العنف القانوني ضد المرأة ودور التشريع المدني في حمايتها


رسميه محمد
2006 / 3 / 8 - 11:31     

المدخل
مقدما لابد من الاشارة الى الدور الذي لعبه المفكرون الاشتراكيون في كشف الاسباب الحقيقية التي كانت وراء اضطهاد المرأة في التاريخ البشري , وقد أوضح انجلس الجذور التاريخية والفلسفية لهزيمة المرأة التاريخية العالمية الكبرى. حيث كشف عن العلاقة الوثيقة بين الاضطهاد الجنسي والاضطهاد الاقتصادي. وأوضح أن أول اضطهاد طبقي حصل في التاريخ هو اضطهاد الرجل للمرأة . ان الاضطهاد الذي وقع على المرأة كان مضاعفا فالرجل العامل يعاني من اضطهاد صاحب العمل, أما المرأة فتعاني من اضطهاد صاحب العمل واضطهاد زوجها, واكد ان تحرير المرأة لايتم ميكانيكيا بعدتحرير العمال والفلاحين أو بعد التحرير الاقتصادي لكن التحرير الاقتصادي شرط لحدوث التحرير الانساني الذي بغيره يتحول الانسان الى أداة للعمل فحسب- وتلاحظ الباحثة جوزيت ترات أن التاريخ قد برهن على صحة ماجاء به أنجلز في هذا الشأن. فقد دعا الى المساواة القانونية الكاملة بين الرجل والمرأة, فكما أن الجمهورية الديمقراطية لاتمحو التناقض بين الطبقتين(الرأسمالية والطبقة العاملة) كذلك فأن المساواة بين الرجل والمرأة في العائلة الحديثة لايمكن أن تتحقق الا اذا كانا متساويين بشكل كامل أمام القانون(1). أن تعديل وتغيير التشريعات التي تحتوي على تمييز ضد المرأة أو اجحاف بحقوقها وبخاصة تشريعات الاسرة والاحكام التي تنظم علاقات أسرية في تشريعات أخرى مختلفة, تشكل الخطوة الاولى على طريق تحرر المرأة. لان المساواة بين الجنسين في حقيقتها, مساواة قانونية, مساواة في الحقوق والواجبات.اضافة الى أن التشريع المتقدم المنزه عن التمييز ضد المرأة, يؤثر تأثيرا بالغا عبر تنظيمه للمجتمع في انماء الوعي وتغيير العقليات والسلوكيات,وتنزيهها عن التمييز ضد المرأة أيضا. أولا- موقع المرأة في التشريعات الدولية يعد ميثاق الامم المتحدة الذي أعتمد في سان فرانسيسكو العام 1945 أول وثيقة دولية تضع مساواة المرأة بالرجل . فقد وردت في ديباجته – أن شعوب الامم المتحدة , وقد الينا على أنفسنا –أن نؤكد من جديد ايماننا بالحقوق الاساسية للانسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية. وتورد المادة الاولى من الميثاق بين أهداف المنظمة تعزيز احترام حقوق الانسان الاساسية للناس جميعاوالتشجيع على ذلك دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين...الخ. أما الاعلان العالمي لحقوق الانسان فقد نصت المادة الاولى فيه على المساواة بين الجنسين, كما جاء في المادة الثانية ( لكل انسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في الاعلان دون تمييز من أي نوع(2). وفي تشرين الثاني من عام 1967أصدرت الجمعية العامة قرارها المرقم 2263 في اعلان القضاء على التمييز ضد المرأة . وهو بيان رسمي دولي للقضاء على سياسة التمييز بين الجنسين.وتوالت القرارات الدولية لتحسين أوضاع المرأة والدفاع عن حقوقها.