القضايا الأساسية في النظرية الماركسية - 2) 2) ديناميات التغير التاريخي هي الصراع بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج


أشرف حسن منصور
2018 / 3 / 4 - 11:51     

2) ديناميات التغير التاريخي هي الصراع بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج
تنص نظرية ماركس على أن قوى الإنتاج تتطور بمعدل أسرع من تطور علاقات الإنتاج المرافقة لها. فنتيجة للتقدم العملي والتكنولوجي يتم استحداث أساليب جديدة للإنتاج لا تستطيع علاقات الإنتاج القائمة التكيف معها أو التعامل معها بكفاءة. ويذهب ماركس إلى أن علاقات الإنتاج الرأسمالية أصبحت قيداً على التطور الجديد لقوى الإنتاج. هذا التطور أدى إلى تشابك بين الأفرع الإنتاجية المختلفة واعتماد متبادل بينها، مما يحتم ضرورة التخطيط المركزي للاقتصاد. لكن الرأسمالية تعتمد على التخطيط الفردي نظراً للملكية الفردية لوسائل الإنتاج ولتوجيه الإنتاج من أجل الربح الخاص. وبالتالي فإن علاقات الإنتاج الرأسمالية السائدة، أي علاقات الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وفوضى القرارات الإنتاجية الفردية وفوضى السوق الرأسمالي المتروك حراً منفلتاً من أي ضوابط، يتناقض ويتصادم مع الضبط والتخطيط الذي تتطلبه قوى الإنتاج الجديدة. إن الصناعة الحديثة قد تطورت إلى الدرجة التي صارت عندها العلاقات الرأسمالية متخلفة وغير صالحة للتناسب مع الوضع الحالي للعلم الإنتاجي والتكنولوجيا.
هذا الصراع بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج يصفه ماركس بأنه عام وسائد عبر التاريخ كله، وبأنه هو القوة المحركة للتاريخ والسبب الأساسي لكل الثورات والتغيرات الاجتماعية والسياسية الكبرى. وأفضل نموذج يستعين به ماركس لإثبات ذلك هو الثورة الفرنسية. ففي العهد الملكي القديم السابق على الثورة الفرنسية، سادت العلاقات الإقطاعية والأنظمة القانونية والإدارية الإقطاعية التي لم تعد تناسب عصر الصناعة، وبذلك كانت قوى الإنتاج الجديدة محبوسة داخل علاقات إنتاجية إقطاعية قديمة، فكان من الحتمي أن يحدث انفجار سياسي واجتماعي، يتم به العصف بالنظام الإقطاعي والامتيازات الأريستوقراطية التقليدية من أجل تأسيس نظام جديد يتناسب مع الصناعة الحديثة. وكانت البورجوازية هي الطبقة التي تولت التحديث الصناعي لفرنسا قبل الثورة، وهي ذاتها الطبقة التي قادت الثورة على النظام القديم وتأسيس النظام الجديد. لكن ما حدث في فرنسا بثورة وعنف، كان يحدث ببطئ وهدوء في إنجلترا، وتم التحول من الإقطاع والنظام الأريستوقراطي إلى النظام الرأسمالي البورجوازي في إنجلترا عن طريق التطور البطيئ الذي صاحبه إصلاح تشريعي وإداري تدريجي. وبذلك كانت الثورة الإنجليزية طويلة وهادئة وبطيئة إلى درجة غير محسوسة، وكانت الثورة الفرنسية سريعة وعنيفة وقصيرة العمر، لكن الثورتين أحدثتا نفس النتيجة، وهو التحول إلى المجتمع الجديد الذي وفر علاقات إنتاج جديدة ونظام سياسي وقانوني جديد أكثر تناسباً مع العصر الصناعي. وعلى الرغم من معرفة ماركس بأن التغير الاجتماعي يمكن أن يكون إصلاحياً وهادئاً مثل التطور الإنجليزي وليس شرطاً فيه أن يكون ثورياً عنيفاً مثل التغير الفرنسي، إلا أنه كان يعلم جيداً أن بداية التغير الإنجليزي كان بثورات القرن السابع عشر والتي كانت مجرد فاتحة للتحول التالي البطيئ من النظام القديم إلى الجديد. وظل ماركس يتمسك بفكرة أن الثورات هي الأداة الأساسية لإحداث تغيير حقيقي في كل المجتمعات.
لكن يجب أن ننتبه هنا إلى أن نموذج الثورة الفرنسية كان هو النموذج الوحيد في ذهن ماركس وهو يتحدث عن الثورة الاشتراكية. فكلما كان ماركس يتحدث عن الثورة الاشتراكية وعن إمكان حدوثها في المستقبل كان يتصورها على نموذج الثورة الفرنسية. وقد كان ماركس قريب العهد منها وعاصر عدداً من آوخر أبطالها وكان على معرفة شخصية بهم.