النوبة والسد العالي والعنصرية في مصر!


سامر سليمان
2006 / 2 / 27 - 09:53     

من حق الدولة أن تصادر الملكية الخاصة لصالح المنفعة العامة. هذا مبدأ تعترف به المجتمعات الحديثة في دساتيرها. لكنها تتحفظ على هذا الحق بأن تجعله مشروطاً بتقديم الدولة لتعويض مناسب لمن صودرت ملكيته. نحن الآن أمام اتهام مباشر للدولة بمصادرة ملكيات بعض أفراد شعبنا، دون تعويض مناسب. هذا ما يشعر به بعض النوبيين إزاء ما حدث في الستينات حينما اضطرت الدولة لنزع أراضيهم التي غرقت فيما بعد تحت بحيرة ناصر. هذه البحيرة متهمة من بعض النوبيين اليوم بأنها أجهزت على مساكنهم. والحقيقة أن هذه البحيرة كانت الثمن الذي دفعته مصر لكي تبني السد العالي. هل كان يمكن بناء السد بدون إغراق أراضي هؤلاء المواطنين؟ لا أملك إجابة على هذا السؤال، فهو متروك للمختصين. هل دفعت الدولة تعويضاً مناسباً لهم؟ هذا سؤال يجيب عليه القضاء المصري، فهو يتحمل عبء مهمة الفصل بين المواطن والدولة حينما يحدث خصام بينهما.
المشكلة اليوم أن بعض النوبيين يقولون أن الدولة لم تقدم لهم التعويض المناسب. هم يتحدثون عن المساكن الكئيبة في الصحراء التي تم ترحيلهم إليها. المشكلة أيضاً أن هؤلاء يؤكدون أن هذا ليس رأيهم الشخصي، وأنهم يبوحوا علناً بما يؤمن به النوبي "سرا"ً. والمشكلة الأعظم هي أنهم يفسرون عدم حصول النوبيين على التعويض المناسب بعنصرية تجاههم بسبب لونهم. وهم يؤكدون أن العنصرية ضد السمر والسود ضاربة في المجتمع والدولة في مصر. والحق أن هذا الكلام يجب أن يؤخذ بجدية، لأنه عار على مصر أن تدخل القرن الواحد وعشرين دون أن يكون بها آليات للتحقق من شكاوى التمييز العنصري ومن ثم التعامل معها أما بمعاقبة من يثبت أنه ادعى التمييز زوراً، وأما بمعاقبة من يثبت أنه مارس التمييز العنصري.
إذا كان لكاتب هذه السطور أن يجيب على سؤال فهو الآتي: هل قدمت الدولة لمن غرقت أراضيهم تحت البحيرة تعويضاً معنوياً أو رمزياً عادلاً؟ ليس المقصود هنا المال فمن البديهي أن المال لا يستطيع تعويض كل شيء، الأمر يحتاج إلى ترضية معنوية حينما يتعلق الأمر بغرق مساكن بشر تحت بحيرة، حتى لو كانت هذه البيوت بائسة. من حق كل إنسان أن يفخر ببيته حتى ولو كان متواضع أو فقير. الحق أن الدولة لم تقدم الترضية المعنوية الكافية لهم. والدليل على ذلك أننا تعلمنا في المدرسة أن السد العالي هو فخر لمصر، وأننا قد دفعنا في بناءه الكثير من الدم والعرق. وهذا كلام صحيح مائة بالمائة. لكن قصة السد العالي هكذا تكون ناقصة. لأن الجماعة التي قدمت أكبر تضحية لبناء السد هم من ضحوا بمنازلهم تحت مياه البحيرة. وهذا لم نتعلمه في المدرسة. والأدهى من ذلك هو أن ذوي البشرة السمراء أو السوداء لا يحظون بحماية الدولة من السخرية من لونهم. لن أخوض في الماضي وأتحدث عن الأفلام الكلاسيكية التي سخرت من السمر، ولهجتهم، كما سخرت من الصعايدة ولهجتهم. سأقتصر على الحاضر وأشهد أن العديد من أفلام السنوات الأخيرة تسخر من البشرة السوداء، وأشهد أن الرقابة التي تزعم "حماية" أخلاقنا من الفساد الجنسي، لم يرمش لا جفن حينما شاهدت فيلماً يقول فيه البطل لامرأة سوداء "نهارك أسود زي وشك". وإذا لم تكن هذه الجملة تعبر عن عنصرية فهي على الأقل تكشف عن مستوى مذهل من عدم اللياقة، لأن هذه العبارة تجرح بالتأكيد من شاء حظه أن يولد في مجتمع يتخذ من البياض معياراً للجمال. ربما لأن مستعمرينا كانوا غالباً من البيض، بداية من الاسكندر الأكبر ومرورا بالمماليك والعثمانيين ووصولاً إلى الفرنسيس والبريطانيين. هل نحن متأكدون أننا تحررنا من الاستعمار؟
بعد مذبحة ميدان مصطفي محمود ضد اللاجئين السودانيين طرح البعض سؤال هل المصريين عنصريين؟ وهو طرح غير موفق، لأنه ليس من العدل أن نصم شعباً بأكمله بالعنصرية. ولكن إذا كان السؤال هو: هل لدينا عنصرية، فإن كاتب هذه السطور يشهد، والشهادة أمانة، أنه رأى بعينه ممارسات عنصرية تحدث في وضح النهار، وأنه شعر بالعجز لأنه لا يعرف جهة مؤهلة لتلقي شكاوي التمييز العنصري يمكن أن يتوجه إليها بالشهادة. هل من جهة تستطيع الفصل في هذه المسائل غير القضاء المصري؟ هل يكون الحل بإنشاء محكمة خاصة بالفصل في دعاوى التمييز على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو الأصل الاجتماعي أو أي شيء أخر ليس للإنسان حيلة فيه؟ هل لنا أن نتحقق أن المساواة بين المصريين مضمونة حتى ينطلق الجميع للعمل وللعمران، أم نترك ضحايا التمييز يصرخون في البرية دون أن يسمعهم أحد، حتى يصل الأمر بهم للانتحار، كما فعل ذلك الشاب الذي انتحر بعد أن حالت مهنة والده دون أن يحصل على وظيفة في الدولة يستحقها كل الاستحقاق.