منذ البدء.. أقلعنا عكس الزمن الأمريكي!


عصام مخول
2018 / 3 / 20 - 14:52     

رحلت الاسبوع الماضي الكاتبة اللبنانية إميلي نصرالله التي شدني إلى أدبها كتابها "الإقلاع عكس الزمن".. وكنت كلما راجعت مواقفنا في السنوات السبع الماضية منذ بدء العدوان الارهابي المعولم على سوريا، وهجمة التحريض العنيفة، التي رافقت تنظيم المهرجان الاول للتضامن مع الشعب السوري وقيادته الوطنية في قاعة مسرح الميدان في حيفا، أقتنع وأعتز أكثر بأننا اخترنا بحق، الإقلاع عكس الزمن، أقلعنا عكس الزمن الأمريكي، وأقلعنا عكس الزمن الصهيوني، وأقلعنا عكس الزمن الوهابي، وأقلعنا عكس الزمن العثماني الجديد، إلى أن صنعت لنا سوريا بشعبها وجيشها وحلفائها وقيادتها الوطنية زمناً سورياً وطنياً مقاوماً نسير فيه ونتماثل معه ونعتز به ونفتخر.



التحولات العالمية الكبرى و نشوء نظام عالمي جديد !
بعد الحرب العالمية الاولى وتفكك الامبراطورية العثمانية شهد العالم نشوء نظام عالمي جديد! مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحطم أنياب الوحش النازي على تحصينات مدينة ستالينغراد السوفييتية، نشأ نظام عالمي جديد!
مع تفكك الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة.. نشأ نظام عالمي بائس جديد.. نظام عالم القطب الواحد الذي تفردت به الولايات المتحدة ودشنته بحروبها على العراق وأفغانستان والحرب على الارهاب، ومشروع الشرق الاوسط الكبير، و"ربيع أمريكا العربي " والعدوان الارهابي المعولم على سوريا.
ونحن نقول:
هزيمة المشروع الارهابي الامبريالي في سوريا.. وتحطم أوهام المتآمرين على إسقاط سوريا وتفكيكها وتفتيت شعبها، واكتمال انتصارها مع حلفائها لن يكون حدثا محليا، ولن يكون تطورا إقليميا فقط.. نحن أمام وضع عالمي جديد، يبشر بسقوط نظام القطب الواحد الذي تنفرد الولايات المتحدة بالتحكم به، ويبشر بالانتقال الى نظام عالمي متوازن ومتعدد الاقطاب. هذا هو الحجم الحقيقي والثقل الاستراتيجي للانتصارات التي تحققها سوريا وحلفاؤها، من القلمون الى حلب، ومن حمص الى دير الزور، ومن تدمر الى الغوطة الشرقية.
وإذا كان نظام القطب الواحد قد تكرّس في رمال العراق، وفي العدوان الامريكي التدميري عليها، فإن العالم يشهد كيف أنه على صخرة صمود سوريا وحلفائها – ينهار نظام القطب الامريكي الواحد وعلى انقاضه يقوم نظام جديد... هذه هي مساهمة حضارية كبرى تقدمها تضحيات الشعب السوري وحلفائه للحضارة الانسانية، لوقف نظام العربدة الأمريكية!



