قصاصات سيلوسية 10 : من هو خاتم الأنبياء؟ ملاخي خاتم الأنبياء


سيلوس العراقي
2018 / 3 / 4 - 18:43     

في تاريخ اسرائيل وفي تقليده هناك الكثير من الأنبياء يفوق عددهم عدد الأعمال والأسفار المنسوبة اليهم المثبتة في الكتاب المقدس
يقول الرابيون هناك المئات من الأنبياء الحقيقيين، لكن فقط الأنبياء الذين أوردهم الكتاب المقدس هم الذين كانوا يحملون رسالة ليس لزمنهم المعاصر لهم فقط، بل أيضًا لجميع الأجيال اللاحقة لهم. وفي الحقيقة الناس المتدينون عبر العصور اللاحقة لهؤلاء الأنبياء، رأوا تأوينية وصلاحية وتوافق أغلب التعليم الذي سجله وتركه الأنبياء، فمثلا النبي عاموس قام بتوبيخ قاسٍ ضد الظلم أو النبي هوشع الذي تحدث عن الحبّ والرحمة، فكلامهم كان موجهًا مباشرة لمعاصريهم بدرجة أولى، لكن الناس في مختلف العصور التالية للنبيّين ولغاية يومنا هذا تستمد الهامًا وارشادًا لهم في حياتهم من ذلك التعليم

في قصاصة قصيرة سنقوم بمغامرة معرفية حول جنس (نوع) بشريّ خاص، بكلمات قليلة

الأنبياء في المفهوم الكتابي اليهودي ليسوا أناسًا يقرأون المستقبل البعيد، وهكذا مفهوم يعتبر سخيفًا جدًا ولا حظّ له حتى في فكر أو نية النبي، لأنه سيكون نوعًا من أنواع السحر والتنجيم أو ماشابه !! خاصةً أنه من الصعب جدًا عقلانيًا ومنطقيًا أن يرى شخصٌ ما ما سيحدث بعد آلاف السنين، وبهذا الشأن لم يدّعي الأنبياء الكتابيين بذلك. صحيح أن بعض الأنبياء تحدثوا عمّا سيحدث على ضوء الأحوال المعاصرة لهم، لكن تحدثوا بشكلٍ عامّ، مثالا على هذا، لو أن الناس يحتقروا ويسحقوا الفقراء سيترتب على ذلك عواقب وخيمة على حياة الجماعة والمجتمع، لكن هذا توقع مختلف، ولا يتضمّن ذِكرًا وتوضيحًا تفصيليّا لتفاصيل دقيقة وشاملة لما سيحدث فعلاً في الأجيال القادمة مستقبلاً. إن التوجه الرئيسي لتعليم الأنبياء هو في تركيزه وإصراره في الحديث والمطالبة بصرامةٍ وأحيانًا بتعنيف وتوبيخ وبشجاعةٍ قصوى على أن الله يطلب من شعبه أن يمارسَ العدلَ وأن يكون عادلاً، ويُظهر الرحمة ليكون شعبًا مقدسًا وقديسًا ولذلك تُقال عبارة شهيرة بما يخص أنبياء اليهود بأنهم ليسوا قارئي المستقبل بمعنى
foretellers
بل هم من يحّددوا الطريق الصحيح نحو العدل والحق للشعب بمعنى أنهم
forthtellers

ويظهرالسؤال الآخر حول هذه الشخصية، مالذي يمكننا معرفته حول الأنبياء ؟ وكيف كان يمكن أن يكون شخصٌ ما نبيًا ؟ ويكون متأكّدًا بأن الله قد تواصل معه وأوصل له ما هي مشيئته ومايريده ليعلن للناس سامعيه : هكذا قال الربّ؟
في الحقيقة نحن لا نعلم، لا أحد يعلم كيف، ولا يمكن لأحدٍ أن يعلم كلّ شيء بشكل تامّ، وبكلّ بساطة لايمكننا معرفة كل شيء حول ذلك مادمنا لسنا بأنبياء
ولا يمكننا معرفة الكثير،
بشكلٍ ما وبتبسيط جزيل جدًا، مثلما طبيبٌ ما في جلسة عامة، يعرف من حديث شخصٍ آخر لا يعرفه إن كان طبيبًا أم لا

وكما هو معروف فان الأنبياء توقفوا في اسرائيل، والنبوءة محصورة في شعب اسرائيل مثلما هو معروف
وكان آخرهم النبي ملاخي خاتم الأنبياء

ومع صعوبة الأجابة والخوض في موضوعٍ شائك
لكن ما يمكننا معرفته بأن هذه الأسفار ـ كتب الأنبياء ـ تعبّر بلغة لا مثيل لها عن تعاليم قد غيّرت العالم، تعاليم للحق والحرية والعدل والرحمة وغيرها، ولا زالت تخاطب قلوب وضمائر قراءها بنفس القوة والسلطة التي جعلت النبي يعلنها وهو الذي كان في تواصل معها، مبرّرة

والجدير بالاهتمام أن كافة انبياء أسرائيل عبّروا عن ذلك في لغة متناغمة مع خلفيتهم وثقافتهم الاجتماعية وأطباعهم الشخصية
فعاموس النبي استخدم مفردات ريفية من بيئته كريفيّ ومربّي ماشية، وحزقيال النبي كان كاهنًا فاستخدم مفرداته وعباراته من عالم الكهنوت والهيكل، وهكذا البقية
لكلّ نبي لهجته ومفرداته وطريقة تعبير خاصة لذلك لا يمكن التفكير بالنبوءة وطريقة التعبير عنها من قبل النبي كأنها نوع خاص موحّد يتبع منهجية وأسلوبًا موحّدين من عالم آخر وكأن بالله بكلّ بساطة قد وضع كلمات محدّدة بصرامة على لسان أنبياء اسرائيل
ان رسالة الله تم ايصالها من خلال شخصية النبي بكافة عناصرها، لأن الله لا يتعامل مع النبي كشخصٍ خاملٍ سلبيّ
بل إن الله يجعله أن يلمحَ لمحًا حقيقةً، المطلوب ايصالها لشعبه ـ ارادة الله مثلاً وتعليمه في لحظة معينة ـ ويقوم النبي بالتعبير عنها وتوضيحها باسلوبه وطريقته الخاصة

والى القصاصة السيلوسية التالية، تحية وسلام