قصاصات سيلوسية 6 : الحياة على الأرض أم في السماء؟


سيلوس العراقي
2018 / 2 / 18 - 18:23     

من الواضح أن المسيحية والاسلام تركّزان ـ بدرجات متفاوتة ـ كثيرًا على الحياة بعد الموت الى حد كبير يمكن القول (إذا جاز التعبير) بأنهما تفضلان الحياة بعد الموت على الحياة البشرية على الأرض، وبتعبير آخر أنهما تعطيان الأولوية للحياة ما بعد الموت. ومن دون الدخول في تفاصيل لاهوتية للديانتين فانه من الواضح تمامًا، مثلا وليس حصرًا، دور الشهادة (والجهاد) والشهداء في اللاهوت المسيحي أو الاسلامي، وحول هذا يحدثنا التاريخ المسيحي والاسلامي عبر قرون طويلة عمّا اقترفوه من حروب ومذابح باسم الشهادة والقتال باسم الله لنيل حمد الله وشكره لأنهم قتلوا الملايين من الأبرياء. وبالتالي وبدلا عن الحياة التي بعثروها هنا وفسدوا في الأرض هنا، سيهبهم الله (!!! لا أعرف أي إلهٍ هذا ؟) بالتالي حياة أخرى بعد الموت حين نهاية حياتهم التي قضوها في تعاسة، إضافة الى مضاعفتهم لتعاسة البشر الآخرين على هذه الأرض. بدلاً من تحسين الحياة خربوها وجعلوا منها مكانًا تعيسًا ويبحثون عن جزاء بحياة أخرى، ليسمونها كيفما شاءوا، لكن ربما ستكون وهمًا وسرابًا


في اليهودية ليس من محلٍ لمثل هكذا تفضيل، حيث لا تفضيل للحياة بعد الموت على هذه الحياة على هذه الأرض، فالله فضّل الحياة وأعطاها للانسان لكي يحسّنها ويطوّرها بكلّ امكانياته على هذه الأرض، فالانسان الحيّ هو الذي يعمل "مع الله" في خليقته ويحسّنها وهو الذي يمجّد الله وليس الأموات الذين ذهبوا الى عالم السكون والصمت الأبدي
ولذلك يقول المزمور 116 : 15 فجيعة (أو بشعٌ موجعٌ) في عيني الرب موت اتقيائه
ولو نسأل السؤال مالذي سيحدث بعد موتنا؟
العالم الآتي : عولام ها با
حيث النفوس تتمتع بنور مجد الله

بحسب كتاب فصول الآباء وهو من أقدم كتب التقليد اليهودية وتعود تعاليمه الى ماقبل المسيح
حينما تنهض من النوم (التوراه) سوف تحاكيك التوراه
ويعني بها عالم المستقبل

والعالم الأتي ليس في السماء
بل من الضروري أن يتم هنا على الأرض وليس في السموات
السموات لم تخلق للبشر
ويتفق المسيحيون مع اليهود في هذا على الأقل الى حدّ بعيد في كون ملكوت الله سيكون هنا على الأرض
وعلى المؤمنين (خدم الله في مشروعه الأرضي) أن ينشئونه على الأرض ويصلون يوميًا من أجله : ليأت ملكوتك على الأرض


أما التسمية العبرية التي تسبب ارباكًا والتباسًا لدى الكثير من المؤمنين من المسيحيين ومن المسلمين فهي عبارة : ملكوت السموات
التي ترد فيها كلمة "السموات" للاضطرار الحتمي لأن اليهودي لا يمكنه لفظ اسم الجلالة العظيم فيستعيض عنه بكلمة "سموات " لذلك نرى الانجيلي يوحنا تجاوز هذه العبارة باستخدام عبارة : الحياة الأبدية

أحبّ أن أضيف بأن في المسيحية أيضًا ايمان كبير بضرورة بناء ملكوت الله على هذه الأرض، والغاية هي أنْ تتحول الأرض الى مكان انساني مثالي ينعم بتمام السلام والأمان والحب والتفاهم والتناغم بين جميع البشر، تمامًا كما لو أنّ ما في السماء (مجازًا) قد تمّ على الأرض. وكما أن الرب الاله (ملكٌ) في عالمه (السموات) كذلك سيكون (ملكًا) على البشر وقلوبهم على الأرض

وهناك موضوع مهم أرجو أن تحدّثنا فيه قصاصة أخرى حول مفهوم القيامة والدينونة ويوم الرب
مع أنني قد نشرت مقالات هنا تتطرق الى الجهنم في اليهودية والاسلام
والدينونة والدين في اليهودية والاسلام

والى قصاصة سيلوسية أخرى
تحية وسلام