دولة القبيلة


ارام كيوان
2018 / 2 / 9 - 20:59     


"أنا أخبرك السعودية ليست كغيرها من الدول " (الوليد بن طلال)

في دراسة موضوع السعودية غالبا ما يغيب أي تحليل موضوعي للنظام الاجتماعي القائم في ما يسمى بالسعودية وأي نقد عقلاني للنظام الموجود هناك ويتحول الحديث لمجرد شعارات خاوية لا تحمل أي معنى, مثل شعار "الموت لال سعود"

بدوري سأقوم بتحليل لطبيعة النظام القائم هناك سأحاول فيه أن أصيب كبد الحقيقة فيه وربما أخطئ (رغم صعوبة أن يقع هذا), عندما نعود في التاريخ الى الوراء نجد أن ال سعود هم قبيلة من قبائل الجزيرة العربية لها تاريخ طويل ونفوذ وكان لها دولتان (الدولة السعودية الاولى والثانية)

حلل ماركس أن الملكية ما قبل الرأسمالية شهدت ثلاثة أشكال ومن جانبه قسم انجلز التاريخ البشري الى ثلاثة مراحل ومن كتابات الاثنين استنتج ستالين أن البشرية تعرف خمس تشكيلات اجتماعية : (مشاعية, عبودية, اقطاعية, رأسمالية, شيوعية)

"إن شكل الملكية الأول هو الملكية القبلية. وهو يتناسب مع مرحلة الإنتاج غير المتطورة، حيث يعيش الناس من الصيد البري والصيد المائي، وتربية المواشي أو، بأكبر قدر، من الزراعة. وفي الحالة الأخيرة يفترض شكل الملكية الأول رقعة شاسعة من الأراضي غير المستصلحة. وفي هذه المرحلة، لا يزال تطور تقسيم العمل ضعيفاً جداً، ويحد منه استمرار توسيع تقسيم العمل القائم في العائلة والمنبثق بصورة طبيعية. ولهذا تقتصر البنية الاجتماعية على توسيع العائلة: رؤساء القبيلة البطريركيون، أعضاء القبيلة الخاضعون لهم، وأخيراً، العبيد. إن العبودية، الموجودة بشكل خفي في العائلة، لا تتطور إلا تدريجياً، مع نمو عدد السكان ونمو الحاجات ومع اتساع المعاشرة الخارجية، سواء بصورة الحرب أم بصورة المقايضة." (كارل ماركس, الأيديولوجيا الألمانية) وفي مقطع اخر من نفس الكتاب يصف ماركس انحلال هذه الملكية كالاتي : (الانتقال من القبيلة الى الدولة)

هذه الملكية لم تنحل في شبه الجزيرة عند العرب بل عوض الانتقال من "القبيلة الى الدولة" أصبحت المعادلة كالاتي : "دولة القبيلة" , السؤال المفصلي هو كيف يحدث هذا التحول ب"الانتقال من القبيلة الى الدولة"

(إن شكل الملكية الثاني هو الملكية المشاعية القديمة وملكية الدولة القديمة التي تنبثق بصورة رئيسية بفضل توحيد بعض القبائل – عن طريق الاتفاق أو عن طريق الفتح – في مدينة واحدة، والتي تبقى العبودية في ظلها. وإلى جانب الملكية المشاعية، تتطور الملكية الخاصة للأموال المنقولة، وفيما بعد، للأموال غير المنقولة، ولكن بوصفها شكلاً ينحرف عن القاعدة ويخضع للملكية المشاعية.) - (كارل ماركس، نفس المصدر)


اذا راجعنا التاريخ فسنجد أن النظام السعودي القائم الى يومنا هذا كان نتيجة تزاوج بين قبيلة ال سعود والحركة الوهابية ما ساعد في بادئ الأمر في انشاء الدولة السعودية الاولى والثانية , لا أريد أن أخوض طويلا في ماضي ال سعود فأنا أحلل نظاما اجتماعيا ولا أؤرخ ولكن هناك نقاط لا بد من تحديدها مثل : الانتصار النهائي للوهابية الذي تجلى في الحرب السعودية الهاشمية التي انتهت بانتصار السعوديين في 5 ديسمبر 1924 عندما دخل ابن سعود الى مكة والمدينة

أما النقطة التالية التي سنوردها ومن ثم سنحللها تحت عنوان "النفط متفاح قوة ال سعود"


