هل أصدق المغاربة وأكذب قبلة المسلمين!


محمد مسافير
2018 / 1 / 4 - 23:06     

حكى الأستاذ محمد المسيح قائلا:
كان حلم أمي أن تلج المدرسة، لكن فترة الأربعينيات، لم يكن يسمح للفتيات بذلك، فقد كانت المتعلمة تنعث بأوسخ الأوصاف، خاصة في وسط الطبقات الفقيرة، المدرسة مكان للرجال، العلم صفة مرتبطة بالذكورة، أما الأنثى العفيفة فيجب عليها أن تلازم بيتها حتى يمن الله عليها بمن يسترها إلى آخر العمر... وهذا المبدأ لم يكن يسري على الطبقات الميسورة، فقد كانت بناتهم يستفدن من تعليم مشروط، إما عن طريق شيخ كفيف، أو بواسطة أحد أفراد الأسرة المتعلمين، إذ كانت أزمة الثقة مستشرية وقتها...
لكن أمي، يقول المسيح، رغم ما قد يلحقها من عار، لم تكن تبالي، فعزمت على تحدي أعراف القبيلة، كان سقف غايتها من التعلم هو ما يسمح لها بقراءة كتاب الله دون حاجة إلى وسيط قارئ... لكن ما السبيل إلى ذلك؟ ووالدتها، جدة المسيح، لم تكن مستعدة لتحمل عواقب نزوة ابنتها، كانت ترفض طلبها على نحو يحد النقاش!
اختارت طرقا ملتوية، توسلت إحدى الجارات أن ترافقها إلى إدارة المدرسة، امتثلت لها الجارة، كذبت على المديرة، قالت إنها يتيمة الأبوين، نجحت في الإقناع، استفادت من يومين دراسيين قبل أن تلاحظ الجدة غيابها عن البيت، اكتشفت أمرها، عنفتها أشد تعنيف، ثم اعتقلتها داخل البيت!
لم تحضى الثائرة بأية فرصة أخرى لفرض تواجدها في صفوف القسم، لكن بقي الحلم عالقا بذهنها، تزوجت وأنجبت دون أن تفارق الحلم... إلى أن قيض لها ذات عام أن تؤدي مناسك الحج، وهناك... جلبت معها مصحفا، فتذكت حماستها للعلم، تسجلت هذه المرة في قسم لمحاربة الأمية، واستطاعت فعلا أن تحقق نجاحا سريعا في التهجي منذ الأشهر الأولى، ولم تكن تفارق مصحف السعودية...
وقد حدث ذات يوم أن تهجت على معلمتها الآية 19 من سورة الزخرف:
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا
لكن المعلمة اعتقدتها قد أخطأت التهجي، فقالت مصححة:
- عند الرحمان وليس عباد الرحمان!
لكن ثائرتنا أردفت بعناد:
- لكنها مكتوبة عباد، أنظري!
نظرت الأستاذة إلى ما أشار إليه أصبعها، ثم أغلقت المصحف لتنظر إلى الغلاف:
- لكن هذه رواية حفص، أبعدي هذا المصحف ولا تحضريه مرة أخرى، إننا نقرأ رواية ورش هنا في المغرب!
كانت صدمة الأم قوية، فقد كانت تلك المرة الأولى التي تدرك فيها وجود اختلافات في المصاحف، وهي التي طالما اعتقدت كلمات الله منزهة عن التحريف أو الخلاف، لكنها لم تستسلم، بل تشبثت بمصحفها صارخة:
- أبعده! إنه من السعودية، إنه من الأرض المقدسة مكة المكرمة، هل أصدق المغاربة وأكذب قبلة المسلمين!