وأصبحت قضية المرأة موضع اهتمام الرأي العام العالمي, ولم يكن اعتبار الجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1975 سنة دولية للمرأة الا اعترافا بمسؤولية المجتمع الدولي تجاه قضية المرأة , واعترافا بجهود النساء وتاكيدا لاهمية دورهن في بناء المجتمعات الانسانية . مما شكل مقدمة جديدة من العمل الدولي بدأ من’ مؤتمر المرأة العالمي في المكسيك , ثم جاء عقد الامم المتحدة للمرأة (76-85), في هيئة جهد عالمي النطاق يرمي الى دراسة مركز المرأة وحقوقها واشراكها في عملية صنع القرار على جميع المستويات. وفي العام 1979 أعتمدت الجمعية العامة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي وضعت المعايير الدولية للمساواة المقصودة بين الرجل والمرأة. وكشفت هذه الاتفاقية الشاملة, بدعوتها الى كفالة الحقوق المتساوية للمرأة , بصرف النظر عن حالتها الزوجية, في جميع الميادين –من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ومدنية - عمق العزلة والقيود المفروضة على المرأةعلى أساس الجنس لاغير. وأوصت باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بتحقيق المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة,وباتخاذ خطوات تستهدف تعديل الانماط الاجتماعية والثقافية التي تؤدي الى ادانة هذا التمييز. وفي عام 1985 اعتمد المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الامم المتحدة للمرأة- ستراتيجيات نيروبي التطلعية للنهوض بالمرأة على أن يجري تنفيذها بحلول عام 2000. وقد أمكن بالفعل تحقيق انجازات مهمة في سبيل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل , واتجه كثير من الحكومات الى سن تشريعات تبتغي تعزيز المساواة بين المرأة والرجل, وانشأ اليات وطنية تكفل استيعاب المنظورات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين في شتى قطاعات المجتمع, وركزت الوكالات الدولية أيضا قدرا أكبر من الاهتمام على مركز المرأة والادوار التي تضطلع بها. وكانت القوة المتنامية لقطاع المنظمات غير الحكومية,لاسيما منظمات المرأة (وغيرها من الهيئات التي تدعم المثل العليا للمساواة بين الجنسين)واحدة من أهم القوى الدافعة للتغيير.فقد لعبت المنظمات غير الحكومية دورا بالغ الاهمية في مجال الدعوة لتنفيذ التشريعات ـو انشاء الاليات التي تكفل تقدم المرأة.ولاحظ المؤتمر اقرار عدد متزايد من الحكومات بأهمية الدور الذي تضطلع به المنظمات غير الحكومية واهمية التعامل معها من أجل احراز التقدم.ومع ذلك لاتزال الحكومات في بعض البلدان تفرض قيودا على المنظمات غير الحكومية بما يحد من قدرتها على العمل بحرية.كما لاحظ المؤتمر تحقيق تغيرات مهمة في العلاقة بين المرأة والرجل في عدة بلدان خاصةحيثما تحقق تقدم كبير في تعليم المرأة وحدثت زيادة في مشاركتها في قوة العمل المأجور.وبدأت النساء يدخلن تدريجيا في مجالات العمل التي كانت حكرا في السابق على الرجال, كما بدا الرجال يقبلون ندريجيا القيام بمسؤولية أكبر تدخل في نطاق المهام المنزلية, بما في ذلك رعاية الطفل, ومع ذلك فأن التغيرات التي طرأت على الادوار التي تضطلع بها المرأة جاءت أكبر واسرع بكثير من التغيرات التي طرأت على الادوار التي يقوم بها الرجل وقد تبنى مؤتمر هيئة الامم المتحدة الرابع المنعقد في بكين عام 1995وثيقتين هامتين – منهاج العمل واعلان بكين والتين تعتبران دليل عمل للحكومات والمجتمع الدولي من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين كما تشكلان أداتين لتحقيق التنمية الاجتماعية وحماية السلم العالمي. سلط المؤتمر الاضواء على المشاكل الحادة التي لازالت تعاني منها المرأة والتي تحول دون مساواتها وتقدمها.