دور صندوق النقد الدولي في خدمة المصالح الامبريالية 3


عودت ناجي الحمداني
2006 / 3 / 3 - 11:34     

المبحث الثاني: أثر سياسة التكيف الهيكلي على الاقتصاديات النامية .
خلفت سياسة التكيف التي يفرضها صندوق النقد الدولي على البلدان المدينة أزمة اقتصادية واجتماعية مستعصية في البلدان التي طبقت برامج الاصلاح والتكيف الهيكلي , فقد طبق نموذج الصندوق الرأسمالي بأمريكا اللاتينية ومنها الأرجنتين والبرازيل وشيلي غير أن المديونية لهذه البلدان زادت بنسبة3869/ بين عام 1960 و1983.(4) وأدت الأصلاحات التي نفذتها الأرجنتين بضغط صندوق النقد الدولي الى استيلاء الشركات الأجنبية على معظم البنوك الأرجنتينية , كما أدت الى ارتفاع الضرائب ومعدلات البطالة بنسبة 30/ والى الركود الاقتصادي الذي انتهى بالانهيار الاقتصادي في عام 2000 وأصبحت الأرجنتين تعاني من اكبر ثاني مديونية خارجية في العالم الثالث . وأدى سقوط الدكتاتورية في نيجيريا ووصول الحكومة المدنية الى الحكم في عام 1999 الى غضب الولايات المتحدة الامريكية و الدول الاحتكارية الأخرى في نادي باريس مما ادى الى فرض سياسة الخصخصة على الاقثصاد النيجيري وبذلك شملت الخصخصة قطاعات الكهرباء والاتصالات ومصافي البترول ومعامل الحديد وصناعة الورق وشركة الاسمنت ومصنع السكر وغير ذلك من االصناعات الأخرى .
ان اجراءات التكيف الهيكلي التي طبقت في البلدان العربية اثرت على معدلات النمو الاقتصادي وخلقت وضعاً خطيراً, فالمغرب والجزائر وتونس ومصر التي نفذت توصيات صندوق النقد انخفض فيها نمو اجمالي الطلب من 6,2/ الى 2/ في الفترة 1971و 1975. وفي الجزائر من 38/ للفترة1981 -1985مقابل 6/ للفترة 1976-1980. وفي مصر من 11,3/ عام 1976 الى 2,9/ لعام 1980. (5) وفي السودان ارتفع معدل البطالة الى حوالي 30/ في العام 2000 وتدهور سعر الجنيه السوداني من 2,87/ دولار للجنيه الواحد في عام 1975 الى اقل من سنت واحد في عام 1995وادى ذلك الى انخفاض القوة الشرائية بحوالي 3611/ في عام 1989.
كما ادت اجراءات التكيف التي نفذها السودان الى خصخصة كل القطاع العام تقريباً اذ عرض اكثر من 63 مرفقاً صناعياً وزراعياً وخدماتياً للبيع او الايجار (6) وبموجب سياسة الاصلاح الغت حكومة السودان كافة انواع الدعم الحكومي المخصص للسلع التموينية , كما الغت الدعم المالي المقدم الى خدمات الصحة والتعليم والنقل والماء و النور وغير ذلك من الخدمات الاخرى مما زاد من معاناة المواطن واسهم في اتساع ظاهرة الفقر على نطاق اوسع وبالمقابل ارتفعت ديون السودان الخارجية من 15,303 مليار دولار عام 1990 الى 20,535 مليار دولار عام 1999 , كما ارتفعت نسبة الفائدة الى 84/ في الوقت الذي لا تتجاوز الفائدة في كل اقطار العالم اكثر من 8/ في السنة . (7)
ان اخفاق السودان في الوفاء بتعهداته الماليه تجاه دائنيه من الدول و المؤسسات الدولية الدائنة حمله اجراءات عقابية اتخذت بحقه من قبل صندوق النقد الدولي الى حد تجميد عضويته وتهديده بالطرد , فانخفضت نسبة الديون الممنوحة للسودان بشروط ميسره من 63,2/ بين عام 1978-1981 الى 11,8/ في الفترة 1982-1984 وبالمقابل زادت نسبة القروض من صندوق النقد بشروط صعبة الى 88/ من اجمالي الديون .
في عام 2000 رفض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اعفاء 20 دولة فقيرة من مديونيتها الخارجية بالرغم من استيفائها لشروط الاعفاء الذي اقرته مجموعة الكبار السبعة . ان رفض الشقيقين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اعفاء هذه البلدان التي تصنف في قائمة البلدان الاكثر فقراً , يؤكد عزم الصندوق على ابقاء هذه البلدان تحت رحمة البلدان الاحتكارية, وعدم مبالاته في انهاء محنة البلدان النامية .ان سياسة صندوق النقد في نهاية المطاف تهدف الى تطبيق النموذج الرأسمالي والى فتح حدود البلدان المدينة امام رؤوس الاموال الاجنبية والاعتماد على آلية السوق الراسمالية لأنهاء دور القطاع العام وتفكيك اوصالة . ونتيجة للانفتاح والتوجه نحو النشاط الطفيلي استطاعت الفئات المرتبطة بالرأسمال الاجنبي والمحلي من تكوين ثروات ضخمة وفرضت على المجتمع نمطاً استلاكياً غربياً .
