العلاقات الصينية السورية


جاسم ألصفار
2018 / 2 / 26 - 21:28     

العلاقات الصينية السورية
د. جاسم الصفار
26/02/2018
ظلت القاعدة التي تنطلق منها الصين في رسم سياستها من الاحداث الدموية في سوريا غير مفهومة تماما عند العديد من المتابعين للشأن السوري في العراق. بعضهم وهو يراقب مواقف الصين في مجلس الامن واشهارها المتكرر للفيتو متضامنة مع روسيا لتعطيل المشاريع المعادية للنظام السوري وكأنه مجرد تضامن مع حلفاء دوليين او انه حفاظا على توازن دولي دونه قد تتهدد مصالح المستثمر الصيني في منطقة الشرق الاوسط على العموم.
كل هذا ممكن وصحيح ولكنه لا يكشف تفاصيل الدور الصيني في سوريا. فسوريا، سواء قبل الاحداث الدموية الدائرة هناك منذ ما يقارب السبعة اعوام او خلالها، محط اهتمام دول عديدة، في مقدمتها الصين، التي طمحت لان تشغل مكانة متميزة في التجارة مع سوريا قبل اندلاع الحرب فيها، وتطور هذا الاهتمام الى مصالح ستراتيجية متشعبة تتجاوز التجارة لتشمل كل مجالات التطور الاقتصادي لهذا البلد الشرق اوسطي.
في الاحداث السورية كان موقف بكين مؤيدا للنظام السوري، وكان لتأييدها اليات محدد، فالصين، كما ذكرنا اعلاه، استخدمت حق الفيتو عدة مرات في التصويت في مجلس الامن لتعطيل مشاريع قرارات معادية للسلطة السورية، وتعاونت مع روسيا في توحيد موقفيهما من الاحتلال الاسرائيلي للجولان وكذلك في توجيه النقد لمواقف الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الداعم للمنظمات الارهابية العاملة على الاراضي السورية، اضافة الى انها كانت تملك رؤيا مشابهة لروسيا في تشخيص خطر هذه المنظمات على دولها وشعوبها، خاصة وان في صفوف المنظمات الارهابية العاملة في سوريا هناك العديد من المواطنين الصينيين الاويغوريين المعتنقين للاسلام.
وهؤلاء الاويغوريون هم من سكان مقاطعات صينية ذات اصول تركية تسكن في منطقة سينتسيان الاويغورية ذات الحكم الذاتي، والتي ظهرت فيها منذ عام 1990 حركتان ذات توجه قومي اسلامي هما المؤتمر الاويغوري العالمي والذي تتركز قيادته في نيو يورك في الولايات المتحدة الامريكية، اما الحركة الثانية فهي الحركة الاسلامية لتركستان الشرقية الطامحة لاستقلال، ما يدعونه في ادبياتهم، "تركستان الشرقية" عن الصين واعلانها دولة اسلامية.
ما يسمى بالمؤتمر الاويغوري العالمي، فهو اشبه ما يكون بمنظمة حقوق انسان تعتمد المعايير الغربية في تقييماتها "لخروقات" نظام بكين لحقوق السكان الاويغوريين، وهي على العموم منظمة معتدلة لا تمارس الارهاب سبيلا لتحقيق مطاليبها، على عكس الحركة الاسلامية لتركستان الشرقية التي تعتبر واحدة من فروع القاعدة وعناصرها ينشطون في صفوف جبهة النصرة السورية منذ عام 2015 والتي التحقوا بها عن طريق الاراضي التركية.
للصين علاقات وشيجة مع الدولة السورية في مجالات التجارة والاستثمار سبقت الحرب التي القت بظلالها على وتائر تطوير هذه العلاقات. الا ان التغير الذي حصل في الموقف الروسي والذي استوجب تدخله المباشر على الارض في الاحداث السورية شجع الصين على تنشيط وتطوير علاقتها بدمشق. ففي العام 2017 تكثفت زيارات الوفود الصينية الى العاصمة السورية، ولم تكن تلك الزيارات بأغراض التقصي او التضامن، بل لتوقيع اتفاقيات وابرام عقود هامة.
ففي شهر شباط/ فبراير عقدت الصين مع سوريا اتفاقية تعاون تقني واقتصادي، وفي بداية شهر تموز/ يوليو تم التوقيع على وثيقة تعاون في المجالات التقنية والاستثمارات، والتي بنتيجتها تم التوقيع على عقود استثمار تقدمها الصين بقيمة 2 مليار دولار امريكي تشارك فيها 150 شركة صينية توفر 40 الف عمل ووظيفة للسوريين، وفي شهر اب / اوغسطس زار دمشق وفد عسكري رفيع المستوى لتطوير التعاون في المجال العسكري، علما بأن الصناعات الحربية الصينية توفر اليوم للجيش السوري حوالي 15% من احتياجاته وهذه النسبة في زيادة مطردة، هذا اضافة الى الدورات التدريبية في شتى مجال الفنون القتالية.
والاهم من كل ذلك هو البعد الستراتيجي للعلاقة بسوريا وخاصة ما تهيئ له الصين من دور لها في عملية اعمار سوريا بعد الحرب، وقد صدرت تصريحات عديدة من مسؤولين سوريين وصينيين تؤكد على انه سيكون للصين دور متميز في عملية اعمار سوريا، وفي هذا السياق خصصت الصين مبالغ مالية كبيرة لاعمار المستشفيات وهي تخطط للاستثمار في مجال اصلاح الطرق وبناها التحتية وفي مجال قطاع الاتصالات، اضافة الى 20 موقعا كبيرا غير تلك، اهمها اعادة اعمار قطاع النفط والغاز الذي استثمرت فيه الصين قبل الحرب، فشركة النفط الوطنية الصينية (China National Petroleum Corporation, CNPC) تساهم في تمويل شركتين نفطيتين في مجال التنقيب عن النفط في محافظة حمص عدا عن عقود بمليارات الدولارات لاستثمار حقول نفطية اخرى.
وللعلم فان اعادة اعمار سوريا يتطلب حسب تقارير البنك الدولي لعام 2016 ما مقداره 150-180 مليار دولار، تتهيأ الصين لأن تكون لها حصة الاسد في تنفيذها نظرا للعلاقات الدولية والاقليمية التي خلفتها الحرب في سوريا.