وجرى التركيز على ضرورة انهاء النزاعات المسلحة والاحتلال الاجنبي وتقليص مخصصات التسلح وصرفها على مشاريع التنمية لحل مشاكل الفقر والبطالة والمأسي الانسانية ولاسيما التي تتعرض لها النساء. وتبين أن ثلثي الاميين في العالم وعددهم حوالي مليار شخص هم من النساء وان نسبة النساء في المجالس التشريعية لاتزيد عن 10% كما أن نسبة مشاركتهن في المناصب الوزارية لاتزيد عن 6%وان هناك تفاوت بين دولة وأخرى. لقد جرى التأكيد على النتائج السلبية لتطبيق شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من قبل الدول التي ابتليت بالمديونية ويمارس فيها سياسة اعادة الهيكلة. كما تم التأكيد على مخاطر سياسة العولمة وتقليص دور الدولة في تقديم الخدمات الصحية والتنظيمية والاجتماعية , وان المرأة أكثر من يعاني من نتائج ذلك. لقد شكل المؤتمر انذاك نقطة تحول هامة في تاريخ الحركة النسائية. حيث قدمت جميع الاطراف المعنية تعهدات جديدة لتحقيق أهداف المؤتمر في المساواة والتنمية والسلام. الاأن ماينبغي الاشارة اليه وماتم التوصل له في المؤتمر هو انه رغم كل الجهود الدولية المبذولة لحد الان , وبالرغم من اجراء العديد من الدراسات والابحاث التي توضح الدور الحقيقي للمرأة واهمية هذا الدور في عملية التنمية وبناء المجتمع , وبالرغم من المكاسب التي حققتها المرأة باقتحامها الكثير من المجالات ومزاولتها اللعديد من المهن , لاتزال تعاني التمييز في انحاء عديدة من العالم بما في ذلك الدول الصناعية المتطورة وان بنسب متفاوتة, ولاتزال هناك العديد من الاشواط التي يجب عليها قطعها من اجل ازالة العوائق التي تعترض سبيل مساواتها بالرجل في جميع المجالات(3).
ثانيا موقع المرأة في التشريعات العربية
أن قوانين الدول العربية بمجملها تحمل تمييزا ضد المرأة مثل قانون الاحوال الشخصية, قانون العقوبات, قانون الجنسية, بالاضافة الى قوانين اقتصادية ومدنية. أما الجانب الديني أو على الاقل مايستعمل منه لتبرير بعض التصرفات, التي هو الى حد ما بريئ منها, فمتداخل بشدة مع الجانب القانوني, وفي كثير من الاحيان يقف حجر عثرة أمام تغيير بعض النصوص البالية في قوانين يعود بعضها الى العهد العثماني. حقيقة الامر أن الايدلوجية الدينية السائدة لاتكمن خطورتها فقط في مجرد تشكيل الوعي الاجتماعي العام والخاص حول دور المرأة, ومكانتها في الاسرة والمجتمع, بل تكمن الخطورة في كونها الايدلوجية التي تقوم عليها القوانين والتشريعات الخاصة بالاسرة والاحوال الشخصية. هنا تصبح الاراء والمفاهيم التقليدية الجامدة حول المرأة ليست مجرد عناصر ضمن المنظومة الثقافية السائدة , يمكن أن يتسع أو يضيق , يقوى أو يضعف , ولكنها تتحول لتكون تشريعا وقانونا ملزما للنساء في مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية. بصرف النظر عن المكانة المهنية التي وصلت اليها أو الدور الاجتماعي والسياسي الذي تقوم به المرأة في المجتمع(4). باعتبار أن الشريعة الاسلامية جاءت منذ بدايتها بأحكام منظمة محددة لبعض حقوق المرأة وأوضاعها وأن الاحكام قد ثبتت أوضاعا تشريعية غير قابلة للمناقشة على مر المراحل التاريخية جعلت المرأة في وضع مختلف عن الرجل, ولهذا تحاول الدول الاسلامية تبرير عدم التزامها بمبدأ المساواة الكاملة للنساء بقولها أن قوانينها المحلية ليست موضوعة من قبل بشر وانما سنتها الارادة الالهية, وعلى أساس ذلك قامت العديد من الدول الاسلامية (كمصر, المغرب, العراق, الكويت, ليبيا, تونس), التي وقعت أو استجابت لاتفاقية ازالة التمييز ضد المرأة(السيداو) بادخال تحفظات عليها قد فاقت بعددها التحفظات على أية اتفاقية اخرى, بحجة مخالفتها للشريعة الاسلامية, في الوقت الذي تؤيد فيه العديد من الدراسات والابحاث أن قفل باب الاجتهاد غير مسندة بأي دليل شرعي(5). فقد تحفظ العراق على البنود التالية في الاتفاقية.