وتعتبر فنزويلا الدولة الوحيدة التي تمردت على سياسات صندوق النقد الدولي ورفضت الخنوع لشروطه ولشروط الادارة الامريكية واقدمت على انتهاج سياسات وطنية وتقدمية افلحت في تحقيق انجازات عظيمة على الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية اكدت قدرة نظامها التقدمي في شق الطريق نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصمود بوجه الغول الامبريالي واتخاذ الاجراءات الضرورية لحماية الاقتصاد الوطني من عبث الرأسمال الاحتكاري .
ومن المؤكد ان معظم القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي بكلفة باهضة الى البلدان النامية توجه الى مشروعات تسهل انتقال الموارد الماليه والثروات الطبيعيه الى جيوب الشركات الاجنبية . وتشير المصادر الدولية ان قسماً كبيراً من القروض الخارجية التي تستدينها البلدان النامية بشروط صعبة تذهب الى الحسابات الخاصة لبعض الحكام المسجلة في البنوك الغربية , فقد بلغت المديونية الخارجية لامريكا اللاتينية 290 مليار دولار مقابل ايداعاتها في المصارف الخارجية البالغة 790 مليار دولار , وبلغت الديون الخارجية لدول شرق اسيا 390 مليار دولار, بينما بلغت أيداعاتها الخارجية المسجلة في البنوك الغربية 600 مليار دولار (8)
وبالنظر الى العلاقة الصميمية التي لا تنفصم عراها بين صندوق النقد الدولي والبلدان الاحتكارية يمكننا الاستنتاج في ان البلدان الاحتكارية تستخدم صندوق النقد الدولي كرأس رمح لتهديد البلدان المدينة التي تحاول التمرد على الطاعة الرأسمالية وبالتالي اخضاع الاقتصاديات النامية وبرامج تطورها اللاحق لمقتضيات الارباح التي يجب ان تجنيها الشركات المتعددة الجنسية .
ان صندوق النقد الدولي هو الوجه الآخر للرأسمالية الطفيلية وتستخدمه الدول الاحتكارية غطاءا لتنفيذ برامجها الراميه الى امتصاص خيرات العالم النامي وتمتين تبعيته الاقتصادية والمالية للرأسمال العالمي , كما تستخدم صندوق النقد ليكون معبراً لتغلغل شركاتها المتعددة الجنسية في اقتصاديات البلدان الناميه والسيطرة على مصادر المواد الخام الرخيصة لتامين الاحتياجات المتنامية للصناعات الرأسمالية من المواد الخام وضمان استمرار تدفق المنتجات الراسمالية الى البلدان الناميه بأسعار تحقق لها ارباحاً خيالية .
وعليه فأن اصرار صندوق النقد الدولي على تطبيق شروطه كوصفة جاهزة في البلدان المدينه بغض النظر عن ظروفها الاقتصادية والاجتماعية وبنيتها الطبقيه يعد اعلان حرب وحصار اقتصادي على الفئات الفقيرة والمسحوقة وعلى الفئات المحتاجة من ذوي الدخول المحدودة من اجل تشديد تقشفها وتجويعها في سبيل ان تتحمل اعباء الديون الخارجية وتدفع فواتير الارباح الخيالية التي تجنيها الشركات الرأسمالية , لقد ادى تطبيق شروط الصندوق الى تجويع ملايين البشر بالاضافة الى ما لحق بها من تخلف ثقافي واجتماعي وتدمير اقتصادي وتضخم وبطالة وفساد اداري واجتماعي متعدد الجوانب .
فبسبب تنفيذ شروط الصندوق الدولي يترتب على الفئات الفقيرة ان تحرم من الدعم المالي الذي تقدمه الحكومه الى السلع التموينية التي تشكل قوتاً يوميا لا غنى عنه , كما يجب ان تحرم كافة فئات المجتمع من الدعم المالي المقدم لخدمات الصحة والتعليم والنقل والمواصلات والاتصالات وتوقف الحكومة الدعم المقدم لخدمات الماء والضوء وغير ذلك من الخدمات الضرورية في حياة الناس . ولم يقف الامر عند هذا الحد فيجب فرض المزيد من الضرائب على السلع والخدمات التي يقع الجزء الاعظم منها على عاتق الفئات المسحوقة , وان هدف هذه الاجراءات التي تلهب ظهور الناس هو تعزيز قدرة الدولة على تسديد فواتير الديون الخارجية التي استدانتها الانظمة الدكتاتورية دون رغبة وارادة الشعب وحملته تبعاتها .
ولهذا لا نجد غرابة في اندلاع مظاهرات الخبز العارمة في مصر وتونس والسودان والجزائر وفي الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا وشيلي والمكسيك والبيرو وفي مناطق آخرى من العالم لتهتف بسقوط صندوق النقد الدولي وسقوط الامبرياليه الامريكية . وتشجب وتدين سياسات الصندوق التي تقوم على افقار الاكثرية من اجل اثراء حفنة من الأقلية الطفيليه .

