حزب دعم العمالي - لماذا الآن؟


يعقوب بن افرات
2006 / 2 / 27 - 09:53     

الطبقة العاملة هي صاحبة المشاعر الوطنية الحقيقية، وهي اكثر المتضررين من الاحتلال والتمييز القومي. ما شهدناه في قاعة "الميدان" في 11 شباط كان بلا شك تعبيرا عن اهتمام حماسي بالسياسة العمالية. نعم، الناس تريد العودة للسياسة، ولكن هذه المرة من خلال قيادة عمالية. وحزب دعم العمالي جاء ليؤهل الطبقة العاملة لاستلام دفة القيادة.

يعقوب بن افرات*

احتشاد 300 عامل في مهرجان انطلاقة الحملة الانتخابية لحزب دعم في 11/2/2006 بحيفا، كان اعلانا اول في تاريخ البلاد، بان فكرة الحزب العمالي اصبحت حقيقة ثابتة، حتى وإن كانت في بدايتها. الاجواء الحماسية في قاعة مسرح "الميدان" بحيفا، حيث عُقد المهرجان، كشفت أننا تحولنا الى قوة يربطها الانتماء العمالي، وليس العائلي او القومي او الديني. ان القوة العمالية هي القوة الاجتماعية الجبارة، التي لا بد منها اذا اراد المجتمع الحياة.

كانت ابرز فقرة في المهرجان، اعتلاء العمال والعاملات المنصة كمرشحين في قائمة "دعم" الانتخابية. انها ذروة في عملية استغرقت سنوات طويلة، بدأت بقرار حزب دعم خوض الحملة الانتخابية الاولى عام 1996. حينها كان همّنا ان نطرح موقفا مستقلا عن الموقف الذي اتخذته الاحزاب العربية واليسارية بالتصويت لمرشح حزب العمل لرئاسة الحكومة، شمعون بيرس، كأهون الشرين مقابل مرشح الليكود، بنيامين نتانياهو. نادينا بالتصويت بورقة بيضاء للرئاسة، على اساس ان كلا المرشحين هما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يدعم برامج صهيونية ورأسمالية، بعيدة عن طموح الشعب الفلسطيني وعن هموم الطبقة العاملة.

تأكيدا على موقفنا كان عندما قاطعت الجماهير العربية الانتخابات لرئاسة الحكومة عام 2001، احتجاجا على مذبحة اكتوبر 2000 التي اقترفها حزب العمل برئاسة ايهود براك. في الانتخابات الماضية عام 2003 لم نكتف بإطلاق شعار "لا للاحزاب الصهيونية"، بل تقدمنا بمبادرة جديدة ونادينا للتصويت على اساس طبقي وليس قوميا. كانت هذه بداية لإشراك العمال في الحملة الانتخابية، والترويج لفكرة الحزب العمالي كمخرج من حال الارباك في الساحة السياسية العربية.



2006 - الواقع يلتقي بالبرنامج

لا شك ان عملنا النقابي في السنوات الثلاث الاخيرة، كان له كبير الاثر على بلورة الكادر العمالي الاول، وهو الذي تتشكل منه القائمة الانتخابية الحالية. فقد اكتشف العمال اهمية العمل المنظم، والامكانيات المتاحة امام جمعية نقابية في إحداث اماكن عمل منظم، الدفاع عن حقوق العمال، مكافحة البطالة والفقر، التأثير المباشر على الدوائر الحكومية وأرباب العمل، والسعي لفرض قوانين العمل الموجودة بهدف رفع مستوى معيشة العامل. ومن هنا سهل على العمال ادراك اهمية تشكيل حزب ليطرح هذه المطالب على المستوى الجماهيري والبرلماني.

ولكن هذا التطور لا يكفي لتفسير اهتمام العمال والرأي العام الاسرائيلي بهذه المبادرة العمالية الجديدة. ما تبين منذ بداية حملتنا الانتخابية ان شعارنا مكافحة الفقر، لا يقتصر على اهتمام الجماهير العربية فحسب، بل الاسرائيلية ايضا. احزاب كبرى مثل "كديما"، "ليكود" وحزب العمل، تتنافس فيما بينها حول البرنامج الانسب لمكافحة الفقر. الفقر الذي تعمّق نتيجة سياسة ضرب العمل المنظم والتشغيل من قبل شركات القوى البشرية وخطة ويسكونسين، لم يعد شأنا خاصا بالعمال العرب، بل يواجهه عدد كبير جدا من العمال اليهود ايضا، وتحول الى ظاهرة تتجاوز الحدود القومية.

ان دولة اسرائيل التي اقيمت على اسس تعاونية، منحت الاولوية لمواطنيها اليهود، واستثنت المواطن العربي وجردته من حقوقه. وكان احد اهم مبادئ اسرائيل "استيعاب الهجرة" على اساس "قانون العودة" الذي يمنح لاي يهودي في العالم حق "العودة" لاسرائيل. ولكن منذ بداية التسعينات تغيرت قوانين اللعبة، وتحول الاقتصاد من تعاوني عام مؤسس على العدالة الاجتماعية، الى اقتصاد رأسمالي خاص تسيطر فيه 18 عائلة غنية اسرائيلية، مدعومة باحزاب السلطة، على اكثر من ثلث الدخل القومي. النتيجة هي اتساع الهوة في اسرائيل بين الاغنياء والفقراء، واصابة شرائح متزايدة من اليهود بداء الفقر.

