دم على اصابع البابا


حسين القطبي
2018 / 2 / 6 - 19:17     

كشفت زيارة الرئيس التركي، امس، الى حاضرة الفاتيكان، عن علاقات حميمة بين الطرفين، ظهرت في الاهتمام المسيحي بهذا الرجل ونوعية الهدايا التي تبادلها الرئيس اردوغان مع البابا.
فما سر تعلق الفاتيكان بتركيا؟ وما هي المصالح المشتركة بين بلد يمثل اقصى التطرف المسيحي، مع رجل نصب نفسه كممثل لاقصى التطرف الاسلامي؟

بالتاكيد ليست زيارة عمل، ولا تواقيع على عقود، ولا مناقشة اسعار النفط.. ، فلا الفاتيكان بحاجة الى صفقات مع تركيا، ولا تركيا تحتاج دولة تكاد تكون بحجم قصر اردوغان الجديد. فلماذا الزيارة، ولماذ هذه المصافحة الحارة، التي بدت كما لو انها تعتصر بين كفيهما بقايا طفل عفريني، وكان قطرات دمة تنزل من كفيهما لتلطخ رخام الكنيسة.

الذي يجمع بين الدولتين هو ابعد من علاقات اقتصادية، او بروتوكوليه، او حتى لاهوتيه. الذي يجمع بينهما هو مصير واحد، وتاريخ من الكفاح المشترك في خندق الدين، مقابل خندق التطور والعلمانية والحضارة الانسانية الحديثة. الذي يجمع بينهما هو توافق مبدائي بين سجل الدولة العثمانية بحق الشعوب، وسجل الكنيسة منذ العصور المظلمة.

فاردوغان في الحقيقة لا يخفي "عثمانيته" بل لا يكتفي بالتشبه بالسلاطين الاوائل، بحركاته الجسدية، وقصوره الباذخة، وانما يتبنى فكر الغزو والتوسع الجغرافي، ويثقف مريديه على نيته احتلال شمال سوريا وشمال العراق، وحتى في التمدد باتجاه مصر، مذكرا بانها كانت يوما ما ولاية عثمانية.

ليس المهم ان البابا وضع يده بيد الرجل الذي تحرق دباباته وطائراته بساتين الزيتون، في تلك اللحظة، دون خجل من الكاميرات، وفلاشاتها التي تبرق على الوان الايقونات المذهبة، وتماثيل عيسى المسيح وزينة الجدران المزخرفة، بل الاكثر اهمية هي الهدية التي قدمها البابا لشخص اردوغان، وهي تقليده وسام السلام (؟) رغم ان هدية اردوغان له كانت لوحة تمثل مدينة اسطنبول واكثر ما يشغل مساحة في اللوحه هو مسجد اياصوفيا الشهير، الذي كان كنيسة وحوله السلطان العثماني الى مسجد نكاية بالفاتيكان.

وهل يحتاج رجل داخل في غزو، لارض دولة جارة، لاكثر من وسام السلام؟ من اجل مباركة قواته الغازية؟ وشرعنة عملية الغزو؟ لا اعتقد ان البابا فرنسيس الاول يجهل الاحداث السياسية لهذه الدرجة، وما يدور في الشرق الاوسط من احداث دموية متسلسلة، ودور تركيا فيها. او انه فاته ان يدرك هذه الحقيقة، ولكن ذلك كان تصرف عن وعي، وحرفنه، واختار الهدية وهو يعنيها.
كما لا اعتقد، كذلك، ان البابا لم ير الشريط الذي نشرته جماعات جبهة النصرة الارهابية، المنضوية تحت راية اردوغان قبل ايام، وهم يسحلون جسد الشهيدة بارين كوباني، ويدعسون على ثدييها المقطوعين مكبرين بهتافات التكفير "الله اكبر"، فالبابا رغم مزاجه الرقيق، الذي يذكرني بمحرمة كلينكس، الا انه ليس مغيبا عن العالم الى هذه الدرجة..

عفرين هي الواحة المستقرة الوحيدة في بلد يحترق، منذ اندلاع الحرب الاهلية قبل 7 سنوات الى الان، وهي التجربة الحديثة لمجتمع شرق اوسطي متعدد الثقافات والقوميات والاديان، ويؤسس لنظرة مستقبلية جديدة في الشرق، لابد ان تكون قاسم مشترك بين التكفيريين الاسلاميين والمسيحيين.

رجال الدين، والمتاجرين به، هم فئة واحدة، مهما اختلفت اديانهم ومناسكهم، الا انهم يقفون على الدوام في معسكر واحد، معسكر لمحاربة قوى التحرر الانساني وقيم العدالة.

حسين القطبي