الديمقراطية في الدولة غير المتجانسة طائفيا وقوميا


مالوم ابو رغيف
2018 / 3 / 19 - 06:54     

هل التجانس القومي والطائفي شرط لنجاح الديمقراطية السياسية أم أنه من قبيل المصادفة التاريخية أن الديمقراطيات الحديثة تبدو مزدهرة في مجتمعات متجانسة طائفيا؟
وهل غياب التجانس( كما في العراق) يضر بالديمقراطية ويعرضها للتشويه والخطر؟
اعتمدت العملية السياسية في العراق على الديمقراطية كأساس لتداول السلطة بشكل سلمي واختير النظام الديمقراطي اللبناني كنموذج للتقليد، وهو نظام يعتمد المحاصصة الطائفية كاساس لضمان رضا ما يسمى بالمكونات الطائفية وضمان عدم صراعها بشكل تناحري.
وكان تبرير اتخاذ نظام المحاصصة الطائفية والقومية(بين العرب وبين الكورد) هو التذرع بضرورة مراعاة مصالح المكونات (الشيعية والسنية والكوردية) وضرورة تمثيلها واشراكها بجميع تنوعات السلطة(التشريعة والتنفيذية والقضائية) وفق محاصصة تتبع النسبة العددية للمكون كأساس للتوزيع.

اذا كانت التركيبة الاجتماعية الطبقية تؤثر على الديمقراطية من خلال احتمالات نشوء الصراع بين الطبقات الاجتماعية، فان تقسيم المجتمعات الى مكونات طائفية وقومية يجعلها اكثرعرضة للصراع وذلك لاختلاف نسب الحصص بينهما، وقد يبدو هذا الصراع وكانه صراع ديني او طائفي او قومي، لكن في حقيقته هو صراع على المصالح والامتيازات، اذ ان هناك من يحاول الاستفراد بالسلطة بينما هناك من يشكو التهميش مما يقلل من فرص نجاح الديمقراطية ان لم نقل يصيبها في مقتل. وللتخفيف من حدة الصراع على الامتيازات والمناصب تم استحداث مناصب وامتيازات اثقلت الدولة وكبلتها بالديون وبالفوائد المترتبة عليها وااصبحت الوزارات ملكا صرفا تابعا للاحزاب وليس للدولة. لقد اصبحت الديمقرطية المتبعة في العراق من اسوء نماذج الحكم في العالم، ذلك انها اصبحت غطاء للفساد والافساد والتمتع بكل الامتيازات التي لا يوجد مثلها في كل دول العالم.
كان اول ضحايا الديمقراطية العراقية هو مفهوم المواطن حيث لم يعد له وجود لا في الذهنية السياسية ولا الاجتماعية ذلك ان الهوية الطائفية والقومية اصبحت هي اساس التعريف وليس الانتساب للوطن وقد عمق عدم الانتساب للوطن حقيقة ان اغلب الطبقة السياسة الحاكمة واغلب رؤساء الاحزاب والكتل السياسية هم من مزدوجي الجنسية، وهي حالة غريبة لم يشهدها التاريخ اطلاقا، حيث ان اغلب عوائل المسئولين العراقيين والنواب تعيش في الخارج وتستنكف القدوم الى العراق لانها تعودت على حياة اخرى!
كما لا يمكن الحديث عن مؤسسات سياسية واجتماعية ومهنية مستقلة في مجتمع منقسم على نفسه طائفيا وقوميا. ذلك ان هذه المؤسسات رغم ادعاءات استقلاليتها الا ان السقف الثقافي والسياسي يبقى سقفا طائفيا طالما ان المجتمع قد قسم الى مكونات متناقضة المصالح.