نحو استراتيجية جديدة – الحالة الصينية والحالة الروسية!
تابعنا ونتابع بقلق، أكثر أشكال العربدة الامريكية صلفا واستفزازاً في ظل نظام القطب الواحد.. تابعنا التهديدات الامريكية في كل مكان.. فرض العقوبات.. التدخل العسكري.. شن الحروب الارهابية.. مشاريع محاصرة واستفزاز روسيا والصين.. والتنكر للمعاهدات الموقعة.. العدوان على سوريا.. مطار الشعيرات.. الاعتداءات الجوية الاسرائيلية كأمر مفروغ منه (حتى إسقاط طائرة إف 16 الاسرائيلية).. تهديد ايران والمطالبة باخراج قواتها من سوريا.. والتهديد بالغاء الاتفاق النووي معها.. ماذا كانت النتيجة ؟
النتجة كانت إعلان الرئيس الصيني شي بينغ الاستراتيجية الصينية الجديدة في مؤتمر الحزب الشيوعي وتحديث القدرات الاقتصادية والعسكرية الصينية للرد على التمادي الامريكي، وتحديث أسطولها البحري والجوي.. ورفض الهيمنة الامريكية وتحديها والمنافسة معها على النفوذ.
والنتجة كانت: الاستراتيجية الروسية التي أعلنها الرئيس بوتين أمام البرلمان الروسي مؤخرا والتي أدخلت العالم في مرحلة استراتيجية مفصلية جديدة غير مسبوقة منذ تفكك الاتحاد السوفييتي. استراتيجية جديدة حدد فلاديمير بوتين فيها بشكل مقنع ورادع، معالم ووسائل التصدي الروسي الجديدة للعربدة الامريكية، وأطلق تحذيرا صريحاً الى الولايات المتحدة من مغبة أي عدوان على روسيا وعلى حلفائها، وتحذيرها من أن روسيا سترد بقوة على اي قصف أمريكي أو غير أمريكي على سوريا بأية حجة او ذريعة وستقوم بتدمير مصادر العدوان أي كانت وأي كان أصحابها !...
هذه حالة استرتيجية عالمية جديدة ولدت على الارض السورية الصامدة... هذا إعلان لنظام عالمي جديد ! قادر على لجم العربدة الامريكية وملتزم بلجمها!
قد يصح أن نسمي هذه المرحلة الجديدة مع كل ما أعلنه الرئيس بوتين من وسائل وتفاصيل:
مرحلة منظومة "صواريخ سرامات" Sarmat القادرة على الوصول الى اي هدف في العالم.. والتي لا تستطيع كل الدفاعات الصاروخية القائمة في العالم التصدي لها وإسقاطها.. ولو ترك لشعوبنا المقهورة أن تحرّف تسميتها.. لأطلقت عليها اسم : " منظومة صرمايات " على رأس العربدة الامريكية والاسرائيلية وعلى رأس حلف الناتو ومشاريع الهيمنة الامبريالية وعملائها الرجعية في المنطقة وفي العالم !


إرفعوا أيديكم عن المناضل صدقي المقت!
تناقلت وسائل الاعلام في نهاية الاسبوع أن إسرائيل توجهت الى الامم المتحدة بطلب عودة القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك بين القوات السورية والاسرائيلية في الجولان (الأندوف)، لأخذ مواقعها في نقاط المراقبة في الجانب السوري من خطوط وقف اطلاق النار... وكانت اسرائيل نفسها هي التي طلبت من هذه القوات مغادرة مواقعها منذ سنوات باعتبارها عائقا، ليتسنى لإسرائيل والمنظمات الارهابية أن تسرح وتمرح دون ازعاج في غرب سوريا ومد منظمات الارهاب بالمال والسلاح والتوجيه والتغطية العسكرية واللوجستية.
إن طلب اسرائيل الى الامم المتحدة بإعادة القوات الدولية يعني أن اسرائيل سلمت بانهيار مشروعها لاقتناص حزام عازل في الجانب السوري على حدود الجولان المحتل وخوض حرب الارهابيين... تذكروا معارك حضر!

طيّب يا حكام اسرائيل.. ما دامت فضيحة تدخلكم وتداخلكم مع منظمات الارهاب من داعش حتى النصرة قد فضحت ؟ وما دام مشروعكم قد انهار ! وما دمتم تتوسلون للأمم المتحدة لإعادة قوات (الأندوف) الى مواقع المراقبة، فلماذا تحتفظون بالأسير البطل صدقي المقت في سجونكم ؟
من حيفا.. من هذا المهرجان نطلق صرختنا المدوية : أطلقوا سراح المناضل البطل صدقي المقت ابن الجولان السوري من سجونكم.. الحرية لصدقي المقت وكل أسرى الحرية !


