جرفُ البؤسِ .......مقبرةُ الأحلامِ


مرام عطية
2017 / 12 / 19 - 20:52     

جرفُ البؤسِ .......مقبرةُ الأحلامِ
**********************
أخطبوطٌ عنيدٌ تمتدُّ أذرعهُ الطويلةُ إلى كرومِ الفكرِ ، جرادهُ يلتهمُ سنابلَ الجمالِ فتطحنها رحىً سوداءَ ، يسمونهُ رأسَ المالِ .
صقيعٌ في الأقاليم ، و أحلامُ الأطفالِ شاهقةٌ، زهورها البيضاءُ لاتنمو إلا في بلادٍ دافئةٍ ، لاترقى إليها قطاراتُ المدارسِ الهرمةِ التي شاختْ دواليبها ، و تهلهتْ مقاعدها ، شحَ زيتها ؛ فغزاها الصقيعُ وتسللَ الزمهريرُ إلى أوصالها ، ترهَّل طاقمها الإداري والفنيِّ لم يبقَ من محتواها إلا الشكلُ البهيُّ والاسمُ الجميلُ المزينُ بطهرِ الشَّهداءِ ، بعدَ أنْ عصفتْ بها رياحُ القصورِ والضعفِ ، لوت أغصانَ أبنائها وبعثرتهم كأوراقٍ صفراءَ شاحبةٍ على دروبٍ عطشى مقفرةِ إلا من اللصوصِ والذئابِ .
دورُ علمٍ تتسربلُ بالكتبِ والمعارفِ تضاهي أعظمَ بلدانِ العالمِ شحَّ فيها العلمُ كحقولٍ أقامَ فيها الخريفُ ووطدَ أركانهُ ... ياللألمِ !!
أفعى تسللَتْ من جحورِ الحربِ إلى محرابها و أخذَتْ يتناسلُ في كنائسِ الصفوفِ المقدَّسةِ خراباً وقصوراً ، تنفثُ سمومها فيتساقطُ فراشُ الفرحِ من شرفات النفوسِ الشفافةِ ، وتكف العصافيرُ عن الشدوِ . الجوعُ يتسكعُ هنا ويتربعُ على عرشٍ ذهبيًّ هناااااك .
تدخلُ إلى الغرفةِ الصفيةِ فتنتحبُ بصمتٍ
لا أذن تسمعكَ و لاعينَ تراكَ ، الأنفاسُ تضيقُ تجدُ مجاهداً في معركةٍ لا منتصرَ فيها ، مدرسٌ أنهكتهُ أثقالُ الحاجةِ ، وغيبَ شذاهُ البؤسُ
عيونٌ جائعةٌ لصورِ الجمالِ والربيعِ و شفاهٌ عطشى لقطرةِ علمٍ وسماءٌ شحيحةٌ بالمطر ، معلمونَ محكومون بجريمةِ الفقرِ المدقعِ ، سطا عليهم ذئبُ الحاجةِ وغرس مخالبهُ في أجسادهم الفتيةَ وأرواحهم الساميةِ ، متعبون من ظهرِ أمسِ يلهثون وراءَ لقمةِ العيشِ حتى منتصفِ الليلِ ؛ فهذا بائعٌ جوالٌ وآخر سائقُ ميكروباص وثالث مدرِّسٌ خصوصي في الْبَيْتِ . كلَّما أحسوا بالفاقةِ تلاحقُ أبناءهم تراهم يرتحلونَ من واحة إلى أخرى تقيهم من جفافٍ أحمرَ
في الصباحِ تبدأ رحلةُ الإبحارِ من جديدٍ إلى جزرِ المعرفةِ والعلمِ إِنَّكَ لم ترها ماأمر هذه الرحلةَ وماأقساها !!
ترتطمُ سفينةُ العلمِ بجرفِ البؤسِ القاسي
فلا تصلُ إلى شاطئ الأمانِ ؛ هنا طالبٌ يتثاءبُ اتخذَ المدرسةَ سريراً للنومِ لان مدرستهُ العتيدةُ تبدأُ في معهدٍ مرخصٍ يدرِّسُ فيه مدرسو المدرسة أنفسهم أو آخرون بعد نهايةِ الدوامِ المدرسيِّ ، أو جعلها نزهةً جميلةً مع رفاقه في الصف لذلكَ تراهُ دائم الثرثرةِ أو الضوضاءِ ؛ لأن في منزلهِ نخبةٌ من المدرسين الاختصاصيين ينتظرون قدومهُ من المدرسةِ بإذنٍ من المديرِ المخوَّلِ بإعطائه هذه الفرصُ حتى لايهربَ من المدرسةِ كل الأيام ِكما يدَّعي
وآخرُ يتلهَّفُ لسماع كلمةٍ طيبةٍ من سلالِ المعرفةِ يقطفُ منها ثمرةً شهيَّةً أو فاكهةً لذيذةً يعشقها .
محطوظٌ هذا الفتى لو صادفَ في رحلته الدراسيةِ معلماً يمنحهُ قليلاً من خبزِ المعرفة والثقةِ أو حلوى المرحِ والتعزيزِ
وثالثُ شَربَ حليبَ الضعفِ والقصورِ من أثداءٍ جافةٍ في معهده، وترفَّعَ إلى صفٍ أعلى إلزامياً
إنَّهُ غرسةُ ضعفٍ لم تلقَ رعايةً واهتماماً في الأسرة الشَّقيةِ والمدرسةِ .
الوسائلُ التعليميةُ الباهظةُ الثَّمنِ تشكو تقلُّبَ الزمنَ وتوالي المحنِ ، تعاتبُ الجميعَ ، يعلوها غبارٌ أصفرُ أراها تصرخُ كيفَ أخرجُ من هذا السجنِ ؟! لم تصافحني عينٌ أو تلمسني يدٌ ؟!
الأهلُ غرقى بالديونِ كيفَ يسددون أجورَ الدروسِ الخصوصيةِ لأولادهم ؟
أيها النهرُ الكبيرُ كيفَ لي أنْ أزلزلَ هذا الجرفَ لأدعَ سفينةَ العلمِ تصلُ للشاطىء بأمانٍ ، أو أصلحَ هذا الخرابَ المهرولَ نحو صحارى الضياعِ خرابٌ مريعٌ لاتنفعُ معهُ لائحةٌ خشبيةٌ ولا ورقيةٌ ؟!!
__________
مرام عطية