القوّة الزعومة للرأسمالية ليست إلّا انعكاس لضعف مناهضيها


علي عامر
2018 / 1 / 4 - 17:47     

آلان باديو: "القوّة المزعومة للرأسمالية الآن، ليست إلّا إنعكاس لضعف معارضيها."

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------

قام السيّد Darko Vujica بمقابلة آلان باديو، وتم نشر المقابلة بالأصل عبر prometej.ba.

نشرت المقابلة بتاريخ: 27/12/2017

رابط المقابلة الأصلي: http://www.criticatac.ro/lefteast/alain-badiou-of-its-opponent/?utm_content=bufferd4452&utm_medium=social&utm_source=facebook.com&utm_campaign=buffer

تعريب: علي عامر
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المقال لا يعبّر بالضرورة عن أفكار المعرّب،
بل إننا نرى أنّ هدف نشاط الترجمة بالأساس ليس الإتيان بأفكار جاهزة من الغرب، بل الاطّلاع على ما يكتبه الغرب أولاً، ونقده ثانياً، وهذه سمات المجتمع الحيّ.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
داركو فوجيكا: لقد استثمرت طاقة كبيرة في تحقيق فكرة أو أفكار الشيوعية. ما الذي جذبك للإتخراط الثوري، ولماذا؟
باديو: كان أبي اشتراكياً، شارك في مقاومة النازية. أمي مالت أكثر نحو الأناركية. أستاذي الأول للفلسفة، جان بول سارتر، كان مرافق سفر للحزب الشيوعي الفرنسي. حين كنت مراهقاً، دارت في الجزائر حرباً استعمارية شنيعة، ووقفت ضدها. في عمر الثلاثين، اندلعت أحداث مايو لعام 1968، وهي حركة ضخمة من الشباب والعمّال. باختصار، مجمل تجربتي التعليمية قادتني نحو السياسة بشكلها الثوريّ والشيوعيّ.


داركو: لقد وجهّت نقودات حادة لظاهرة الانتاخابات، واعتبرتها (لعبة الحمقى). هل بإمكانك توضيح وجهة نظرك هذه؟ ما هو البديل عن الانتخابات؟
باديو: تعمل الانتخابات فقط في حالة وجود اتفاق أساسي بين الأغلبية والمعارضة فيم يتعلّق بتنظيم المجتمع. لم يسبق أن حدث تحوّل كامل للمجتمع من خلال الإنتخابات! وهذا مفهوم تماماً: كيف لحزب يدعم فكرة محافظة عن المجتمع أن يقبل بانقلاب كامل في المجتمع كنتيجة للتصويت؟ وبالمقابل، إذا تم تحويل المجتمع ثورياً، كيف من الممكن القبول بالعودة للوضع السابق قبل الثورة، وبالتالي تسليم السلطة للرجعية بكل وداعة؟! في دولنا الغربية، فإنّ القاعدة بسيطة جداً: بمجرد امتلاك السلطة، يمكن تغيير بعض التفاصيل الصغيرة، ولكن لا تطرح أبداً قضيّة تغيير الأسس الرأسمالية في المجتمع. هل تعرف أيّة دولة "ديمقراطية"غير محكومة بشكل كامل برأسمالية مستقرة إلى حد كبير؟ الديمقراطية ليست إلّا قناع يستخدم لحماية النظام السائد.


داركو: عالم الاجتماع الاقتصادي الألماني Wolfgang Streeck قال أنّ المخيال السياسي اليوم قد تلاشى تحت وطأة الديناميّة الرأسمالية، وأنّ الرأسمالية ستتحطم ولا يوجد أي سيناريو بديل وجاهز لاستبدالها. كيف تعلّق على هذا؟
باديو: هذا خاطئ تماماً. فجوهر الرأسمالية، الشرط المطلق لوجودها، هو الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والتبادل. وجود حفنة أوليغارشية صغيرة تتحكم برؤوس أموال الشركات المتعددة القوميّات الضخمة، والسلطة المفرطة للمال، هما ما يخلق القيم الخاطئة للقيمة التبادليّة التي يحددها السوق عوضاً عن أن تتحدد بالقيم الإستعمالية للبضاعة. إذا هوجم كل هذا، إذا تغيّر نمط الإنتاج، سنلج حقيقةً في عالم مختلف.
القوّة المزعومة للرأسمالية وديناميّتها العليلة –التي تمر في فترات طويلة من الأزمات والركود-هي اليوم ليست إلّا إنعكاساً لضعف مناهضي الرأسمالية.


داركو: في كتابك "الفرضية الشيوعية" أعربت عن وجود لحظات يسارية عظيمة في القرن المنصرم، وأنّ شيوعية القرن العشرين انتهت، ويجب علينا البدء من جديد. آخذاً ذلك بعين الاعتبار، أوّد أن أسألك ماذا يمكن أن نتعلّم من إخفاقات شيوعية القرن العشرين وما هي الأسس المطلوبة للشيوعيّة اليوم؟
باديو: ضعف شيوعية القرن العشرين كان ضعفاً سياسياً بالأساس. مركزة الأحزاب الشيوعية وعسكرتها كانتا أدوات مناسبة للإستيلاء على السلطة. إلّا أنها لم تكن أدوات مناسبة لتنظيم مجتمع شيوعي.
كانت الأحزاب مرتبطة أكثر من اللازم بسلطة الدولة، كما أنّها لم تطوّر أممية حقيقية.
يجب علينا الآن تنظيم القوّة الشيوعية على ثلاثة ركائز: الحركات الجماهيرية، والمنظّمات التي تعمل باستمرار على إنتاج الشعارات وإلهاب الإرادات لتلك الحركات، وعلى ما يستمر لأوقات طويلة، والذي يجب أن يظل تحت إشراف دائم من الحركات والمنظمات.
الفشل الأكبر في القرن العشرين كان في تمازج الحزب مع الدولة، وخلق دولة الحزب، التي انفصلت عن الجماهير تدريجيّاً.
يجب على الديالكتيك السياسي التعاطي مع ثلاثة شروط: (الحركات، المنظمات، الدول) وأن لا يكتفي بشرطان (الجماهير والدولة)، ناهيك عن اكتفاءه بواحد (دولة الحزب).