انتصار سوريا على العدوان، صمام أمان للقضية الفلسطينية!
هناك من اعتقد أن بمقدوره استغلال فوضى الارهاب في سوريا لتمرير مشروعه التاريخي لتبديد الحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني من بوابة دمشق، وعبر بوابة تفكيك سوريا... إن حكام اسرائيل وأسيادهم في واشنطن وعملائهم من الرجعيين في الخليج وخارج الخليج يعرفون أن هزيمة مشروعهم في سوريا هو هزيمة لمشروعهم في فلسطين، وهو هزيمة لصفقة العصر التي يروجون لها!
هذه الصفقة في الحقيقة هي "صفقة عصر الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية العادلة" تقود الى دولة فلسطينية في غزة وشمال سيناء طابعها خليجي ودورها عميل للامبريالية الامريكية وعملائها في المنطقة..
ونحن نقول: لم توجد بعد ولن توجد أبدا المعصرة القادرة على عصر قضية الشعب الفلسطين والقادرة على هضم حقوقه العادلة.
ونحن نعي، أن نجاحهم بتمرير صفقة العصر للقضاء على القضية الفلسطينية، مرهون بانتصار مشروعهم الارهابي في سوريا، ومرهون بهزيمة سوريا وإسقاط نظامها وتحطيم جيشها ودحر حلفائها... لكن سوريا تنتصر، وحلفاؤها ينتصرون أما مشروعهم الارهابي في سوريا يتحطم .. ومعه تتحطم صفقة العصر.

ولذلك نحن نتابع كيف يعلو صراخهم اليوم بعد أن تحطمت أوهامهم وذوت أحلامهم ! أمام الانتصارات الاسطورية للجيش السوري وحلفائه، نحن نشهد كيف تقلصت طموجات المتآمرين من رعاة الارهاب، من الحرب على كسب سوريا، الى مجرد تثبيت بؤرة الإرهاب والاحتفاظ بها في خاصرة دمشق في الغوطة الشرقية لاشعال النار كلما تطلبت مخططاتهم ذلك ومنع الاستقرار...
صراخهم اليوم وصراخ عملائهم ومسرحيات إعلامهم : بأن الغوطة تحترق ! هو الدليل على ذعرهم لأن الغوطة تتحرر من إرهابهم ولأن إرهابهم يهزم ! ذعرهم نابع عن أن الأسلحة الاسرائيلية والأمريكية والفرنسية والبريطانية والخليجية المكدسة في مخازن الارهابيين تفضح أصحابها، ولأن صراخهم "الانساني" المزور يمزقه ويعرّيه عشرات ألوف المدنيين الذين يلجأون بألوفهم وعشرات ألوفهم يوميا من الغوطة الشرقية الى المعابر الآمنة للجيش السوري والجيش الروسي !ّ لا يلجأون منه بل يلجأون إليه ! لا يفرون منه بل يفرون إليه. يا لفضيحة "إنسانيتكم" المشبوهة !
ونحن نؤكد مرة أخرى ما أكدناه منذ البداية : إن صمود سوريا الاسطوري وانتصارها على المؤامرة الامبريالية الارهابية، هو الضمانة أيضا، لإعادة الزخم التحرري الى القضية الفلسطينية نفسها، وتجديد عافيتها الثورية . وهو صمام الأمان لقضية شعبنا الفلسطيني ونضاله التحرري.
إن الدرس الاساسي من سوريا : أن تحرر الشعب الفلسطيني وتحرر الشعب السوري وتحرر الشعب اليمني وتحرر الشعب العراقي وانتصار قضاياها العادلة يمكن أن يتحقق فقط، من خلال مقاومة مشاريع الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، وفي صدام معها، وليس بالتسليم بهذه المشاريع والاندماج فيها.




(كلمة ألقيت في المهرجان المهيب الذي نظمته في حيفا اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب السوري وقيادته الوطنية في 17.3.2018)