الى متى يبقى كابوس المشكلة الكردية علي جماهير العراق؟


رعد سليم
2018 / 1 / 8 - 16:44     

بعد أجراء الاستفتاء في كردستان العراق وقرار شعبها بالانفصال من العراق، برهنت بان الاكثرية المطلقة من جماهير في كردستان لا تريد ان تعيش داخل "العراق الموحد". لكن ذلك القرار اصطدم بمعارضة قوية من قبل السلطة المركزية ودول المنطقة وحتى الدول الكبرى. وبعدها قامت الحكومة المركزية والدول المجاورة لكردستان بسلسلة اجرائات صارمة ضد قرار جماهير كردستان، بدء من حصار شامل وانتهى بعملية العسكرية واسعة وباشراف الحرس الثوري ايراني أسفرت عن الأستيلاء على المناطق المتنازعة بين الاقليم والمركز من قبل الحشد الشعبي والقوات الحكومة المركزية.
ان مسالة استفتاء كردستان وقرار جماهيرها بالانفصال يحتاج لتحليلها من غير زاوية، غير زاوية القومين العرب والكرد، او من زاوية مصالح دول المنطقة او حتى الدول الكبرى. ان المسالة ينبغي روؤيتها من زاوية مصلحة جماهير العراق كليا.
في البداية اريد ان اتطرق عن موقف الدول الكبرى للمسالة، كما نعرف ان الدول الكبرى رفضت نتائج الاستفتاء وبينت مواقفها بانهم يدافعون عن "العراق الموحد". لماذا هذا الموقف؟ هل جاء موقفهم من زاوية مصلحة العراق؟ يمكن للمرء ان يجيب عن هذه السؤال بسهولة، بان الغرب وامريكا والراسمالية العالمية لديها مصلحة اكبر في العراق وليس في كردستان، او بان الدول الكبرى لا يريدون ان تخلق مشاكل اكثر في المنطقة. ان تلك الاجابة لاتحمل عمقا وانما اجابة ضيقة وتدخل في اطار اجابة الصحفيين والمحللين في الصحف. ان مواقف تلك الدول منبثق من مصالحهم الاستراتيجية الطويلة الامد وليس للوقت الحاضر فقط، لكن للمسقبل الطويل الامد.
ان اتفاقية سايكس بيكو كانت ليس اتفاقية تقسيم المنطقة جغرافيا فقط، انما كانت اتفاقية لرسم مصالح الدول الراسمالية الكبرى في المسقبل. ان حرمان الاكراد من أنشاء دولة خاصة بهم وتقسيمهم ما بين الاربع دول في المنطقة جاءت مع نفس استراتيجية الراسمالية لتلك الدول. ان خلق المشاكل وأستمرارها في تلك المنطقة كانت جزء من مخططاتهم. الأبقاء على المشكلة الكردية كان ارضية مناسبة وسهلة لتنفيذ برامجهم على طول الفترات الزمنية السابقة والتغيرات في دول المنطقة. وبامكاننا ان نرجع لتاريخ التطورات واحداث المنطقة، وكيف استعملت الورقة الكردية في تلك التطورات. وبقاء تلك المشكلة بدون حل ترك دائما الأبواب مفتوحة لتدخلات الدول الاخرى حسب مصالحهم.
مواقف الدول العربية والحركات القومية والاسلامية ورؤيتهم تجاه القضية الكردية وخصوصا في العراق على طول التاريخ كانت ليس باتجاه حل القضية، وانما بالعكس كانت باتجاه الدفاع عن "وحدة الاراضي العراقية" وقمع كل الحركات التحررية او القومية الكردية. ان تلك الدول او الحركات يتجاهلون او ينكرون دائما وجود قضية عادلة للجماهير في كردستان، وهذا الموقف ساعد على بقاء القضية على حالتها دون حل، ونتيجتها ازدياد المصائب والحروب وعدم الاستقرار في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص. ان تلك الحكومات او الحركات السياسية جميعهم متفقين بان الاكراد ليس لهم الحق في الانفصال، وينبغي عليهم البقاء في العراق ويقبلون صفة مواطن من الدرجة الثانية ويحترمون القوانين العراقية المنبثقة من القومية العربية او الاسلام. وراينا كيف وحدت كافة الاحزاب والحركات القومية والاسلامية ليس في العراق وحده، بل في كافة الدول العربية موقفها ضد استفتاء جماهير كردستان الاخير.
