طبيعة المناضل البروليتاري في الحزب


عبد السلام أديب
2018 / 1 / 30 - 08:24     

لم يلتق تروتسكي لينين الا سنة 1902 بلندن حينما حاول هذا الأخير الحاقه بالمجموعة المشرفة على جريدة الإسكرا الناطق الرسمي باسم حزب العمال الاشتراكي الديموقراطي الروسي والتي كانت تضم بالإضافة الى لينين كل من بليخانوف واكسليرود وبوتريسوف وفيرا زاسوليتش.

لكن خلال انعقاد المؤتمر الثاني للحزب بلندن سنة 1903 انحاز تروتسكي الى جانب المناشفة وبليخانوف ضد لينين والبلاشفة خاصة فيما يتعلق بإجراءات الحاق المناضلين الجدد بالحزب والتي وردت بشأنها صيغتان الأولى للينين والثانية لمارتوف.

وتؤكد صيغة لينين أن الالتحاق بالحزب يتطلب من المناضل أن يمر عبر النضال القاعدي أي العمل بالتنظيمات الجماهيرية حيث يشكل هذا العمل محكا لاختبار قدرات المناضل ومدى التزامه واستمراريته على نفس النهج العام للحزب وبرنامجه ومدى دعمه لخط الحركة العمالية وحيث يمكن من خلال ذلك فرز المناضلين المبدئيين عن باقي العناصر المتدبدبة والانتهازية والمترددة غير المتحمسة الساعية فقط الى استعمال الحزب لقضاء مصالحها الانتهازية. وتدخل رؤية لينين هذه ضمن مبدأ ديكتاتورية البروليتارية التي يريد أن يؤسس على أساسه حزب من نوع جديد، من أجل بناء حزب قوي بدلا من حزب محشو ببرجوازيين صغار يتبعون أهوائهم وموازين القوى السائدة فيغامرون بمستقبل الحزب.

أما الصيغة الثانية لمارتوف(منشفي) فتفتح الباب للعضوية التلقائية في الحزب، وهو ما قد يغرق الحزب بعناصر متدبدبة وغير حاسمة. وهو الأمر الذي يشكل مع مرور الزمن مغامرة بالخط الأيديولوجي والسياسي للحزب. وقد دافع تروتسكي عن هذه الصيغة الثانية في مواجهة لينين.

وقد شكلت صياغة لينين لمشروع برنامج الحزب على أساس ديكتاتورية البروليتاريا، حدثا جديدا وفريدا في إطار الأممية الثانية، تناغمت بالكامل مع أطروحات ماركس. لكن المناشفة وتروتسكي وبليخانوف، وقفوا ضد هذا المقترح حيث ادعى تروتسكي بأن ديكتاتورية البروليتارية غير ممكنة الا عندما يحصل تطابق بين الطبقة العاملة والحزب، وحينما تصبح البروليتاريا تشكل أغلبية السكان ويتمكن الاشتراكيون بالتالي من الاحراز بشكل سلمي على الأغلبية البرلمانية.

مشروع الأنظمة الأساسية المقترحة من طرف لينين استهدفت خلق حزب من نوع جديد. متجانس ومكافح. ولكي يصبح المناضل عضوا في الحزب كامل العضوية، فليس كافيا الموافقة على برنامج الحزب وسداد الانخراطات، بل أيضا وعلى الخصوص النضال العملي في احدى التنظيمات القاعدية.

فيما يلي تعقيب لينين على أطروحة تروتسكي وعلى المناشفة حيث اعتبرها بوابة مباشرة في اتجاه الانتهازية. جاء التعقيب في تقرير لينين حول المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديموقراطي الروسي أنظر: "خطوة الى الأمام خطوتان الى الوراء" (الأزمة في حزبنا)، 1904، ترجمة إلياس شاهين، دار التقدم موسكو، هامش الصفحة: 77 و78.

قد تفتح الأنظمة الأساسية الباب أمام الانتهازية

في عداد هذه المحاكمات، التي لا بد أن تطل حين يحاول تبرير صيغة مارتوف (مقترح الأنظمة الأساسية لمارتوف المنشفي) ، ما قاله الرفيق تروتسكي (ص 248 و346) من :

"أن الانتهازية تولد من أسباب أشد تعقيدا (أو: تحددها أسباب أشد عمقا) من هذه النقطة أو تلك من النظام الداخلي؛ إنها تنشأ عن مستوى التطور النسبي الذي بلغته الديموقراطية البرجوازية والبروليتاريا ... ".

