الحدث الايراني بين الافتعال والواقع


جاسم ألصفار
2018 / 1 / 5 - 23:57     

في يوم 28 كانون الاول/ديسمبر انطلقت شرارة الاحتجاجات الشعبية الاخيرة في ايران بخروج بضعة الاف من المتظاهرين الايرانيين المناوئين للنظام الى شوارع مشهد، ثاني اكبر المدن الايرانية بكثافتها السكانية، يتزامن معها خروج عدة مئات من المتظاهرين في طهران. وفي اليوم التالي 29 كانون الاول/ديسمبر اتسعت مساحة حركة الاحتجاج لتصل الى ريشت وكرمنشاه وبصورة اقل تأثيرا في شيراز واصفهان وهمدان ومدن صغيرة اخرى. ثم اندلعت موجة جديدة من الاحتجاجات وبزخم اعلى في العاصمة طهران ومدن اخرى في اليوم الثالث لبداية الاحداث.
لو ان المتظاهرين قد خرجوا الى شوارع المدن الايرانية احتجاجا على البطالة المستشرية في البلاد وعلى الفساد وزيادة الاسعار، لكان ذلك مفهوما ومبررا ومعبرا عن اختناقات داخلية كانت السبب وراء هذه الاحتجاجات، ولكن شعارات حركة الاحتجاجات وان كانت يسمع منها مرة هنا واخرى هناك بعض من الشعارات المطلبية الا انها غالبا ما كانت تعكس حجم الازمة السياسية في البلاد، مثل شعارات "الموت للدكتاتور" أو "الموت لروحاني" كما ان الشعارات المطلبية لم تشكل اساسا موحدا لسياسة حركة الاحتجاج، بنفس القدر الذي توحدت حوله التظاهرات في المدن الايرانية المختلفة تحت شعارات تخص السياسة الخارجية لايران، من امثال "انسى سوريا وتذكرنا" و " لا غزة ولا لبنان حياتي ملك لايران". من هنا يصبح مفهوما طبيعة واسباب حركة الاحتجاج.
لنتوقف قليلا عند الاسباب الداخلية، ان كانت الاسباب الداخلية هي الاساس لحركة الاحتجاج. فالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية موجودة في ايران، كما هي موجودة في العديد من دول العالم، ولكن ما هو عمقها الحقيقي في ايران، فحجم اجمالي الانتاج المحلي الايراني بالنسبة لعدد السكان يصل الى 5252 دولار وقد ارتفعت هذه النسبة منذ عام 2016 بمعدل 4,5%. أما التضخم، والذي وصفته الصحافة العالمية بأنه العامل الاهم وراء الاحتجاجات، فيصل الى 8-8,25% في ايران، علما بأنه وصل الى حدوده الدنيا في الخمسة والعشرين عاما الاخيرة. أما بالنسبة للبطالة، فانها تصل الى 8-9,5% وهي اقل بكثير مما هي عليه في دول الجوار، حيث انها تصل في تركيا الى 11,6% وفي العراق 16% وفي عمان 17,5%، هذا دون ان ننسى بأن ايران كانت تحت اقسى حصار اقتصادي دام عشرات السنين، وحرمت من 56 مليارد دولار امتنعت الولايات المتحدة الامريكية من اعادتها اليها. كما ان الاموال التي بقيت مجمدة لايران في المصارف الغربية تصل الى 120 مليار دولار.
ومما يلقي ظلال الشك على ان يكون للمسحوقين والمعدمين الايرانيين دورا رئيسيا في حركة الاحتجاج هو ان الوسائل التي استخدمها منظمي الاحتجاجات لتنسيق عملهم في المدن الايرانية المختلفة هي مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنيت، وقد استخدمت هذه الوسائل بنجاح كبير وسرية محكمة بحيث ان خروج المتظاهرين بهكذا انتظام في مدن ايرانية مختلفة كان قد فاجأ مؤسسات السلطة الايرانية وسبب ارباكا واضحا في مواجهتها. كما ان الاستخدام المتمكن لوسائل الانترنيت كان واضحا من خلال متابعة نشر الصور واشرطة الفيديو بتوقيتات الحدث واستباق اجهزة النظام بالقاء التهم على الاجهزة الامنية بالقيام باعمال تخريبية.
قائمة "جرائم" النظام الايراني طويلة، فهذا النظام "يسمح لنفسه" تبني سياسة جريئة ومستقلة في الشرق الاوسط لا تتناغم مع مصالح اصدقاء امريكا هناك وتستجيب لمصالح الاعداء، فهو يتحالف مع الصين وروسيا في سوريا ويشكل مع روسيا وتركيا الثالوث الراعي للمباحثات السورية في استانا وصوجي، ولم يمر الاعتراف الايراني بالقدس عاصمة لفلسطين دون غضب واستياء امريكي، ولا تنتهي القائمة باتهام امريكا لايران بالتعاون مع نظام كوريا الشمالية.
في الصحافة الامريكية جرى التأكيد على ان ما تضمنته الميزانية التي قدمها روحاني للعام الايراني الجديد الذي يبدأ من اذار 2018 ولغاية اذار 2019 من رصد لمبالغ "هائلة" على الشأن العسكري الخارجي قد اثار الجماهير الايرانية المتعبة من اثار الضغط المالي واخرجها الى التظاهر، فهل هذا صحيح؟ أولا ليس من الواقع بشيء ان تكون الجماهير في علم ودراية بكل تفاصيل ميزانية الدولة المقدمة حديثا للبرلمان الايراني، وخاصة في تفاصيل تعتبر سرية، ولكن حتى لو افترضنا هذا الامر واقعا فان روحاني قد رصد في ميزانية الدولة الايرانية ما مقداره 11 مليار دولار للحرس الثوري الايراني متضمنة مصاريفه في النشاطات الخارجية، فهل هذا كثير مقارنة بالتحديات التي تواجهها ايران اقليميا؟
كل الاحداث التي رافقت حركة الاحتجاج الايرانية ومسبباتها تشير الى اياد خفية وراء اشعال الفتنة في ايران، خاصة مع ظهور اسماء رموز حركة الاحتجاجات والذين من بينهم مرام رجوي رئيس اللجنة الوطنية للمقاومة الايرانية، وحسين موسوي ومهدي كروبي وغيرهم من الشخصيات المعروفة بولائها للغرب. ومع ان حركة الاحتجاج قد تراجعت في اليومين الاخيرين الا ان امكانية اندلاعها مرة اخرى تبقى واردة، وسيعتمد ذلك ليس فقط على حجم الدعم الذي سيقدم لها من الخارج بل على تصرف الدولة الايرانية بالدرجة الاولى، فالقمع وحملات الاعتقال الواسعة قد يؤدي الى عكس اغراضها وقد تؤجج مشاعر الغضب بدل اطفائها وتجر البلاد الى ازمة شبيهة بتلك التي رافقت اضطرابات عام 2009.
ولا بأس في ان اختم هذه المقالة باقتباسين ايجابيين، فكما نقلت وكالة الطلبة للأنباء عن روحاني قوله "ما حدث في الأيام الماضية ربما يظهر وكأنه تهديد لكن علينا أن نحوله إلى فرصة ونرى ما هي المشكلة". ومن جهته، أكد المدعي العام الايراني محمد جعفر منتظري " يجب ان نميز بين من خرج الى التظاهر بمطالب قانونية وبين من خرج لنشر الفوضى"