د.عودة الحمداني


يتبع


(4) مصدر الارقام د.ابراهيم كرسلي واخرون صندوق النقد الدولي وديون العالم الثالث , مركز البحوث والعلوم الاقتصادية , بنغازي , الجماهيرية العظمى ,الجماهيرية العظمى ,1989.
(5)مصدر الارقام محمد حسن منصور ,اعباء لاالديون الخارجية ,كعامل مقيد للتنمية ,مركز البحوث والعلوم الاقتصادية , بنغازي ,الجماهيرية العظمى , 1989.
(6) مصدر الارقام د.محمد هاشم عوض, علاقة السودان وصندوق النقد الدولي , مجلة الصناعة , الخرطوم , 1996
(7) د.ابراهيم كرسلي وآخرون , صندوق النقد الدولي وديون العالم الثالث , مصدر سابق .
(8) اريك توماس وآخرون , خدعة الديون , مصدر سابق




(4) مصدر الارقام د.ابراهيم كرسلي واخرون صندوق النقد الدولي وديون العالم الثالث , مركز البحوث والعلوم الاقتصادية , بنغازي , الجماهيرية العظمى ,الجماهيرية العظمى ,1989.
(5) مصدر الارقام محمد حسن منصور ,اعباء لاالديون الخارجية ,كعامل مقيد للتنمية ,مركز البحوث والعلوم الاقتصادية , بنغازي ,الجماهيرية العظمى , 1989.
(6) مصدر الارقام د.محمد هاشم عوض, علاقة السودان وصندوق النقد الدولي , مجلة الصناعة , الخرطوم , 1996
(7) د.ابراهيم كرسلي وآخرون , صندوق النقد الدولي وديون العالم الثالث , مصدر سابق .
(8) اريك توماس وآخرون , خدعة الديون , مصدر سابق