خطة ويسكونسين - الخدمة الجماهيرية العبودية الجديدة


اسماء اغبارية زحالقة
2006 / 3 / 3 - 11:33     

القائمة الطويلة من المؤسسات العامة التي تدعم الخطة وتستوعب العاطلين عن العمل للخدمة الجماهيرية المجانية، تشير الى ان هذا المشروع الخطير يتمتع بدعم كبير جدا. ان هذه المؤسسات لا تمتنع عن المشاركة في برنامج الاضطهاد الجماعي لجمهور كان يجب ان تخدمه لا ان تبتزه لتستخدمه وتستعبده من خلال تهديده بقطع المخصصات عنه.
اسماء اغبارية

نوافذ مجلس محلي "معين" عالية جدا، كبيرة جدا، وتحتاج الى تنظيف. ما الحل؟ نأتي بعمال نظافة. ولكن هناك مشكلة صغيرة. العمال مكلفون. حتى الحد الادنى للاجور (3300 شيكل) يعتبر مبلغا كبيرا، والميزانية "ستنفرط" من كثرة الضغط. ما العمل اذن؟ هل نبقي النوافذ متسخة؟ لا يليق! وبقيت النوافذ متسخة، حتى اتت شركات ويسكونسين وأوجدت حلا "رائعا"! بعثت نساء في سن متقدمة لاداء المهمة الشاقة تحت شعار "الخدمة الجماهيرية". مجانا!

ظاهرة "العبيد الجدد" تشمل نساء او رجال متقدمون في السن، او عاطلون عن العمل يعانون عجزا صحيا او نفسيا يعيقهم عن العمل. من هؤلاء ن. ع. (45 عاما- الاسم محفوظ للسرية)، وتعاني امراضا كثيرة منها مرض المفاصل (الروماتيزم)، الديسك وتحتاج الى عملية. كيف وجدت ع. "الهمة" لوصول النوافذ؟ انها ببساطة لم تجرؤ ان تقول لا. فمن يقول "لا" يعني انه "لم يتعاون" مع الخطة، فيُحرم تلقائيا من المخصصات. مخصصات ع. لا تتجاوز ال1200 شيكل في الشهر.

المدرسة الابتدائية في قرية اخرى بالمنطقة لا تستطيع ان تعيّن معلمين، مع انها تحتاج الى اربعة، حسب اقوال مدير المدرسة. السبب: "فش ميزانية!". مرة اخرى ارغمت الشركة بعض الفتيات على "التطوع" في تدريس الطلاب. مجانا.

في قرية عرعرة وُجّه محمد ملحم وهو في الستين من العمر، "للتطوع" في اعمال حفريات. "من اول شوال، انكسر ظهري"، يقول ملحم، عاجزا عن ايجاد تفسير للايام العصيبة التي تمر عليه وعلى زوجته عايشة (60 عاما) منذ دخل كابوس ويسكونسين الى حياتهما. تقول عايشة: "زوجي عمل طول عمره وكانت يُقتطع من معاشه رسوم التأمين. قبل نصف سنة اشتد عليه المرض فتوقف عن العمل. على الدولة ان تحترم سننا وتدعنا نعيش بكرامة. المخصصات هي حقنا ولا نستجديها من احد". عايشة "تتطوع" في تنظيف المسجد اربع ساعات يوميا. مجانا. على الاقل "هذا لوجه الله"، تقول.



خدمة مجانية

"الخدمة الجماهيرية" هي جزء من مخطط "مهاليف" (ويسكونسين) الحكومي الذي بدأ تنفيذه قبل سبعة اشهر، في آب 2005، ومدته عامين مع امكانية تمديدها الى ثلاثة اعوام. الهدف المعلن للخطة هو دمج العاطلين عن العمل في اماكن عمل، ونقلهم من "ضمان الدخل للدخل المضمون". اما الهدف الحقيقي فهو ببساطة تيئيس العاطلين عن العمل من المشاركة في الخطة، لحرمانهم من المخصصات. توفير مبالغ هائلة لميزانية الدولة، يأتي كجزء اساسي من سياسة القضاء على دولة الرفاه.

اما الشركات الخاصة التي تنفذ المشروع، فتهدف الى تحقيق ارباح في حال تقليص نسبة الحاصلين على المخصصات ب35%. بمعنى ان نجاح الخطة لا يُقاس بنسبة الذين حصلوا على مكان عمل، بل بنسبة الذين توقفوا عن تقاضي المخصصات، بغض النظر عن الاسباب. ولو كان المقياس إدخال الناس للعمل، لما دخلت الشركات للخطة اصلا لعدم جدواها. فمن الاسهل تيئيس الناس من ان توجد لهم عملا في وضع البطالة. الاستنتاج ان الدافع الاساسي للخطة سلبي من البداية وليس ايجابيا، وهناك حافز الربح لدى الشركات الذي يدفعها لافشال العاطلين عن العمل وإفقارهم.

