شيء عن الديالكتيك


موسى راكان موسى
2022 / 1 / 5 - 22:03     

من اشتراطات المادية أنه لا إنطباق بين الفكر و الواقع ، و هذا أيضا يعني لا إنطباق بين منطق الفكر و الواقع ، و مهما بدا الفكر قريبا من الواقع يبقى منفصلا عنه لإختلافه عن الواقع بفعل طبيعته التجريدية ، لذا فطموح الفكر المادي أن يكون أقرب ما يمكنه أن يكونه من الواقع .. لا إنطباق الفكر و الواقع و إلا إنقلب هذا الفكر إلى نقيضه .



مع الماركسيين الكانطيين أو الماركسية ذو النزعة الكانطية جرى تداول ما مفاده : (( كلما كانت الماركسية أقرب إلى الكانطية كانت أبعد عن الهيجلية و العكس صحيح )) . لا يمكن لمادية أن تكون دون كانط (الفصل بين الفكر و الواقع) حتى بالنسبة للماركسية و إلا كان القول بالمادية مجرد إدعاء لا أكثر ، لكن و كما هو معروف فإن الديالكتيك لا يمثل دعامة أساسية من دعائم الماركسية فقط بل و يمثل قلبها النابض ، و هذا القلب أخذته من هيجل .



كون الماركسية أخذت قلبها من هيجل لا يعني أنها أيضا أخذت روح هيجل ، لكن هنا أحد عوامل التفارق بين الماركسيين إلى طائفتين ، فما بين (الديالكتيك الماركسي ليس هو هو نفسه ديالكتيك هيجل) و (الديالكتيك الماركسي هو نفسه ديالكتيك هيجل) ضاعت مادية الماركسية ، فعند طائفة الأولين جرى الدفع تجاه تشكيل أو تحديد منطق مادي (ديالكتيك مادي) متجاهلة أن الواقع لا يحكمه المنطق و لا إنطباق بين الفكر و الواقع ، فيما طائفة التماثل حفزت سرطان الهيجلية الكامن في قلب الماركسية .


الماركسية ليست هي هي نفسها الهيجلية ، إلا أن الديالكتيك المُستعمل في (رأس المال) هو هو نفسه ديالكتيك هيجل ، و لكن (بالاستناد إلى أنطونيو نغري و مايكل هاردت) يتضح أن (( استعمال الديالكتيك )) هو المختلف بين ماركس و هيجل لا أكثر و لا أقل ؛ بالتالي يمكن أن نفهم كيف يكون ديالكتيك ماركس نقيض ديالكيتك هيجل ، يكون بالكيفية المختلفة لاستعمال الديالكتيك .. و ليس في اختلاف الديالكتيك نفسه .



الديالكتيك عند هيجل مروّض بفعل (( الدس )) الإنتقائي ، و مهما نعتنا هيجل و ديالكتيكه بالمثالية تبقى هذه المثالية خادمة طيّعة لسلطات زمكان هيجل الحداثية الواقعية ، و إزاء ذلك كانت مواقف الماديين مختلفة نوعا ما ، ففورباخ رفض هيجل و ديالكتيكه بكله ، و بلغ بشوبنهاور أن وصل لما يمكن وصفه بـ(ـالفجور في الخصومة) مع هيجل ، أما ماركس فمن يساري هيجلي مرورا بفترة ترك فيها هيجل و ديالكتيكه إنتهى إلى عملية زرع قلب (ديالكتيك هيجل) في الماركسية .



ماركس لم يغيّر شيئا في ديالكتيك هيجل ، و الأهم لم يحل (( الدس )) الإنتقائي المروّض للديالكتيك [و قد أشار لوسيو كوليتي إلى أن ماركس أدرك نقد ترندلنبورغ لديالكتيك هيجل في هذا الأمر] ، الذي تغيّر هو كيفية أو منهجية استعمال الديالكتيك ؛ ففي رأس المال استعمل ماركس الديالكتيك لكشف طريقة رأس المال ، هذا غير صحيح ، الديالكتيك ليس هو الذي كشف طريقة رأس المال .. لكن بكشف الديالكتيك تنكشف طريقة رأس المال ، فرأس المال هو من يستعمل الديالكتيك و ليس ماركس ! .


# و بهذا يمكن التلاؤم بين مادية كانط و ديالكتيك هيجل .


هذه المنهجية (منهجية كشف الديالكتيك) تجاوزت إنحصارها في كشف طريقة رأس المال (( الاقتصادية ـ الاجتماعية )) إلى الكشف عن طرق سلطات الحداثة .. فأمست منهجية نقد تمثلات و تجليات الحداثة (فلسفيا و جندريا و كولونياليا .. إلخ) ؛ فالديالكتيك طريقة سلطات الحداثة ، لكن طريقة سلطات ما بعد الحداثة مختلفة ، لذلك ينزلق نقاد ما بعد الحداثة إلى خطوط محسومة في نقد الحداثة لأنهم يستهدفون الديالكتيك مسبقا كـ(ـعدو ما يزال حي) ، أو يمارسون الفعل الفاحش (( الدلكتكة )) لسلطات ما بعد الحداثة (و هي ممارسة إلتصقت بالماركسيين) .. كما لو أن إسقاط الديالكتيك على الواقع سيكشف الواقع ! (و لم ينتج عن ذلك سوى تضليل و تبرير دوغمائي فظ بليد) .