داركو: كنت قد اعتبرت الرأسمالية مرض البشرية. بينما تعتبر الرأسمالية بالنسبة للعديد النظام الوحيد القادر على العمل! كيف نجعل الشيوعية مقنعة للإنسان المحكوم مسبقاً بثقافة الإستهلاك؟
باديو: إنّ سيطرة نظام اجتماعي واحد، بعد الهزيمة الساحقة لنقيضه الشيوعي، ستخلق بالضرورة تأييداً واسع النطاق. في القرن السابع عشر، كانت الأغلبية الساحقة من الفكر الفرنسي تعتقد أنّ الَمَلِكَّية المطلقة هي الشكل السياسي الممكن الوحيد. في القرن التالي (الثامن عشر)، فإنّ هذا الإعتقاد لم يمنع الثورة الجمهورية وتثبيت البرجوازية الرأسمالية في الحكم.
نفس المنطق صحيح الآن.
ما تسميه "ثقافة الإستهلاك" هو ببساطة الإديولوجيّة المسيطرة تحت دكتاتوريّة الديمقراطيّة البرجوازية.
البرجوازية في الواقع تستخرج أرباحها من تدوير البضائع بأسرع ما يمكن.
على أي حال، بعد قرن أو أكثر، فإن اعتناق إديولوجيا الإستهلاك اليوم سوف لن يشكّل مانعاً أمام استبدال هذا النظام السلعي الفاسد بشيوعية مبتكرة.


داركو: مع سقوط الإشتراكيّة الحقيقية، تم تهميش نقاش الشيوعية. الأحزاب الشيوعية ضعيفة، ولا يتم التعاطي مع الشيوعية إلّا في نطاق الدوائر الثقافية الضيّقة.
كيف يمكن نقل النقاش حول الشيوعية من الهامش إلى مركز الإهتمام العام؟
باديو: كيف سيبدو سؤالك لنقل في عام 1840، حين بدأ ماركس وإنجلس وثلّة أخرى بالكتابة والنشاط؟ كانوا مجرّد حفنة من الناس، ولم يكن هناك أي رأي عام في صالحهم.
في عام 1848 كتب ماركس وإنجلز "بيان الحزب الشيوعي،" في حين لم يكن هناك أي حزب شيوعي!
منذئذ أصبح هذا نوعاً من التقليد. نحن، مثلهما تماماً، يجب علينا البدء من جديد، أن نبدأ أوّلا وبشكل رئيسي بنشاط إديولوجي كثيف، يهدف للتأكيد على أننا اليوم لا نملك إمكانية واحدة فقط بل اثنتان، الرأسمالية أو الشيوعية.
ويجب علينا المشاركة على الصعيد العالمي، في كل الحركات الشعبية ذات العلاقة، وتحليل تلك الحركات من وجهة نظر المبادئ الشيوعية، وفي الحقيقة هناك أربعة مبادئ رئيسية في شيوعية اليوم:

- تشييع وسائل الإنتاج والتبادل، ودحر الأوليغارشية المسيطرة على تلك الوسائل.
- تقويض وكبح الفروقات الكبيرة التي تؤثر على حياتنا عمليّاً: الفروق الضخمة بين العمل النظري والجسدي، بين الريف والمدينة، بين المهام الإدارية والتنفيذية... أي خلق العامل متعدد الأنماط.
- الإختفاء التدريجي للهويات الجمعية الزائفة، أكانت عرقية، قومية، دينية، إلخ، والتي تسمم الحياة العامة.
- التقويض التدريجي للدولة لصالح الإدارة الذاتية المباشرة للمجتمع، عبر اجتماعات متصلّة تحدد الشعار والمهام والأهداف.


داركو: قبل عشرين عاماً من الآن، حصل إنفصال دموي في يوغوسلافيا. كيف تشرح إنحلال يوغوسلافيا، وكيف ترى مرحلة ما بعد يوغوسلافيا بعيون اليوم؟
أنا أقف مع دحر الدولة، مع شعار ماركس:"ليس للعمّال دولة." أنا أممي صلب.
من هذه الوجهة، أنا بشكل عام أعارض انفصال الدول الموجودة، وضد الإستقلال المصطنع المدعوم بالشوفينيّة أو التقليدية.
يجب علينا إلغاء الاضطهادات القومية من الأعلى: عبر نشاط أممي، وليس من الأسفل: عبر القومية الإقليمية.
أنا آسف بشدّة على إختفاء يوغوسلافيا، ولا أومن أبداً أنّ وجود عشرة دول مكان يوغوسلافيا سيحقق أي تقدم.
بالتأكيد، لا بد من دمار الإمبراطوريّات الإستعمارية.
خلال حرب الجزائر التحررية، دعمت الجزائريين. ودعمت أيضاً الفيتناميين ضد الجيش الأمريكي.
إلّا أنّ تلك المرحلة انتهت الآن. اليوم، فإنّ الأممية الشيوعية تأتي أوّلاً!