"أضحى ابن سعود لا يعول على الوهابية وحدها في توحيد القبائل العربية عندما لم يعد الاخوان يشكلون عاملان وهكذا أصبحت مكافأته لقبائل البدو أهم اذ منحت الحكومة البريطانية ابن سعود حوالي 60 ألف جنيه استرليني سنويا لهذا الغرض وارتفعت الاعانات البريطانية خلال عشرينات القرن الماضي الى مئة ألف جنيه استرليني سنويا.
لكن الحفاظ على وحدة مملكته الموسعة بات أمرا باهظ الثمن على نحو متزايد اذ جمع ابن سعود له حوله عبر نظامه في منح الهبات للقبائل حاشية ضخمة من شيوخ الجزيرة العربية الذين لم يعلهم بالمأكل والايواء فحسب بل بالسيارات والبيوت والزوجات والأموال ثم واجه النفقات العسكرية المتواصلة خاصة بسبب تمرد أبناء العسير على الحكم السعودي سنة 1933 وحرب الأشهر الثلاثة ضد اليمن سنة 1934.
تراجع عدد الحجاج من 130 ألف حاج سنة 1926 الى 40 ألف حاج سنة 1931 ومن ثم انخفشت مداخيل الحج بمعدل الثلثين وأخبر المسؤولون البريطانيون نظراءهم الأمريكيين في بغداد أن ابن سعود "أفلس عمليا" اذ كانت مايزانية وطنية مرهقة تعني اعانات مالية أقل للقبائل - والاعانات المالية الأقل تضمر صعوبة أكبر في الحفاظ على وحدة المملكة الصحراوية" (مملكة الكراهية, دور جولد ص 85-86)

قبل اكتشاف النفط لم تكن القوى الامبريالية تنظر الى الجزيرة العربية بعين الاهتمام كونها لا تشكل موقعا استراتجيا أو أرض غنية بالثروات وفي اعتقادي أن هذين السببين كانا في مقدمة الأسباب التى جعلت شبه الجزيرة العربية لا تخضع للانتداب البريطاني, لو لم يتم اكتشاف النفط لوجد ابن سعود نفسه أمام خيارين :
- اما أن تتوحد القبائل وتتقدم شبه الجزيرة العربية في المراحل التاريخية للملكية وتطور قوى الانتاج حتى تصل الى المجتمع الاقطاعي
- أن يكمل المجتمع في شبه الجزيرة العربية درب الاقتتال بين القبائل كما في الماضي السحيق

ما ال دون هذين الخيارين هو النفط حيث فضل ابن سعود الأمريكان على البريطانيين لعدة أسباب لا تهمنا الان, ولكن يكفي لو ذكرنا بعض الأرقام بعد اكتشاف النفط :
"عام 1938 كسبت العربية السعودية 3 ملايين دولار من حقوق الملكية النفطية و10 مليون عام 1946 و53 مليون عام 1948 و212 مليون عام 1952"

اكتشاف النفط أدى الى ظهور اقتصاد جديد يدعى "الاقتصاد الريعي" أي الاقتصاد الذي قوم على الموارد الطبيعية فقط, ضعف العملية الانتاجية والاعتماد على المصادر الطبيعية والاستيراد كمصدر دخل يؤدي بالضرورة الى عدم تطور القوى المنتجة ويشهد التاريخ أنه في تثبيت سلطة العائلة (أو القبيلة) في السعودية لم تتطور القوى المنتجة ولو بشكل طفيف ولم توجد لا برجوازية ولا بروليتاريا في السعودية بل بقيت العائلة والقبيلة ومن هنا بامكاننا أن نجيب على السؤال الذي طرحناه في بداية المقال : (ما الذي جعل الانتقال من "القبيلة الى الدولة" يصبح "دولة القبيلة"؟)

اما الان و قد وصل الى الحكم امير شاب مندفع للغاية متعطش للزعامة ، سواء محليا او أقليميا، نرى الاتجاه الى بناء اقتصاد انتاجي واخر خدمي بجانب الاقتصاد الريعي. في ظل صراعه مع جمهورية الملالي وصراعه المحلي مع العائلة (القبيلة) ومع تطور القوى المنتجة ولو قليلا ستقل سطوة القبيلة ولا أدل على ذلك من شعار بن سلمان "السلطة للشعب" الذي لا يعني شيئا سوى اقصاء منافسيه من العائلة وجلب افراد من خارج العائلة الى الحكم

*****
When the Industrial Revolution started, the amount of carbon sitting underneath Britain in the form of coal was as big as the amount of carbon sitting under Saudi Arabia in the form of oil, and this carbon powered the Industrial Revolution, it put the Great in Great Britain, and led to Britain s temporary world

(David J. C. MacKay)