أُقرّ مخطط ويسكونسين بقانون كنيست خاص. حسب القانون يحق للشركات توجيه العاطلين عن العمل الى مجال "الخدمة الجماهيرية" في مؤسسات جماهيرية بشكل مجاني، لمدة لا تزيد عن اربعة اشهر. الهدف المعلن هو "إكساب الناس عادات العمل"، مثل الاستيقاظ باكرا والتواجد بين 4-6 ساعات يوميا في مكان العمل. وينص القانون على ان الخدمة ليست عملا، ولا تنطبق عليها قوانين العمل، بمعنى انها تتم بلا اجر، واذا تعرض عاطل عن العمل مثلا الى حادث اثناء "تطوعه"، فلن يعتبر هذا "اصابة عمل".

دائرة "مهاليف" التابعة لوزارة الصناعة نشرت قائمة باسماء المؤسسات العامة التي يتم توجيه العاطلين عن العمل اليها. بين هذه المؤسسات بلديات، مجالس محلية، مستشفيات، سلطة الآثار، حدائق عامة، جمعيات ومراكز لدعم الفقراء والمحتاجين، جمعيات اخرى، حديقة الحيوان في القدس، المركز العلاجي "ياد سارة". بين الاعمال التي يقوم بها العاطلون عن العمل، ترميم، قصارة، نجارة، بلاط، مواسير، تنظيف، حراسة، مساعدة في التدريس، تقليم اشجار، تسويق، ترتيب الارشيف والمخازن، طبخ، خياطة.

يتبين اذن ان العاطلين عن العمل انما يؤدون عملا ككل عمل، ويغلقون بذلك الباب امام امكانية دخول عمال باجر مكانهم، وبالتالي يخلقون بطالة جديدة. معروف ان برنامج الخدمة الجماهيرية في الولايات المتحدة يتم مقابل اجر، بعد نضال طويل ومرير.

المؤسسات الاسرائيلية التي تحصل على العمال المجانيين، تستفيد بشكل خاص مما يسمح لها بدفع رواتب أعلى لموظفيها. ومن هذه الجمعيات جمعية "مئير بانيم" التي تهدف لمساعدة المحتاجين! موقع "واي نت"، كتب ان ميزانية الجمعية وصلت عام 2004 الى 26.9 مليون شيكل، ولها 62 موظفا و2830 متطوعا (من ويسكونسين ومصادر اخرى)، ووصل الاجر السنوي لمديرها عام 2004 الى 157.603 شيكل.

جمعية عربية لرعاية المحتاجين في المثلث، لم يرد اسمها في القائمة ولكننا نعرف من رئيسها شخصيا (فضلنا عدم ذكر اسمه)، انها استوعبت ثماني عاطلات عن العمل من شركة ويسكونسين بالمنطقة، في اطار الخدمة الجماهيرية. وقد قامت الفتيات باعمال خياطة داخل المركز، لمدة ست ساعات يوميا، فسألناه - إن كنت تحتاج الى هذا العمل فلِمَ لا تشغلهن مقابل اجر، فأجاب بكل صراحة: "وهل انا ابله؟ اذا كانت هناك قوى عاملة مجانية، فما يدفعني لتشغيل عمال باجر؟". جواب منطقي. بكل اسى.



زوبعة اعلامية

أدى نشر القائمة باسماء المؤسسات الجماهيرية، الى زوبعة في الرأي العام الاسرائيلي. الصحافة تنتقد، منظمات اهلية كثيرة تعارض المخطط، حتى احزابا روسية لم تكن لها علاقة بالعمل والعمال، استيقظت فجأة، مع اقتراب موعد الانتخابات، وهبّت "تدافع" هي الاخرى.

نائب وزير الصناعة، ايلي افلالو، عقد اجتماعا في 13/2 مع المنظمات الاهلية لمناقشة موضوع استغلال العاطلين عن العمل، ولكن بدا هذا محاولة لاحتواء الغضب اكثر منه سعي حقيقي للحل. دوريت نوفاك، رئيسة دائرة "مهاليف"، التي حضرت الاجتماع، وعدت بفحص المشكلة، ولكنها اكدت في نفس الوقت ايمانها بان الخدمة الجماهيرية برنامج ناجع ومفيد.

شركات ويسكونسين نفسها اعترفت في مقال لصحيفة "هآرتس" (17/2)، انها "توجّه الناس للخدمة التطوعية ليس دائما بهدف اكسابهم عادات العمل او تأهيلهم مهنيا، بل ايضا في الحالات التي لا يتم فيها ايجاد اماكن عمل لهم".

