في الذكرى الأربعين لاستشهاد الرفيقة سعيدة المنبهي


عبد السلام أديب
2017 / 12 / 11 - 09:51     

تحل اليوم 11 دجنبر 2017 الذكرى الأربعون لاستشهاد الرفيقة الشيوعية الماركسية اللينينية سعيدة المنبهي بعد اضراب عن الطعام دام 34 يوما بمعية رفاقها ورفيقاتها عقب المحاكمة الشعيرة لسنة 1977.
لقد استشهدت الرفيقة سعيدة المنبهي وهي تناضل من أجل الحرية وتحرر الشعب المغربي من أجل نظام ديموقراطي لا مكان فيه للاستبداد ونهب خيرات وتكون فيه السلطة بيد اللجان الشعبية ومن اجل نظام ديموقراطي شعبي اشتراكي. اختطفت الشهيدة سعيدة المنبهي وعذبت وحوكمت من أجل آرائها ومواقفها السياسية في إطار منظمتها الماركسية اللينينية "الى الأمام"، لم تخفي سعيدة انتمائها أو مواقفها بل دافعت عنها حتى آخر رمق.
لقد قدمت الشهيدة سعيدة المنبهي كامرأة مغربية أسمى وأرقى أشكال النضال والتضحية من أجل أن يتحرر الشعب المغربي لذلك ستظل شهيدة الحرية والتحرر الديموقراطي في بلادنا.

ولدت الشهيدة سعيدة المنبهي في 16 شتنبر 1952 بمراكش وسط أسرة مناضلة. درست سعيدة المنبهي بمراكش في مرحلة الاعدادي والثانوي خاصة بثانوية أبو العباس السبتي حيث انخرطت في الحركة التلاميذية. في سنة 1972 انتقلت سعيدة المنبهي الى مدينة الرباط لمتابعة دراستها الجامعية في شعبى الإنجليزية بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية حيث انخرطت في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والجبهة الموحدة للطلبة التقدميين. إن تعطش سعيدة المنبهي لمبادئ التحرر والانعتاق والديموقراطية ومجتمع المساواة بين الرجال والنساء، جهلها تعتنق النظرية الماركسية اللينينية كأداة نظرية وتطبيقية من اجل الغاء الهيمنة الطبقية ومواجهة الحكم الفردي الاستبدادي ورساء مبادء الديموقراطية والاشتراكية ومجتمع المساواة.

شكلت مرحلة التحاق سعيدة المنبهي بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب ومنظمة الى الأمام انطلاقا من سنة 1972 مرحلة عسيرة تميزت بتعرض الحركة الطلابية ومنظمة الى الأمام الى القمع الشرس من خلال اختطاف العديد من المناضلين والمناضلات ومتابعة ومطاردة الآخرين. وانتهت هذه المرحلة باقدام النظام على حل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 24 يناير 1973، فانخرطت سعيدة المنبهي في النضال من خلال مساهمتها في المظاهرات المنددة بالقرار الرجعي دفاعا عن أوطم وخطها النقابي الثوري واستمرارا لكفاحها العنيد ومن أجل الصمود والارتباط بالجماهير.

وتعتبر هذه المرحلة التي عاشتها سعيدة المنبهي من أحلك ظروف القمع الأسود، حيث تفاحشت الاعتقالات والمحاكمات الصورية والطرود الملغومة والاعدامات السرية، في مغرب تازمامارت والكومبليكس ودرب مولاي الشريف زاكدز ودار المقري وغيرها ... في مغرب "الجدران لها آذان" حسب التعبير السائد وحيث حيازة كتاب شبهة، والتضامن مع فلسطين شبهة. في ظل هذه الظروف اتخدت سعيدة المنبهي قرارها بالانخراط في المنظمة الماركسية اللينينية "الى الأمام" لتواصل النضال من أجل دولة ديموقراطية شعبية ومن أجل الاشتراكية.

ستعمل الشهيدة سعيدة المنبهي على استكمال تكوينها كأستاذة للسلك الأول بالمركز التربوي الجهوي الذي ستتخرج منه كأستاذة لمادة الإنجليزية باعدادية الخوارزمي بالرباط، وستنخرط مباشرة بعد التحاقها بالعمل في النقابة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل كمناضلة نقابية.