* البند الثاني الذي ينص على اتخاذ تدابير تشريعية لوضع جزاءات لحظر التمييز ضد المرأة. * البند التاسع- الفقرة الثانية منه التي تنص على(تمنح الدول الاطراف حقا مساويا لحق الرجل حينما يتعلق بجنسية أطفالها. *البند السادس عشر- الذي يختص يقضية المساواة في الزواج والحياة العائلية. * البند التاسع والعشرين- بصدد التحكيم بين الدول بأحالة النزاعات الى محكمة العدل الدولية. علما أن العراق صادق على الاتفاقية عام 86. وفي عام 1987 طالبت لجنة الامم المتحدة لازالة التفرقة ضد النساء , بدراسة وضع النساء في ظل القوانين الاسلامية, بناءاعلى نتائج دراسة سابقة قد بينت أن القوانين الاسلامية تجرد النساء من حقوقهن في المساواة وقد كان من المنطقي السعي لتفحص القوانين الاسلامية من هذه الزاوية لان جميع التحفظات التي قدمت من قبل الدول الاسلامية أدعت أن( السيداو) تتعارض مع قوانينها الاسلامية. ولكن بعض الدول الاسلامية بما فيها ايران , المغرب,عمان ا, السودان وبنغلادش, اعترضت على ذلك مؤكدة أن هذا المطلب مهين لجميع مسلمي العالم(6). ومن الجدير الاشارة اليه أن قوانين الاحوال الشخصية هي من أكثر القوانين ظلما للمرأة .والملاحظ أن هذه القوانين متشابهة في معظم البلدان العربية (بأستثناء تونس) وأن الفرق بين بلد وأخرهو فرق بالدرجة وليس فرقا نوعيا, ويمكن أن أشير باختصار شديد لاهم القضايا المتعلقةبالاحوال الشخصية في معظم البلدان العربية- 1- الولاية/ في الغالب الاعم لا ولاية للمرأة العربية على نفسها,وهناك مفارقة في هذا المجال, فالقاضي هو ولي من لا ولي له,والمرأة القاضية بالتالي ولية لمن لا ولي له, ولكن لاولاية لها على نفسها,وقد يكون ولي المرأة والدها أو زوجها أو أخوها أو ابنها. واستطرادا لاتستطيع المرأة السفر خارج البلاد ان رفض الولي الموافقة, ومن المؤلم أنه ( حسب القانون) يمكن لزوج الوزيرة منعها من السفر. وفي هذا المجال لا ولاية للمرأة على أبنائها, وان كانت مطلقة حاضنة لاطفالها تحضنهم بأجر, هذا ناهيك من حرمانها في بعض الدول العربية من اكتساب جنسية زوجها, وحرمان أطفالها في بلدان أخرى من اكتساب جنسيتها. 2- الزواج/ مازال تعدد الزوجات مسموحا به في البلدان العربية, وفي الوقت نفسه قليلا ماتشارك المرأة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأسرة أو تقرير مصير الأولاد أو المساهمة الاقتصادية في نفقات المنزل أو غير ذلك. 3- الطلاق/ حتى الان , فأن الطلاق من حق الرجل على الاطلاق بسبب وبلا سبب, أما اذا أرادت المرأة أن تطلق زوجها ( اذا لم تكن اشترطت الحصول على العصمة في عقد الزواج) ومهما كان لديها من المبررات والاسباب, ومهما كان الظلم الواقع عليها, فلا بد من طرف ثالث(القاضي مثلا). 4- الارث/ في معظم الحالات لا تساوي قوانين الارث العربية بين المرأة والرجل الا في حالات نادرة , وغالبا يكون حظ الرجل ضعف حظ الانثى, وأحيانا تشكل هذه القوانين ظلما فادحا, كأن يرث أقرب رجل للأب الذي لديه بنات فقط , يرث نصيبا من تركة الأب على حساب ابنته أو بناته وهكذا. 