النسبة الكبيرة من العاطلين عن العمل الذين وُجّهوا للخدمة الجماهيرية في مراكز ويسكونسين الاربعة، تؤكد موقف الاغلبية الساحقة من العاطلين عن العمل، العرب واليهود، وهو ان الشركات لا تملك اماكن عمل حقيقية تقترحها عليهم، وإن وجدت فهي اعمال مؤقتة وغير ملائمة وتقل احيانا عن الحد الادنى للاجور (انظر الاطار). وبما ان الحكومة تصرح صبح مساء ان هدف الخطة هو ايجاد اماكن عمل، فيتضح اذن ان الخطة فشلت في هدفها الرئيسي. وما يبقى هو السعي المحموم للتضييق على العاطين عن العمل ببرامج مرهقة وغير ملائمة، حتى يقولوا "لم نعد نحتمل"، فيتم حرمانهم تلقائيا من المخصصات.

لا شك ان الخطة خطيرة جدا وتستدعي نضالا منظما ومنهجيا ضدها، وهي جهود تشارك فيها ايضا جمعية معًا النقابية من خلال برنامج "ويسكونسين ووتش" لمراقبة الخطة، وذلك في مراكزها الثلاثة بالناصرة، المثلث والقدس الشرقية. ولكن يخطئ من يظن ان بالامكان القضاء على الخطة بين عشية وضحاها. القائمة الطويلة من المؤسسات العامة، من بلديات ومستشفيات وجمعيات، التي تستوعب العاطلين عن العمل للخدمة الجماهيرية، تشير الى ان المشروع يتمتع بدعم كبير جدا. ان هذه المؤسسات لا تمتنع عن المشاركة في برنامج الاضطهاد الجماعي لجمهور كان يجب ان تخدمه لا ان تبتزه لتستخدمه وتستعبده من خلال تهديده بقطع المخصصات عنه.



ضحايا ويسكونسين

ايناس سياج تتقاضى 9،5 شيكل للساعة

كشفت جمعية معًا النقابية عن ظروف العمل المجحفة التي فرضتها شركة "أمين" (ويسكونسين) على ايناس سياج من القدس الشرقية. وجهت سياج للعمل في مكتب محاماة (الاسم محفوظ) حيث تعمل منذ تشرين ثان 2005، بوظيفة سكرتيرة. الوظيفة عبارة عن ست ساعات يوميا، خمسة ايام اسبوعيا، ولكن المقابل هو فقط 1200 شيكل! حسب القانون كان يجب ان تتقاضى 2290 شيكل. وبحساب بسيط فهي تتقاضى 9.5 شيكل للساعة، بدل 17.93 شيكل للساعة حسب القانون. كما لا تحصل سياج على قسيمة اجر او اية حقوق اخرى.

يذكر ان سياج كانت تتقاضى مخصصات ضمان دخل بقيمة 1200 شيكل، بمعنى ان وضعها لم يتحسن، بالعكس. اضطرت سياج لقبول العمل، بضغط من مستشار التشغيل التابع لشركة امين، الذي أفهمها ان عليه ان يقدم تقريرا انها تتعاون مع الخطة، وإلا!.

ليست هذه المرة الاولى التي تُوجه فيها سياج لعمل مجحف عن طريق الشركة. بل وجهت للعمل في عيادة، بنفس الظروف، ولكنها تجرأت حينها على الرفض دون ان تسجل كرافضة عمل. الرفض مرة اخرى صار مهمة صعبة. والنتيجة امعان في الاستغلال.

ظاهرة استغلال العاملات والموظفات معروفة في القدس الشرقية وفي الوسط العربي داخل اسرائيل. ويشارك في الاستغلال مكاتب محاماة واطباء. ولا تجرؤ الفتيات في معظم الحالات على تحدي الوضع او الشكوى، نظرا لقلة فرص العمل، وصعوبة العمل خارج البلدة مما يزيد الضغوطات العائلية التي تمنع الشكوى ضد مشغِّلين من نفس البلد. باختصار، هذا الموجود، وإن لم يعجبك الحال فالبثي في البيت وهناك الآلاف غيرك يطلبن العمل.

كل هذا ليس بجديد، ولكن المشكلة ان شركة "امين" تتعاون مع هذا الوضع، وتسبب بذلك في تعميق الفقر في الوسط العربي ولا تساعد في رفع مستواه وتأهيله للعمل كما تدعي. في الرد على اسئلة جمعية معًا، تعترف شركة "امين" بوجود ظاهرة دفع اجور اقل من الحد الادنى في القدس الشرقية. هذا بالاضافة لعراقيل اخرى امام تشغيل العرب لاسباب عدم معرفة اللغة العبرية وصعوبات في التنقل.

كما تعترف الشركة بوجود نسبة كبيرة من "غير المؤهلين للعمل"، ولكن مع هذا لا يتم اعفاؤهم، ولا يزال الموضوع قيد البحث في الوزارة.

مجلة "الصبّار" توجهت لشركة "امين" للحصول على ردها، وأُعلمت بان موضوع الشكوى قيد البحث.