من شّب على شيء شاب عليه


خالد صبيح
2018 / 1 / 21 - 21:35     


بعد اعلان الحزب الشيوعي العراقي نبا تحالفه مع التيار الصدري دارت في وسط الشيوعيين نقاشات واسعة، وحادة بطبيعة الحال، فـ (عـَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ)، انصب معظمها على آلية اتخاذ القرار، وخلص جميعها الى أن الامر حُصر ببضعة اشخاص داخل القيادة ولم تشرك القاعدة الحزبية بمناقشته.

وبعودة بسيطة الى الوراء يمكن ملاحظة ان قرار اشتراك الحزب في مجلس الحكم عام 2003 قد تم بنفس الطريقة، و كانت الحجة حينها، مثلما في هذه المرة، هي ضيق الوقت.

لايحتاج الامر الى عناء كبير لفهم السبب وراء هذا الاسلوب باتخاذ القرارات، فمن يعرف مسيرة الحزب وكيفية تسيير الامور الداخلية فيه يعرف إن آليات اتخاذ القرار كانت دائما محصورة بيد القيادة، بل وببضعة اشخاص داخلها هم الاكثر نفوذا وسيطرة على مجمل مقدرات الحزب. وقد يحدث بعض الأحيان أن يتم طرح الأمور الحساسة المتعلقة بسياسة الحزب الرئيسية على الكادر المتقدم، أو بتوسع أكبر يشمل بعض اللجان الحزبية، لكن اتخاذ القرار في النهاية سيكون بيد القيادة، او المتنفذين فيها، حتى وان كان هذا القرار يتعارض مع قناعات عموم القاعدة الحزبية. وبسبب غياب الشفافية والتشدد في منحى المركزية والضبط الحزبي وسرية العمل وغيرها من الأمور التي كانت تبرر القيادة سلوكها بها، لا يُعرف، بشكل علني ورسمي، طبيعة او اتجاه النقاشات التي عالجت المسائل المطروحة وبالتالي معرفة مدى تاثير تلك النقاشات في اتخاذ القرار. مع أنه في الحياة الحزبية، لاسيما في بعض الساحات، مثل حركة الأنصار وبعض منظمات الخارج، كان هناك هامش واسع، خارج اطار التنظيم، يمكن به ومن خلاله معرفة الكثير من (أسرار) آليات العمل الحزبي وطرق اتخاذ القرارت ودوافعها. وما كرّس هذه الحالة هو القمع الواسع الذي كان يحد من امكانات الرد على هكذا اساليب ومواجهتها من قبل القاعدة الحزبية، فالثمن غالبا ماكان مكلفا لمن يعترض، لذا كان بعض الصمت خوفا مشروعا (؟) من نتائج الاعتراضات.

بعد ماسُميَّ بمؤتمر (الديمقراطية والتجديد) وجدت قيادة الحزب، التي تربت على آليات المركزية الديمقراطية في العمل الحزبي، نفسها في ورطة، وبقيت لزمن حائرة بين أن تلتزم بقرارت الانفتاح التي اضطرت، مجاراة لظروف المرحلة،( اصداء البريسترويكا) لتبنيها، وبين منطق عقليتها الذي اعتادت التفكير به. ولهذا كانت الديمقراطية الحزبية المدعّاة هجينة وشكلية ولاتمارس الا في الأمور العابرة، لكن في القرارات الحساسة يكون القرار بيد القيادة، أو المتنفذين منهم فيها.

فيما يخص قرار تحالف الحزب الأخير مع التيار الصدري، هناك امر آخر، يضاف الى ماذُكِر هنا، لعب دورا في الطريقة التي اتخذ القرار بها؛ إذ يُهيأُ لي أن قيادة الحزب كانت تنتظر اشارة الموافقة من زعيم التيار في ما اذا كان سيوافق على الحاقهم بتحالفه الانتخابي أم لا، فهم لن يستطيعوا الكلام عن أمر هم غير قادرين على حسمه وقول الكلمة الفصل فيه، فقرار الانضمام للتحالف بيد الصدر، وحين أبدى موافقته اتخذت الاجراءات السريعة لإعلان ذلك. وهذا يفسر الى حد بعيد عدم قدرة ورغبة القيادة باشراك القاعدة الحزبية في مناقشة القرار. ومن تتبع نشاط الحزب ومواقفه بعد 2003 سيجد شرحا واضحا لهذا التفسير الافتراضي، فالحزب كان يعبّر، بالحاح، طوال تلك السنوات، عن رغبته واستعداده للانضمام لأي تحالف سياسي، حتى وإن كان مع إسلاميين، ليستظل به وليمكّنه من الابقاء على اسمه و (دوره) في العملية السياسية، و وجد أخيرا ضالته في التيار الصدري بسبب التقارب الذي احدثته بين الجانبين احتجاجات ساحة التحرير.

وفي شرح ذلك أقول:

هناك لحظة ما في حياة الانسان أو المؤسسة (والأحزاب السياسية مؤسسات) تقرر سمته الشخصية الأساسية وتطبعها بطابعها مرة واحدة والى الأبد، وتبقى مؤثرة في مسار حياته وطريقة تفكيره حتى وإن ادعى، أو توهم، شيئا آخر مغايرا لها، لأنها تعمل داخله بشكل خفي مثل النسغ. والحزب الشيوعي بناه مؤسسه (يوسف سلمان) بطريقة ستالينية، هي بنت زمنها، لكنها اكتسبت، بسبب عراقيتها، شكلا أكثر تشددًا، اتسم بالنفور من الرأي المغاير ومن النقاشات المفتوحة بحجة تغليب الروح العملية التي يقتضيها النضال الثوري، والابتعاد عن الثرثرة (ثرثرة المثقفين او الأفندية كما نعتهم فهد) ولهذا نبذ المثقفين، وأخذ يتحسس منهم، وأصر على تقريب من يعتبرهم أصحاب الروح العملية، حتى وإن كانوا يفتقرون للكفاءة، فيكفيهم أنهم مطيعون، يلبون النداءات الثورية، ويتحلون بضبط حزبي (حديدي).

حتى في أيامنا هذه هناك من يسمي هؤلاء، احتفاء بهم، بالجهاديين.

إن سمة الستالينية التي طُبع الحزب بها منذ تأسيسه، بقيت لصيقة به وبتركيبته مهما ادعى أو حاول أن يمارس أساليب أخرى في حياته الداخلية. ونغمة الديمقراطية التي خرج بها في سنواته الاخيرة هي في الحقيقة ورطة لقياداته أربكت عمله مع أنها في حقيقتها، كممارسة، كانت تنويعا بسيطا على روح المركزية الديمقراطية التي وسمت نشاط الحزب طوال تاريخه.

خلاصة القول أن الحزب شُكلَّ وفق عقلية تنفر من المناقشة وتعدد الآراء، وسيبقى كذلك حتى تتم مراسم دفنه علانية.