5- هناك أمور أخرى عديدة نصت عليها القوانين في عديد من البلدان العربية , كعدم مساواة شهادة المرأة بشهادة الرجل, أو تحديد اللباس أو العمل أو غير ذلك(7). تلخيصا يمكن القول أن هتاك فجوة عميقة بين معظم القوانين العربية, والواقع الاقتصادي الاجتماعي والسياسي للمرأة, مما يجعلنا نرى أن القانون يقف في وضع متخلف الى حد كبير من الواقع نفسه الذي تجاوزه, بل أصبح القانون يشكل أحد العناصر الاساسية في تعويق حركة المرأة للمساهمة الحقيقية في تنمية المجتمع, كما تسبب في زيادة معدلات العنف داخل الأسرة وارتفاع نسب الطلاق في معظم المجتمعات العربية. من ناحية أخرى تشكل قوانين الأسرة والاحوال الشخصية بوضعها الحالي , عامل ضغط نفسي على المرأة , حيث تعيش حالة من عدم الأمان والتهديد المستمر من فقدان الأسرة في حالة تعرضها للطلاق, أو زواج زوجها بأخرى ,أو اساءة معاملتها دون حماية اجتماعية أو قانونية. واذا أضفنا الى ذلك الوضع القانوني الظالم للمرأة العربية , الأوضاع القضائية المعقدة من طول اجراءات التقاضي وتعدد درجاتها وارتفاع نفقاتها, كذلك الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها غالبية النساءالكادحات في الريف والحضر, لتكشف لنا حجم وخطورة المشكلة ليس على الأسرة فقط بل على المجتمع كله. وهذا يضع على عاتق جميع قوى المجتمع ومكوناته, الواعية ضرورة تغييرهذا الواقع والتصدى له(8).

ثالثا العنف القانوني ضد المرأة في التشريعات العراقية
اذا كانت ظروف المرأة متشابهة في البلاد العربية فهناك خصوصية للمرأة العراقية تميزها عن غيرها, هذه الخصوصية تعود الى حروب الدكتاتورية وسنوات العقوبات الدولية وقبل كل ذلك ذهنية النظام الدكتاتوري البائد التي أعلت الاعراف البدائية في التعامل مع المرأة وكرست دونيتها في المجتمع . ورغم بعض المكاسب التي حصلت عليها المرأة بفضل تعديلات قانون الاحوال الشخصية في نهاية السبعينات فقد تدهور وضعها بصورة خطيرة منذ الانقلاب العسكري في تموز 1968 وظل يتدهور بصورة تنذر بالخطر وبخاصة بعد العدوان على الكويت واشتعال الحرب الثانية في الخليج عام 1991. وقد تأشر ذلك التدهور والانتهاكات لحقوق المرأة من خلال المئات من الأدلة ومنها ماوثقته منظمة العفو الدولية والمنظمات غير الحكومية المحايدة. وهذه الأنتهاكات مخالفة صريحة للدستور والقوانين والالتزامات الدولية يتحمل المسؤولية فيها نظام صدام. ففي الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 ورد في المادة 11 على أن الأسرة نواة المجتمع وتكفل الدولة حمايتها ودعمها وترعى الأمومة والطفولة, كما نصت المادة 19 على مايلي( أ- المواطنون سواسية أمام القانون, دون تفريق بسبب الجنس أو العرق ـو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الدين.ب- تكافؤ الفرص لجميع المواطنين مضمون في حدود القانون). كما تأكدت هذه المبادئ في دستور عام 1990 الذي حذفت منه عبارة مؤقت. غيرأن هذه النصوص وغيرها من نصوص الدستور العراقي ذات الصلة ليست الا حبر على ورق, لا بل جرى مخالفتها وخرقها بصورة خطيرة من التاحيتين التشريعية والواقعية حيث لم تتحقق اية مساواة بين الجنسين في المجتمع واستمرت سياسة العنف والاضطهاد ضد المرأة العراقية بصورة منتظمة. فضلا عن عدم وجود التناسق والتوافق بين نصوص الدستور والتشريعات النافذة(9). واذا كان من المتعذر الاحاطة بكل هذه القوانين فمن الممكن تناول البعض منها----