المسألة ليست في أن هذه النقطة أو تلك من النظام الداخلي تستطيع أن تولد الانتهازية، بواسطة هذه النقاط، شحذ سلاح قاطع، إلى هذا الحد أو ذاك، ضد الانتهازية. وبقدر ما تكون أسباب الانتهازية عميقة، بقدر ما ينبغي أن يكون هذا السلاح ماضيا. وعليه، فإن تبرير صيغة تفتح الباب أمام الانتهازية بما لها من "أسباب عميقة"، إنما هو ضرب من الذنبية الصرفة.

فحين كان الرفيق تروتسكي ضد الرفيق ليبر(اشتراكي ديموقراطي منشفي)، كان يدرك أن النظام الداخلي هو «حدر منظم" من جانب الكل إزاء الجزء، من جانب الفصيلة المتقدمة إزاء الفصيلة المتأخرة. ولكن ما إن انتقل الرفيق تروتسكي إلى جانب الرفيق ليبر، حتى نسي كل هذا، بل أنه راح يبرر ضعف وعدم ثبات تنظيمنا لهذا الحدر (الحدر من الانتهازية) "بأسباب معقدة"، "بمستوى تطور البروليتاريا"، الخ ..

حجة أخرى للرفيق تروتسكي:

"من الأسهل كثيرا على أفراد الشبيبة المثقفة، المنظمة إلى حد ما، أن يسجل كل نفسه بنفسه (إشارة التأكيد مني) في لوائح الحزب".

تماما لهذا السبب، كانت الصيغة التي بموجبها تعلن حتى العناصر غير المنظمة عن نفسها بنفسها انها أعضاء في الحزب، هي التي تعيبها الميوعة التي تميز المثقفين، لا صيغتي التي تلغي الحق في "أن يسجل كل نفسه بنفسه" في اللوائح.

ويقول الرفيق تروتسكي أنه "إذا كانت اللجنة المركزية "لا تعترف" بتنظيم الانتهازيين، فلمجرد طبع الأشخاص فقط؛ وبما أن هؤلاء الأشخاص معروفون من حيث أنهم شخصيات سياسية، فإنهم غير خطيرين: ويمكن فصلهم بمقاطعة عامة يشنها الحزب".

إن هذا القول لا يصح إلا في الحالات التي ينبغي فيها الفصل من الحزب، ثم إن هذا القول لا يصح إلا جزئيا، لأن حزبا منظما يفصل بالتصويت لا بالمقاطعة). وهذا القول خاطئ اطلاقا في الحالات التي من الخراقة الفصل فيها، في الحالات التي ينبغي فيها المراقبة فقط، وهذه الحالات أكثر تواترا بكثير.

ومن أجل المراقبة، تستطيع اللجنة المركزية، قصدا وعمدا، أن تقبل في الحزب، بشروط معينة، منظمة غير أمينة كليا، ولكنها أهل للعمل، لكي تمتحنها، لكي تحاول توجيهها في طريق الحقيقة، لكي تشل بقيادتها انحرافاتها الجزئية، الخ ..

إن هذا القبول ليس خطرا إذا كان لا يجوز، بوجه عام، "أن يسجل كل نفسه بنفسه" في لوائح الحزب. وسيكون هذا القبول مفيدا في كثير من الأحيان للحصول على تعبير (ونقاش) علني، مسؤول، مراقب، للمفاهيم الخاطئة والتكتيك الخاطئ. "ولكن، إذا كان ينبغي للتعاريف الحقوقية أن تناسب العلاقات الفعلية، فلا بد من رد صيغة الرفيق لينين". هكذا يقول الرفيق تروتسكي وهو، هذه المرة أيضا، يتكلم كما يتكلم الانتهازي. فالعلاقات الفعلية ليست جامدة، إنها تحيا وتتطور. وقد تناسب التعاريف الحقوقية تطورا تقدميا لهذه العلاقات، ولكنها قد "تناسب" أيضا (إذا كانت رديئة) تقهقرا أو جمودا. والحالة الأخيرة إنما هي بالضبط "حالة" الرفيق مارتوف.