ولا يعني هذا ان التمييز القومي قد انتهى، بل كان اول المتضررين من التحولات الاقتصادية في اسرائيل العمال والعاملات العرب. فقد شُرّد هؤلاء من العمل في مجال البناء على خلفية استيراد قوى عاملة اجنبية، ومن مجال النسيج بعد تصدير المصانع الى الاردن والصين. وبعد ان تحولوا الى عاطلون عن العمل، جاءت الضربة الثانية في التقليص الحاد في ميزانيات البطالة وضمان الدخل. بذلك اصبح العرب يشكلون شريحة كبيرة جدا من مجمل الفقراء في اسرائيل.

ومع ذلك، يتضح ان الدولة اليهودية لم تتمكن من حصر الفقر في المجتمع العربي. فقد تسرب هذا المرض الاجتماعي للمجتمع اليهودي ايضا، حيث تحول الى خطر يهدد النسيج الاجتماعي الصهيوني.



الشعاران القومي والطبقي

ان التحولات الاقتصادية التي خلقت الفجوة الاجتماعية، اثرت ايضا على المجتمع العربي، وإن لم يكن بنفس المقدار. فإذا كنا نجد في المجتمع الاسرائيلي شريحة واسعة جدا من الطبقة الوسطى التي تتمتع بنفوذ كبير في الاحزاب المتنافسة على الحكم، والمستفيدة بشكل مباشر من الانتعاش الاقتصادي، فقد تشكلت في المجتمع العربي ايضا طبقة وسطى استفادت من التحول الاقتصادي.

في كل قرية ومدينة عربية تعيش الاغلبية العمالية مع اقلية من اصحاب المهن الحرة. بين هؤلاء موظفون حكوميون، مقاولون صغار، اصحاب شركات قوى بشرية، وأصحاب محال تجارية. يضاف الى هؤلاء مثقفون وجدوا لانفسهم مكانا في وسائل الاعلام العربية. وتسيطر هذه الفئة على المؤسسة السياسية العربية من احزاب ومجالس محلية.

هذه الشريحة النخبوية من الوسط العربي، لا تعرف الضائقة الاقتصادية، ولا تتواجد في مكاتب العمل والتأمين الوطني. ومن موقعها ترى في "الخبز والعمل" شعارا فئويا ضيق الافق لا يليق بمرحلة "التحرر الوطني". ولكن في السنوات الثلاث الاخيرة اتسعت الفجوة بين هذه الشريحة وعامة الشعب. فقد بقيت شعاراتها محصورة في النضال ضد العنصرية والمطالبة بالمواطنة الكاملة، وغضت الطرف عن المشاكل الحياتية الوجودية التي اصبحت الهم الرئيسي لدى اغلبية المجتمع.

شعار "الخبز والعمل" تحول الى شعار الطبقة العاملة العربية والفلسطينية على حد سواء، ليس من باب القبول بالتمييز العنصري والاحتلال، بل من منطلق احساس فطري سليم بان موازين القوى السياسية الحالية تمنع تطبيق البرنامج القومي، بسبب هيمنة الولايات المتحدة ودعمها المطلق لاسرائيل.

في المناطق الفلسطينية المحتلة، انعكس الامر في تصويت الناس لحركة حماس في الانتخابات الاخيرة، ومصادرة مقاليد الحكم من حركة "فتح" لاول مرة في تاريخها. غير ان الطبقة العاملة الفلسطينية لم تصوت دعما لبرنامج حماس المتطرف، وانما من اجل إحداث تغيير فوري في ظروف معيشتها الصعبة، بعد فشل "فتح" في تحسينها وركضها وراء مصالحها الفئوية تحت غطاء الشعارات الوطنية.

ان عزوف الناس عن السياسة في كلا الموقعين، نابع من عدم الثقة في ان السياسة هي وسيلة لتغيير الوضع. وقد ترسخت هذه القناعة بعد ان تبين ان حاملي شعار "الوطنية" هم انفسهم الاغنياء، المقاولون، اصحاب فرق كرة القدم، اصحاب الشركات التي تتعاون مع الشركات الاسرائيلية، اصحاب شركات القوى البشرية التي تستغل العمال.

حزب دعم العمالي جاء ليعيد الناس الى السياسة، وليؤهل الطبقة العاملة لاستلام دفة القيادة. فالطبقة العاملة هي صاحبة المشاعر الوطنية الحقيقية، وهي اكثر المتضررين من الاحتلال والتمييز القومي.

ما شهدناه في قاعة "الميدان" في 11 شباط كان بلا شك تعبيرا عن اهتمام حماسي بالسياسة العمالية. نعم، الناس تريد العودة للسياسة، ولكن هذه المرة من خلال قيادة عمالية. جربنا المثقفين وخيبوا املنا، وقد حان الوقت ان تأخذ الطبقة العاملة زمام المبادرة بيدها. لا نزال في بداية مراحل البناء، ولكن هذه الانتخابات ستشهد حدثا تاريخيا مهما لان العمال بدؤوا باسماع صوتهم، واحد لن يقمع هذا الصوت.

* الامين العام لحزب "دعم" العمالي