1- التمييز ضد المرأة في قانون الاحوال الشخصية بتأثير المد الثوري لثورة 14 تموز المجيدة وتصاعد حركة تحرير المرأة , أصدرت حكومة الثورة أول قانون للاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959. ورغم الثغرات والنواقص التي تضمنها القانون والتي ترسخ تبعية المرأة وعدم مساواتها بالحقوق مع الرجل , فقد اعتبر خطوة متقدمة على طريق تحرير المرأة بحكم الكثير من الجوانب الايجابية التي تضمنها القانون المذكور. وقد خضع هذا القانون لتعديلات عديدة تزامن بعضها مع السنة العالمية للمرأة وحرص النظام الدكتاتوري على الظهور بمظهر الساعي الى تقدم المجتمع والتحرر من التقاليد المنافية لروح العصر. الا انه خلال سنوات حروب الدكتاتورية صدرت العديد من القوانين والقرارات المكبلة للمرأة والماسة بكرامتها أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر-- * في نيسان 1981 صدر القانون رقم 174 ويقضي بمنح أزواج النساء اللواتي من التبعية الايرانية مبلغ 2500 دينارا للمدنيين منهم و4000 دينارا للعسكريين في حالة تطليقهم لزوجاتهم. * في كانون الاول 1982 صدر مرسوم من مايسمى مجلس قيادة الثورة يمنع النساء من الزواج بالاجانب ولا يجيز للمرأة المتزوجة من أجنبي نقل أموالها اليه ويحرمه من تركتها ومن حضانة أطفاله في حالة الطلاق. * ومن القوانين الغريبة التي صدرت بعد حرب الخليج الثانية قانون منع سفر المرأة بدون زوج أو محرم . هذا القانون عرض النساء لالوان من الابتزاز, حيث تضطر النساء الراغبات بالسفر الى اجراء عقود زواج صورية ودفع مبالغ كبيرة لغرض السفر. 2-التمييز ضد المرأة في قانون العمل أن قانون العمل رقم 151 لسنة 70 لم ينص صراحة على مساواة المرأة في الاجور مع الرجل لقاء العمل نفسه كما نص عليه مكتب العمل الدولي رقم (100), لكنه احتوى على الكثير من المكاسب الهامة للطبقة العاملة وللمرأة العاملة خاصة, الا أن معظم بنوده لم تشهد التطبيق حتى في السبعينات قبل أن تلغيه السلطة في الثمانينات. وفي 12/1/1985 عدلت المادة (18) من قانون العمل بحيث سمح للدوائر الحكومية واصحاب العمل بتشغيل العمال في أماكن غير المتعاقد عليها , وهذا جر على النساء صعوبات كبيرة. وفي نهاية عام 1983 صدر قرارمن وزارات الصناعة والتجارة والاسكان يجيز نقل العانلات والموظفات الى مناطق بعيدة عن أماكن سكنهن, مما اضطر أعدادا كبيرة من العاملات والموظفات اللاتي لاتسمح لهن ظروفهن العائلية بالانتقال يوميا الى محل العمل الى تقديم استقالاتهن عن العمل. وجاء قانون الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة1970 بتعديلات جذرية عاى القانون رقم 30 لسنة 1958 الا أنه بقي لاينص على حقوق المرأة في أرض الاصلاح الزراعي اسوة بالرجل ولكنه أتاح لها لاول مرة حق المساهمة في المزارع الجماعية ولكن للمرأة التي فقدت معيلها فقط.وهناك العديد من القرارات الاخرى المكبلة لعمل المرأة, واسهم صدام حسين شخصيا في سلب المرأة حقها في العمل حين دعا علنا في حزيران 2000 لعودتها الى البيت والبقاء والعمل فيه(10).
