حلويات بن لادن


عبد الرحيم التوراني
2018 / 3 / 13 - 23:38     

في أحد محلات بيع الحلويات أخذت مكاني أنتظر دوري، لم يكن البائع هذه المرة فتاة حسناء كما هو معهود لدى المخبزات وباعة الحلويات، بل كان شابا شاخ قبل الأوان، تطوق وجهه الأسمر النحيل لحية طويلة غير مشذبة. به ملامح من أسامة بن لادن، لا سيما وقد أضاف عليه لباسا أفغانيا، كأنه قادم للتو من "حلقات الذكر"، إن لم أقل من "معاقل الجهاد".
سألته أن يزن لي نصف كيلو من الحلوى المغربية "الفقاص"، ونصفا آخر من حلوى "كعب الغزال".
سارع "بن لادن" المغربي بخفة إلى الميزان الإلكتروني، وكأنه يزن ذهبا. وبيد معروقة لاحظت أنه يأخذ قطعا حلوى مكسورة و"مهروسة". طلبت منه ألا يعطيني سوى قطع الحلوى الكاملة. فرد علي بهدوء محاولا إقناعي:
- ياك غادي تهرس وتؤكل في آخر الأمر!
رددت عليه، أي نعم، لكني أريد شراء حلوى كاملة، خصوصا وأني سأقدمها لصديق أجنبي.
هنا رفع "الأفغاني" يده المعروقة عن الميزان، في لحظة سيتحول من بائع حلوى إلى واعظ وداعية. كيف لا؟ وهو لا تنقصه اللحية ولا الشارب المحفوف ولا السحنات ولا اللباس الديني، ولا التجرؤ.
- مزيان يا اخي، عليك بإكرام الغريب.
لم أجبه، ولم أهتم بقوله. لكنه أضاف:
- وأنت تطعمه وتذيقه يا أخي من حلوى المسلمين، عليك أن تحدثه قليلا عنا. أقصد عن ديننا.
ابتسمت، وقلت:
- إن صديقي الأجنبي مثقف، ذو معرفة موسوعية. وفي سري قلت: "يعلم ما لا تعلمه أنت وأمثالك".
وهو يقوم بتعليب "الفقاص" و"كعب الغزال" في علبة كرتونية، ابتسم ابتسامة ماكرة قائلا:
- لكنه لن يمر..
- إلى أين...؟ سألته مستغربا.
من دون تردد أجابني:
- أقصد ما بعد القبر.. لن يمر إلى الجنة.
ضحكت ساخرا، وأنا أستلم منه الحلوى وأسلمه ثمنها:
- لم أكن أعلم أنك تبيع هنا الحلويات ومعها مفاتيح الجنة...! من أخبرك أن غير المسلمين لن يمروا إلى الجنة؟
بعينين جاحظتين أطلتا من محجرين ضيقين، صاح "الحلواني الأفغاني":
- الله.. الله من أخبرني. اذهب واقرأ القرآن.
لم أعبأ بالرد عليه، خرجت من المحل تشيعني كلماته التكفيرية:
- أنت أيضا وصاحبك لن تمرا... إذا بقيت تشكك في كلام الله.
وأنا عائد وبيدي علبة الحلوى، كنت أفكر في طريقي في هذه "الأفغنة" التي تضرب البلاد. أينما وليت وجهك ثمة "داعية" و"تكفيري" يزرع التطرف والشعوذة التي لا يمكنها إلا أن تنبت الخراب. وذكرني الميزان الإلكتروني، بصائغ مجوهرات بالمدينة القديمة في الدار البيضاء، ينصح زبائنه من الرجال بعدم ابتياع المجوهرات التي تحتوي على معدن الذهب، لأنها محرمة على الرجال. وإن كانت خاتم زواج. لكنه يصنعها ويعرضها للبيع للكفار فقط. هو الآخر كان ملتحيا وبلباس أفغاني.
بقي أن أشير إلى أن صديقي الأجنبي مسلم، لكن "بن لادن" بائع "الفقاص" سيمنع جنته عن كل الأجانب.