصبيب كذلك وإن حسبت السرعة بالدقيقة فالصبيب كذلك.

إذا تمعنا في القنطرة نجد أن المساحة التي كانت (axb+bxb)، ومع إهمال مساحة الأعمدة والتي ليست مهملة في الحقيقة، مع ذلك نجد أن المساحة التي بقيت متاحة للماء هي أقل من (axb).
نفهم مما سبق أنه إذا كانت (bxb) تمثل مثلا 10% من (axb+bxb)، نفهم أنه إذا جاء الوادي بصبيب مثل صبيب 2013 فإن 10% منه لن تجد لها سبيلا وأن الجريان إذا كان سنة 2013 على الشكل :

فإن الجريان، بنفس صبيب 2013 ومع وجود القنطرة الحالية سوف يكون كما يلي:
لقد رفعت القنطرة بشكل زائد عن الحاجة، تجاوز ارتفاعها ضفتي الوادي، وكأن مهندسيها يظنون أن هذا الارتفاع سوف يعوض الاتساع الذي قلص. لكن ذلك غير ممكن إلا إذا أجبر الماء، بواسطة جدران تقام على ضفتي الوادي وتكون بارتفاع القنطرة أو أكثر ويجب أن يمتد طولها عبر الوادي لكيلومترات وهذا ما لم يتم فعله. لقد أقيم مثل هذا الجدار على الضفة الغربية، زاكورة، ولمسافة غير كافية. لكن الضفة الشرقية، أمزرو، لم يبن فيها ما يماثل ذلك. وهكذا فإن هذه القنطرة لن تكون، لا قدر الله رغم أننا نصلي من أجل المطر، لن تكون بالنسبة لأمزرو سوى "مصنع فيضان".
إن الحل الصحيح واحدا من خيارين:
- إما أن تكون قنطرة بذلك الشكل وبشرط أن تكون أطول مما كانت عليه(بزيادة حوالي50% من طولها الحالي) كي لا تحرم الماء من مساحة جريانه.
- وإما أن تكون قنطرة معلقة وبطول وارتفاع كافيين. وربما اختيار القناطر المعلقة على أكبر الأنهار في العالم كان لحل هذه المعضلة.