ان احد اهم مظاهر تشوه الديمقراطية في البلدان غير المتجانسة قوميا وطائفيا تلك التي اعتمدت على المحاصصة الطائفية والقومية كأساس للعملية السياسية هو تشوه مفهوم المعارضة.
ورغم وجود المعارضة داخل البرلمان العراقي الا انها ليست معارضة بالمعنى الديمقراطي السياسي انما بالمعنى الطائفي والقومي. فالسنة يعارضون الشيعة والشيعة يعارضون السنة والكورد يعارضون العرب والعرب يعارضون الكورد.
لقد اصبح البرلمان مؤسسة للصراع الطائفي والقومي وليس مؤسسة لمراقبة عمل وتقييم وتسهيل عمل الحكومة، فالصراع الطائفي الذي يحدث بين رجال الدين وبين المرجعيات الطائفية او ذلك الذي يحدث بسبب تعدد الولاءات والانتماءات، يتخذ من البرلمان مسرحا له. ان ذلك شوه معنى العمل البرلماني الذي تناط به مهمة الدفاع عن مصالح الناس وحقوقهم واصبح ميدانا للدفاع عن مصالح واراء وفتاوى هذا او ذاك من كبار رجال الدين.
لقد اصبح البرلمان مصدرا لتصدير الاحتراب الى ما يسمى بالمكونات وليس مركزا للبحث عن الحلول وتذليل الصعوبات المتولدة من الانتقال نحو الحياة الديمقراطية.
ان الرواتب الضخمة والامتيازات الفاحشة التي تحصل عليها الرئاسات الثلاثة وكذلك ما يسمون بنواب الشعب او نهاب الشعب، خلقت طبقة دبل(double) طفيلية فهي عاطلة عن العمل فعليا ومع هذا تتقاضى مليارات الدولارات(من غير اموال الاختلاس والنهب والتهريب) وكذلك هي طفيلية ايضا ليس لها علاقة لا بالوطن ولا بالمواطن ذلك ان اغلبها من حملة الجنسيات الاجنبية وما العراق بالنسبة لها سوى مصدرا للحصول على الثروة الفاحشة دون جهد يُذكر.
ان الديمقراطية بشكلها العراقي القائم على المحاصصة واحتكار المال العام لصالح النواب وكبار المسئولين ، اصبحت مشكلة كبرى، فهي بدلا من ان تحل مشاكل المجتمع وتحترم خيارات وحقوق الانسان، اصبحت عبأ ثقيلا عليه ومصدرا للتباغض الاجتماعي و بابا خلفيا لتسلل اللصوص والطامعين في الثروات والامتيازات.
لم تتخلص المجتمعات الغربية من الطائفية التي تولدها الاديان(الصراع بين البروتستات والكاثوليك على سبيل المثل) الا بعد ان انهت التأثير الدين على الوعي المجتمعي. فكلما قل تأثير الدين على الوعي الفردي اصبح الفرد اكثر ديمقراطية وانفتاحا للتطورات الجديدة التي يفرضها التقدم الحضاري والعلمي عليه، والعكس صحيح، كلما زاد تأثير الدين على الفرد وعلى المجتمع، كلما اصبحا اكثر تعصبا وانغلاقا.
انه لضحك على الذقون ذلك الادعاء بالمقدرة على اصلاح العملية السياسية عن طريق النضال البرلماني، ذلك ان المجتمع قد انقسم على نفسه واصبح مكونات تفصلها عن بعضها البعض جدران من الشك وعدم الثقة والاتهامات المبطنة.

ان الديمقراطية تصبح مشكلة اضافية وعبأ على المجتمع اذا لم تكن في دولة علمانية، اذ ان الدولة العلمانية كفيلة بالقضاء او على الاقل التقليل من تأثيرات الدين الطائفية في المجتمعات المتخلفة ثقافيا واجتماعيا ومعيشيا. كما ان الدولة العلمانية تخلق مجتمعا متجانسا، ذلك ان المواطن في الدولة العلمانية كقيمة انسانية له الاعتبار الاول والاخير وليس لانتمائه الطائفي او القومي او الديني.