في 16 يناير من سنة 1976 سيتم اختطاف سعيدة المنبهي وهي تدخل شقتها فيوضع القيد في معصمها والعصابة السوداء على عينها ويتم اقتيادها تحت وابل من السباب والنعوت المحقرة للمرأةوالمناضلة إلى المعتقل السيء الذكر "درب مولاي الشريق" أو "الدرب" كما كان يصطلح عليه اختصارا، لتبدأ رحلة أخرى منحياة سعيدة المنبهي النضالية في مواجهة جلاديها. قضت سعيدة ثلاثة أشهر بالدرب إلى جانب رفاقها ورفيقاتها الذين حصدتهم الحملة الثانية الكبيرة ضد منظمة "إلى الأمام" ابتداء من يناير 1976.

وقفت سعيدة المنبهي أمام قضاتها منتصبة بدورها لتحاكم جلاديها في مداخلة دخلت تاريخ النضال السياسي عموما والنضال النسائي على الخصوص. فقد صرخت في وجه رئيس المحكمة الذي كان ينفذ التعليمات الموجهة له: "لقد عذبوني، ووصفت بأسوأ النعوت التي أخجل أن أذكر ولو واحدة منها. كم هو معيب ومنحط، مجرد التفكير بوجود رجال يعاملون امرأة بهذه الطريقة، يجعلني أصاب بقشعريرة ويتير استنكاري وغضبي. فكيف لا أكون مسيسة؟ كيف لا أناضل لتحسين وضعية المرأة؟ لقد اخترت الرجل الذي أردت أن يشاركني حياتي، وهل الطلاق ممنوع بالنسبة لامرأة؟ يتعلق الأمر بحياتي الخاصة".

اهتزت المحكمة بالتصفيقات عندما أعلنت سعيدة تنديدها بأوضاع الاضطهاد الذي تتعرض له المرأة المغربية، وبذلك تكون أول امرأة فعلت ذلك ببلادنا وأمام قضاتها. لقد ظلت سعيدة منسجمة مع قناعاتها حتى النهاية.

يطرح القاضي الأسئلة وسعيدة تجيب. ما إسمك؟ أنت متهمة بالمس بأمن الدولة والمس بالسلطة القضائية ووو... طقس بليد كان لا بد للشهيدة أن تعيش أجوائه في شموخ واعتزاز بالنفس ودون رهبة من القاضي الوجه المقنع للجلاد.

باصرار المناضلات الشيوعيات الماركسيات اللينينيات وبقوة ارادتها انتزعت سعيدة الحق في الكلمة، مدافعة عن انتمائها إلى منظمة "إلى الأمام" ومتحدية من أرادوا محاكمتها، محاكمة النظام وجلاديه وذلك رغم أجواء التهديدات بمحاكمة عسكرية والحكم بالاعدام التي كان يلوح بها ممثل النيابة العامة وغضب رئيس المحكمة الذي كان فاقدا لصوابه في أغلب أطوار المحاكمة.

وهكذا ومن قلب الحصار، ورغم التهديد ورغم محاولات إسكات صوتها، تكلمت سعيدة ولم تتراجع مدافعة عن انتمائها ومواقف منظمتها، ومنددة بظروف الاضطهاد الذي تعاني منه المرأة المغربية ومدافعة عن حريتها في اختيار شريك حياتها ومستنكرة الأساليب الذكورية الوحشية الحاطة من كرامة المرأة.

مرت الأيام وانسدل الستار عن تلك المحاكمة الصورية التي أظهرت للعالم طبيعة نظام لا وطني لا ديموقراطي ولا شعبي.

مرت على المحاكمة شهران منذ انطلاقها في 3 يناير 1977.

وفي احدى الليالي الباردة وتحت جنح الظلام نقلت سعيدة ورفاقها إلى قاعة المحكمة ليصدر في حقها حكم بخمس سنوات إضافة الى سنتين بحجة الإساءة للقضاء. صدرت أحكام قاسية في حق مناضلي الحملم(مئات السنوات من السجن: خمسة أحكام بالمؤبد، عشرون حكما بثلاثين سنة، 45 جكما بعشرين سنة وأكثر من أربعين حكما بعشر سنوات).