3- انتهاك حقوق المرأة في قانون العقوبات وردت العديد من النصوص القانونية في قانون العقوبات العراقي التي تكشف عن انتهاكات خطيرة لحقوق المرأة هذا الى جانب عشرات القرارات الصادرة من رئيس النظام البائد المخالفة للدستور وللالتزامات الدولية ولعل من أهم هذه الانتهاكات هي-- 1- عقوبة الاعدام للمرأة في قانون العقوبات وخارج نطاق القضاء حيث تجري عملية الاعدام للمرأة حسب قانون العقوبات العراقي نظرا لوجود هذه العقوبة . وتجري عمليات الاعدام بدون محاكمة وتنفذ من أشخاص يطلق عليهم (فدائيو صدام) . هذا الى جانب عمليات القتل والاغتصاب والتعذيب في السجون لاسباب سياسية أو لاية دوافع أخرى.. 2- جريمة الزنا والقتل بدافع الشرف – تعتبر ظاهرة جريمة القتل بدافع الشرف من الجرائم الخطيرة التي تنتهك حقوق المرأة في المجتمع . ومن الجدير بالذكر أن نظام صدام أصدر قانونا خطيرا كرس بموجبه القيم البدائية ومفاهيم التمييز بين الجنسين والعنف ضدالمرأة العراقيةمنتهكا حقوقها الانسانية حين عدل نص المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969واصدر القراررقم 111 في شباط لسنة 1990 الذي أجاز فيه قتل المرأة دون عقاب على الفاعل غسلا للعار. وفي نوفمبر عام 2001 أصدر صدام حسين قانون جديد يقضي بعقوبة الاعدام ضد المرأة المشتبه في سلوكها وضد من تدير محلا للدعارة أو من تسهل ذلك وقد استغل هذا القانون لدوافع سياسية 3- الغاء النصوص المتعلقة بتأديب الزوجة فقد جاء في المادة 41 من قانون العقوبات العراقي مايلي- لاجريمة اذا وقع الفعل استعمالا للحق-1- تأديب الزوج لزوجته --) على أساس أن التاديب من الزوج للزوجة هو استعمال لحق مقرر قانونا للزوج فقط وله أن يضربها كجزء من التأديب وهو مايتنافى وحقوق الانسان(11). عموما تشير العديد من الوقائع أن القانون لم يكن وحده سبب شقاء المرأة العراقية بل أن حالة انعدام القانون أو فقدان القدرة على الالتزام بماهو ايجابي به هو مصدر الشقاء العام. الا أن من المهم التوقف عنده هو انه بعد سقوط النظام الدموي البائد وفي الوقت الذي بدأت فيه المرأة العراقية تتطلع لمعالجة الاثار المدمرة التي تعرضت لها في ظل الدكتاتورية وارهابها وحروبها العدوانية, فوجئت النساء العراقيات بأصدار مجلس الحكم الانتقالي بتاريخ 29/12 القرار رقم 137 يقضي بالغاء قانون الاحوال الشخصية رقم 188 واستبداله بتطبيق الشريعة الاسلامية والمذاهب الدينية المختلفة.وقد جوبه القرار بموجة احتجاج شديدة واستياءا بالغا من لدن أوسع القطاعات الشعبية ورجال القانون , اذ اعتبرته استلاب وانتهاك صارخ للحقوق المدنية للمرأة والمجتمع العراقي وفرض التراجع على كل مظاهر وقيم التحضر والتمدن , ورأت أن تبديل قانون الاحوال الشخصية بأحكام الشريعة لكل مذهب على حدة يهدد وحدة النسيج الاجتماعي في المجتمع المدني العراقي ويؤدي الى ترسيخ الطائفية كأساس لتنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية في العراق ويعطل فكرة الانصهار في اطار بوتقة وطنية واحدة. اضافة الىذلك يؤدي الى تشوش وبلبلة قانونية بسبب الاختلافات الموجودة داخل كل مذهب حول تفسير القوانين. وهذا ماضطر الجهات المسؤولة لالغائه.
