حول فكرة موت الله عند نيتشه


عبد العزيز الراشيدي
2006 / 3 / 10 - 11:34     


لقد شكلت فكرة موت الله لدى نيتشه انعطافا كامل وجديد في الثقافة الغربية إذ يعتبر موت الله تأسيسا لميلاد ثقافة جديدة .فبأي معنى يمكن أن نتحدث عن موت الله كمنعطف في الثقافة الغربية ؟
إن الإجابة على هدا الإشكال يمكن أنستشفها من خلال رسم الخطوط العريضة للاستهلال الذي من خلاله يقدم لنا نيتشه زرادشت كالمبشر بانعطاف ثقافي جديد مؤسيس لحضارة جديدة .بحيث أن وضوح الرؤية لهدا النبي الجديد يجعله يحقق وضعا فعليا جديدا يتمثل في موت الله أو موت الحلم بوجود عالما أخر مفارق للعالم الأرضي وبالتالي إنجاز تدمير للثقافة القديمة التي كانت تتأسس على فكرة لله , لكن نيتشه لا يكتفي بهدا التدمير وفقط , بل يأسيس لبناء جديد يهدف إلى قلب القيم القديمة .
لكن لكي نفهم هدا التدمير يجيب أن نبحث عن دلالة موت الله لدى نيتشه.
إن موت الله هو أول حدت يلاحظه نيتشه انطلاقا من تأمله لمكانة فكرة الله في الثقافة الغربية .إذ يلاحظ أن مكانة الله في الحضارة الغربية إبان الفرن19 وبعد قرن فلاسفة الأنوار الذي بدد ظلامية القرن الوسطة,وبعد الثورة الفرنسية التي انتزعت السلطة السياسية من السيد الأعلى صاحب الحق الإلهي.ومع ميلاد العلم الوضعي والفعالية الصناعية والثورات السياسية .بدأت مكانة الله تضيق شيأ فيشأ وهداما سيؤدي فيما بعد إلى موت الله وانقشاع الأوهام الماورئية في الثقافة الغربية إن موت الله في الجوهر هو موت الثنائية , وزوال مفهوم الأخيرة في الثقافة الغربية أي إلغاء الإيمان بعالم أخر مفارق للعالم الأرضي إن هدا الازدواج يشكل الملمح الجوهري في الثقافة الغربية إن هدا التعارض بين العالم الأرضي المحسوس والعالم الأخر تتفرع عنه أزواج أخرى يعبر كل واحد عنها بلغته الخاصة حيث نجد رجل الدين يتحدث عن المقدس والمدنس عن العالم الأرضي وعالم الحياة الأخيرة .ونجد الفيلسوف يتحدث عن المحسوس والمثل على الظاهر والشيء في ذاته ونجد العالم يعارض الواقع الخام بالقانون الرياضي.
إذن في ظل هده الثنائيات يصبح المرء العاقل هو الذي لا ينخدع بكل ما هو مباشر وأن تكون متقفا إنما هوأن تعرف كيف تبدي الحذر المطلوب حيال المعطى وتبحث عن مايخفيه هدا المعطى.
إن نيتشه يرى أن هده الثقافة سلبية بشكل أساسي نافية وعدمية. فعالمنا الأرضي لا يساوي شيئا بالنسبة لها وكلما ندركه فيه هو وهم وكلما هو بشري تلوته الخطيئة. إن موت الله بقدر ماهو موت للثنائية أخلاقية هو كذلك إنهيار لنمط وجود وتفكير سلبي .إنهيار يشكل الطور الأول من مجئ نمط وجود وتفكير إثباتي.إن إحلال التفكير الإثباتي بدل التفكير النافي يجعل من نتشه ليس مجرد ملاحظ لموت الله بل يرتقي به إلى مستوى الفاعل الدى يتسبب في موت الله لأن زرادشت في رسالته يسعى إلى إستبدال هدا النمط من الوجود الإرتكاسي بنمط وجود يكون فيه الإنسان فاعل ومبدع ولعل هدا مانلمسه في هدا المقطع من كتاب هكذا تكلم زرادتشت ."أحب أولئك الدين لا يبحثون ماوراء النجوم عن سبب للأفول ...بل يضحون بأنفسهم من أجل الأرض" .
إن زوال مفهوم الأخيرة الدى تحدثنا عنه في البداية هو في الواقع الأمر هبة ,إنه تحرير الإنسان الذي طالما استعبدته هده الأخيرة.
إن هدا الزوال كذلك يعد بمثابة إعادة الاعتبار للإنسان عبر عودته إلى ذاته من النزوع للاستلاب ويبقى هدا التحرير خطوة ثانية تفتح الباب للطور التانى من التحول :لقد مات الله وينبغي تعليق القيم الأخلاقية في موضع أخر الذي هو الإنسان .