كانت أشعة الفجر الأولى ترتسم في الأفق حين احتل المعتقلون جنبات المحكمة وصعدوا فوق طاولات الجلوس مرددين جماعيا نشيدهم الثوري:

لنا يا رفاق لقاء غدا سنأتي ولن نخلف الموعدا

فهذي الجماهير في صفنا ودرب النضال يعد اليدا

سنشعلها ثورة في الجبال سنشعلها ثورة في التلال

وفي كل شبر سنبعثها نشيدا يجدد روح النضال

فلا السجن يوقفنا والخطوب فليس يهدم عزم الشعوب

طغاة النظام مضى عهدهم وشمسهم قد آذنت بالغروب

كانت اللحظة مؤثرة وثورية بامتياز تخترقها زغاريد النساء ووقوف كل الحاضرين في قاعة المحكمة في تحد حماسي للاحكام الجائرة ولمن حبكوها.

في السجن المركزي بالقنيطرة، وفي صبيحة يوم 8 نونبر 1977 يسلم أحد الرفاق رسالة الى رئيس حراس حي "أ" بالسجن المركزي ليسلمها بدوره الى مدير السجن الذي تقضي الإجراءات الإدارية بارسالها بدوره وتحت اشرافه إلى المدير العام لادارة السجون بالرباط وإلى وزير العدل. وماإن قرأت ارسالة حتى دبت حركة غير عادية داخل إدارة السجن المركزي، لقد كانت المفاجأة كاملة.

في نفس اللحظة وفي نفس التوقيت تعلن المعتقلات السياسيات بسجن "عين برجة" (سعيدة المنبهي، فاطمة عكاشة وربيعة الفتوح) والمعتقل السياسي بسجن غبيلا ابراهام السرفاتي دخولهم المعركة الى جانب رفاقهم بالسجن المركزي. كانت المطالب واضحة (تحسين الأوضاع المادية والصحية للمعتقلين، من تغذية وعلاج وزيارة مباشرة وقسحة وحيازة المدياع والجرائد والكتب ومتابعة الدراسة وفك العزلة عنالرفاق بسجن "عين البرجة" وغبيلة والحاقهم برفاقهم ...).

دامت المعركة 45 يوما من العناد والإصرار والمواجهة والتصدي لمناورات النظام وأحزابه السياسية. التي فضلت الصمت قبل اللجوء الى المناورة تحت ضغط تضامن وتعاطف الرأي العام الديموقراطي والحقوقي الدولي، ليشكل النظام لجنة مفاوظات تحت اشراف وزير العدل آنذاك المعطي بوعبيد. (اللجنة البرلمانية كان يرأسها الاتحادي فتح الله ولعلو).

كانت سعيدة تخوض معركتها الأخيرة إلى جانب رفاقها ورفيقاتها بصمود وعزيمة لا تلين.

وبدأت الأوضاع الصحية للمعتقلين تسوء يوما بعد يوم نتيجة الإهمال واللامبالاة وصمت النظام وأحزابه، وكانت حركة العائلات التي تقودها النساء (أمهات وزوجات وأخوات المعتقلين والمعتقلات تخوض نضالاتها ضد الصمت واللامبالاة وضد جريمة النظام وضد روح الانتقام الطبقي لدولة متعفنة).

وفي يوم 10 دجنبر ويعد 33 يوما من بداية الاضراب عن الطعام، نقلت سعيدة المنبهي إلى غرفة كبيرة وهي في حالة غيبوبة (كوما) حيث ظلت ملقاة على الأرض تحت مراقبة "أمنية" وليس طبية، أما الأكباء فكأن الأرض ابتلعتهم. كانت سعيدة تعيش لحظاتها الأخيرة فاقدة الوعي بل تحتضر ومن حولها أختيها خديجة والباهية يقبلانها ويحثانها على المقاومة والبقاء، لقد كانت كلمات الوداع الأخيرة ولا أحد كان يعلم أنها الأخيرة.

وفي يوم 11 دجنبر 1977، وكانت الساعة الخامسة صباحا، توقف قلب سعيدة عن الخغفان وسط إهمال طبي اجرامي من النظام.

للمزيد من التفاصيل يرجى مراجعة الموقع التالي:

http://www.30aout.info/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B7%D9%8A%D9%81-%D8%B2%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%8C-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A8%D9%87%D9%8A%D8%8C-%D8%AC%D8%A8%D9%8A.html