في ذكرى اغتيال المفكر حسين مروة!


فهد المضحكي
2020 / 2 / 18 - 09:41     

انه العداء لكل رؤية تنويرية.. لم تكن قوى الظلام بمختلف توجهاتها سوى أداة تنفيذ لمشروع سياسي عقائدي معاد للحريات والتعدد والتسامح.

ومن هذا المنطلق لم تتردد هذه القوى في اغتيال وتكفير الكثير من المبدعين والمفكرين!.

حينما نتذكر الجريمة النكراء التي نفذها حزب الله في الجنوب اللبناني عندما اغتال المفكر حسين مروة بكاتم الصوت في السابع عشر من فبراير 1987 وهو على سرير المرض وقد ناهز الثمانين من العمر نجزم ان اختلاف القتلة مع المفكر مروة ليس لانه غرد خارج السرب الطائفي والمذهبي وحسب بل لانه تناول بالنقد والتحليل العلمي مشروع التخلف القائم على النص لا العقل.. المشروع الذي سيس الدين لخدمة السياسة ودعا إلى العنف والإرهاب من أجل مشروع ماضوي يدعو إلى سلطة دينية متطرفة ومنغلفة معادية للعقل والفكر المستنير وهو ما حصل لمروة عندما اصدر كتاب «النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية» وعن هذا الاصدار كتب المفكر محمود امين العالم، لم يكن غريبا ان تصدر هذه الملحمة الفكرية التاريخية عن لبنان، والابن البار للتراث العربي الاسلامي، والعارف به معرفة عميقة جادة، والمفكر والواعي بحقائق عصره الذي يعيشه بتفتح وحرارة المناضل الشيوعي الصلب، فضلا عن الانسان الصادق الأمين الناصع النفس والفكر..

وعندما اتأمل – كما يقول العالم – جوهر العملية التفسيرية التي يقوم بها في كتابه، ليس يكفي القول بأنها تنتج المنهج المادي التاريخي، فما أكثر من ينتهجون هذا المنهج ويحيلونه إلى شكل من أشكال المادية الميكانيكية، بل إلى مثالية معكوسة، أو يطبقونه عبر شعارات زاعقة أكثر ما يطبقونه تطبيقا عينيا ملموسا، ان عمليته التفسيرية ازاء الظواهر الفكرية المختلفة لا تقف به عند حدود كشف العلة الواحدة أو الوحيدة وانما تجهد لتحديد العوامل المختلفة المتنوعة ذات الطابع التاريخي التي تداخلت في تشكيل وتخلق تلك الظواهر، مع الحرص كذلك على ابراز العامل الأساسي الحاسم حتى لا نقع في موقف عواملي توفيقي متوازن في تفسير حركة الظواهر.

ونقلا عن الوكالة الوطنية للإعلام فبراير 2018 احيا الحزب «الشيوعي اللبناني» في بيروت الذكرى 31 لاغتيال مروة تحدث فيها التقدمي الكسندر عمار قائلا: لا يسع أي من افراد جيلي، التحدث عن شخص الشهيد الرفيق مروة وعن خصاله متعددة الجوانب، ولا عن ذكريات لنا معه أو حتى سيرته الذاتية الا وكانت نسخا عما كتب حوله ممن عاصروه، لان عملية الاغتيال السياسي المجرمة قد حرمتنا التعرف إليه شخصيا وعن كثب، لكن الحرقة تزداد تأججا، عندما يعي رفاقي من أبناء جيلي، بان اسلوب الظلاميين في التصفية الجسدية اتجاه طليعة المفكرين في صفوف نقيضهم النظري والايديولوجي والسياسي قد أدت بالفعل، إلى التوقف القسري لمشروع مروة الفكري، وحرمتنا من الاطلاع على كنوز المعرفة التي كان سيكشف لنا عنها. والحقيقة المرة التي تتطلب منا جميعا جرأة استنائية للاعتراف بها بأننا فشلنا في متابعة خطاه في مشروع عمره للبحث في مسألة التراث العربي الإسلامي.

واضاف: هذه الحقيقة الصادمة تضعنا وجها لوجه أمام قصورنا في وجه القوى الظلامية التي لم تستطع تنفيذ حكمها اللاشرعي بإعدام مفكرنا الجليل جسديا فحسب، بل انها كادت ان تنجح في اغتيال فكره، بالرغم من راهنيته في حياتنا المعاصرة وضرورته لمتابعة النضال الثور في مجتمعنا الحاضر، وذلك من خلال انفاذ مؤامرة الصمت عن موضوع بحثه.

لقد تمكن الحزب السياسي الظلامي – حزب الله – من جسد وحيوية رفيقنا الكبير حسين مرزة. بينما عجز الحزب السياسي الثوري، في المقابل، عن ايقاد شعلة الذاكرة الحية في مسيرة التغيير، وغاب عنها مروة في لجة النسيان القاسي والمؤلم.

ان مسلسل الاغتيالات الذي دأبت عليه الجماعات الإرهابية سواء كانت الجماعات الجهادية التكفيرية او الامامية فإنه طال الكثير من المفكرين من بينهم د. فرج فوده الذي كان واضحا في كتبه أنه يسعى لإسلام خال من«الإرهاب» والعنف أكثر قبولا للتعددية. والمفكر مهدي عامل الذي من مؤلفاته «في الدولة الطائفية» الذي حلل فيه ان الطائفية ليست فقط كيانا بل هي علاقة سياسية محددة بحركة معينة من الصراع الطبقي. والكاتب والباحث العراقي التقدمي كامل شياع الذي تم تصفيته عام 2008 من مسدسات كاتم الصوت لانه ينادي ويطالب بحركة ثقافية في العراق وفق رؤى علمانية، ومحاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ، ناهيك عن تكفير الكثير من المبدعين!.