المبادئ التي نرتأي أن يأخذ بها الدستور الجديد والتشريعات المقبلة بما يضمن حقوق المرأة ومساواتها التامة في المجتمع
* اقامة دولة القانون , الذي يرعى مصالح الشعب بجميع مكوناته ويضمن حقوق الانسان كما صيغت في ميثاق الامم المتحدة ولائحة حقوق الانسان والعهدين الدوليين واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة, وبما ينسجم مع التطورات التي طرأت على فهم هذه الحقوق من قبل المجتمع الدولي. * فصل شؤون المرأة عن المواضيع الدينية, فموضوع المرأة هو موضوع اجتماعي خاضع لتطور الزمان واختلاف المكان ويجب أن يفهم ويعالج على هذا الاساس. * تعديل القوانين بما في ذلك قانون الاحوال الشخصية بما يتناسب والغاء التمييز بين المرأة والرجل في الحقوق المدنية والسياسية والشخصية وحماية الامومة والطفولة وتوفير كل مايؤمن للمرأة التوفيق المنسجم بين واجباتها في الحياة العامة والحياة العائلية والمزلية. ولتحقيق ذلك يتوجب النص على جعل ماورد في الوثائق والعهود الدولية المذكورة جزء من التشريع الوطني والغاء جميع القوانين التي تتناقض مع هذه الوثائق والمعاهدات الدولية, لا أن يجري اقرار هذه الوثائق والعهود شكليا وسن تشريعات وقوانين داخلية تتناقض معها كما حصل في عهد الدكتاتورية البائدة.
* اقرار وتثبيت كل ماحصلت عليه المرأة من حقوق عبر كفاحها الطويل , وان التجاوز على هذه الحقوق هو اجتراء على انتهاك حرمة ذلك التاريخ النضالي الطويل في سبيل هذه الحقوق والحريات. * ضرورة ادراج حقوق الانسان الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان, في المناهج والبرامج التدريسية لجميع المراحل التعليمية في المجتمع , مع توضيح وتركيز على أن هذه الحقوق ذاتها حقوق المرأة , فالانسان – رجل أو امرأة, وبالتالي حقوق المرأة هي حقوق الانسان,جزء لايتجزء منها,كما حقوق الرجل. كما يجب ادخال هذه الحقوق مع التوضيح والتركيز بالنسبة لحقوق المرأة في الوسائل الثقافية والاعلامية وما الى ذلك. وأيضا المبدا الدستوري – المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات) فالمواطنون هم جميع النساء والرجال, والحقوق هي الوجه الاخر للواجبات(12). أخيرا أشير الى أن قضية المرأة بما هي قضية حق انساني وتحرر انساني, فهي قضية المجتمع بأسره, وانطلاقا من هذه المقولة نستنتج أيضا ان اصلاح واقع المرأة سينعكس على كامل البناء الاجتماعي.
الهوامش
1- الثقافة الجديده/عدد 286 ص64 2- ميثاق الامم المتحدة-لائحة حقوق الانسان 3- وثائق مؤتمر يكين- اميلي نفاع نهج عدد41 ص 148
4- د ليلى عبد الوهاب دراسة مقدمة الى المحكمة العربية المناهضة للعنف ضد المرأة 5- حسن على رضي النهج عدد 5/41ص66 6- نفس المصدر ص288 7- حسين العودات نهج عدد 55 ص98 8- د ليلى عبد الوهاب مصدر سابق 9- د منذر الفضل دراسه في موقع البحث على الانترنيت 10- د سعاد خيري المرأة كفاح وعطاء- نحو عام 2000 اصدار رابطة المرأة العراقية 11-د منذر الفضل مصدرسابق 12-حنان نجمه نهج عدد 55 ص106

8/2/2005