مواقف الحركات القومية الكردية وخاصة الاحزاب القومية الكردية وحركاتهم المسلحة لم تكن باتجاه الحل الجذري للقضية الكردية، وانما كانت محاولتهم تقسيم السلطة مع الدول التي يعيش فيها الاكراد. كما كان في العراق في خلال محاولاتهم مع السلطات والحكومات المتتالية منذ بدا تاسيس الدولة العراقية، بدءا بمطالبتهم بتشكيل الدولة المشتركة او الحكم الذاتي او الفدارالية. ومن خلال مفاوضاتهم واتفاقاتهم جربوا تلك الأشكال ولكن في الاخير بقيت القضية الكردية في مكانها، وأتجهت من جديد لخلق المشاكل والحروب.
موقف الكثير من الحركات والاحزاب اليسارية العربية او العراقية من القضية الكردية ليس مختلف كثيرا من مواقف الحركات الاخرى، لكن بيان مواقفهم من المشكلة الكردية كانت بشكل اخر. تحت شعار "الشعب الموحد وضد تجزئة الاراضي" طلبوا دائما ان يلتحق الشعب الكردي بالشعب العربي. وفي الكثير من مواقفهم اتهموا الحركات الكردية المسلحة او الأنتفاضات الكردية بالعمالة للاستعمار واسرائيل.
ان القضية الكردية او الظلم القومي في العراق سبب للمصائب والحروب على طول التاريخ، ودفع الشعب العراقي ثمنها باهضا، ضحايا مئات الألاف وتدمير المدن وفقدان مليارت او ترليونات من الدولارات من ثرواتها. وكل الحروب الاخرى التي قام بها العراق مع الدول الاخرى كانت اساسها مربوط بالقضية الكردية. ان بقاء المشكلة كما هي يقوي الحركات القومية او الحركات الاخرى من الجانبين، ويبقي افكار الفاشية للقومية العربية او الاسلامية في مكانها، ومقابلها تبقي الحركات القومية الكردية في مكانها ومن خلالها يولد العشرات من البرزانين او الطالبانين او البعثيين او مالكين الان وفي المستقبل.
السؤال الذي يطرح نفسه، ما هو الحل الافضل النهائي للمشكلة، وخاصة في العراق؟
ان الحل الاشتراكي والطبقي عن طريق تاسيس الدولة الاشتراكية هو الحل النهائي، الذي بامكانه ان يزول كافة انواع الظلم والاستغلال بما فيها الظلم القومي، لكن مع الاسف هذا البديل قدرته اليوم محدودة في الساحة السياسية، وليس بامكانه ان يحقق اهدافه في الوقت الحاضر او حتى في المستقبل القريب. هناك حل آخر وقابل للتحقيق اي حل دولة المواطنة عن طريق تاسيس الدولة العلمانية غير الدينية وغير القومية التي يتمتع فيها المواطنين بالحقوق المتساوية. وهذا يتحقق عن طريق تغير دستور الدولة الى دستور علماني بعيدا عن الفكر القومي او الديني. لكن هذا البديل يواجه صعوبة وعراقيل من قبل اكثرية الاحزاب والحركات القومية والدينية في الساحة السياسية، ويمكن ان نقول بأنه غير موجودة داخل اجندة اكثرية الاحزاب العراقية او الكردية.
لذا يبقى الحل الافضل والقابل للتطبيق والاكثر واقعية في الوقت الحاضر، وهذا الحل هو كما قال الشعب الكردي كلمته في الاستفتاء الاخير للانفصال عن العراق. أما مشكلة المناطق المتنازعة عليها، فبالامكان ان ينظم استفتاء باشراف منظمات دولية لتحديد مصيرهم بان يلتحقو بالعراق او بدولة كردستان. في هذه الحالة تحل القضية الكردية بشكل نهائي في العراق، ويعيش الشعبين بسلام دائم، وهذا يؤدي الي سحب البساط من تحت اقدام الدول الاخرى في التدخل وخلق المشاكل، وسحب البساط من تحت اقادم القومين الكرد والعرب للحد من حروبهم والحد من التضحيات او المصائب للشعب العراقي في الجنوب والشمال. أما بقاء القضية في مكانها تحت المسميات المختلفة داخل العراق، فعلى الشعب العراقي أنتضار حروب قادمة وتدخلات مستمرة من من قبل كافة القوى.. أي حرب دائمة وعدم أستقرار بشكل نهائي يدفع ثمنها الجماهير في العراق من حياتها ومستقبلها، وتبقي المشكلة بمثابة كابوس مظلم مستمر على الشعب العراقي على طول الزمن.