ترامب ولعبة خلط الاوراق


جاسم ألصفار
2017 / 12 / 10 - 22:58     

بعودة تذكير سريعة الى الانتخابات الامريكية وخطب وتصريحات ترامب التي رافقتها، يتبين لنا بلا ادنى شك ان دونالد ترامب كان يعرض نفسه على انه الصديق القريب لاسرائيل. فقد صرح حينها بأنه "هدية الله لاسرائيل" وانه افضل ما يمكن ان تأتي به الانتخابات الامريكية لدولة اسرائيل. وكان واضحا بخطابه الحامل لمشاعر الكراهية للمسلمين والاجانب ولجميع الاقليات الاثنية.
واليوم بعد ان وصل المرشح للرئاسة دونالد ترامب الى السلطة لم يعد متوقعا ان ينتهج الرئيس ترامب منهجا اخرا غير ذلك الذي اعلن عنه في حملته الانتخابية. نعم، هنالك تغيير في سياسة البيت الابيض، ولكنه تغيير مأساوي بقدر ما يخص الامر علاقة امريكا بدول الشرق الاوسط، فما عادت امريكا اليوم تتردد تحت اي ذريعة كانت عن اتخاذ اي قرار يدوس على كرامة وحقوق شعوب المنطقة التاريخية، ما دام في ذلك دعم لاسرائيل وتنفيذا لارادتها ومصلحة لامريكا. في هذا السياق يأتي القرار الامريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل.
وقد لاحت افق هذا القرار، المتحيز والظالم، منذ تعيين المحامي اليهودي دافيد فريدمان سفيرا جديدا للولايات المتحدة الامريكية لدى اسرائيل، بما يعرف عنه من حماس مبالغ فيه لتنفيذ قرار الكونكريس الامريكي بنقل مكان السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس وبتأييده بناء المستوطنات الاسرائيلية في الاراض الفلسطينية المحتلة وعدم اعتراضه على ضم الضفة الغربية الى دولة اسرائيل. ومع ان قرار نقل السفارة الامريكية كان قد اتخذه الكونكريس الامريكي عام 1995 الا انه لم يتجرأ اي رئيس امريكي من كلينتن حتى اوباما على التصديق عليه مستغلين فقرة في القرار تسمح بتأجيل البت فيه ان كان في ذلك تهديدا للمصالح الامريكية لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد.
علما بأن جميع رؤساء الولايات المتحدة الامريكية، منذ الرئيس كلنتن وحتى اوباما، كانوا هم وجميع خصومهم في الانتخابات يعلنون بوضوح عزمهم على الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ويعدون بالشروع بعد انتخابهم بنقل السفارة الامريكية الى القدس من تل ابيب، الا انهم بعد فوزهم في الانتخابات كانوا يتراجعون عن وعودهم تلك ويلجئون الى التأجيل متحججين بالحرص على مصالح الولايات الامريكية العليا. وهكذا اصبح التأجيل كل ستة اشهر تقليدا التزمت به كل الادارات الامريكية المتعاقبة.
وعود انتخابية للاستهلاك المحلي، لم يفكر احد من قبل بانها ستصبح واقعا الا بعد وصول الرئيس دونالد ترامب لسدة الحكم في البيت الابيض الامريكي، واذا كانت العقلانية والحصافة السياسية هي الغربال الذي يميز الوعود الانتخابية عن الاجراءات الواقعية للرئاسة الامريكية فان هذه القاعدة لم تعد من اهتمامات رئيسا تميز بتهوره واعتماده مبدأ الربح والخسارة في معاييرها الانية الشعبوية. خاصة وان شعبية الرئيس ترامب كانت قد تدهورت كثيرا بين انصار اسرائيل في الولايات المتحدة الامريكية بعد قيام ترامب بتأجيل البت في قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة اليها لمدة ستة اشهر تبدأ من شهر يونيو/حزيران.
أي أن قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب جاء لحل مشاكل داخلية لها علاقة بتدني شعبية ترامب والحزب الجمهوري في امريكا. خاصة وان هنالك انتخابات في بعض المقاطعات الامريكية يحتاج فيها الجمهوريون لدعم انصار اسرائيل من بين المواطنين اليهود والمسيحيين الانجيليين الذين يؤمنون بالوطن الموعود لليهود في فلسطين.
وتجدر الاشارة الى ان نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى الجزء الغربي من القدس لا يغير شيئا في واقع القدس الشرقية ولا في مطالب العرب والفلسطينيين بالعودة الى حدود 1967، ولكنها خطوة جادة، مع رمزيتها، من اجل تعزيز حالة اليأس والاحباط لدى الفلسطينيين والضغط عليهم من اجل ان يكونوا اكثر استعدادا للقبول بمشاريع حلول متواضعة للقضية الفلسطينية تضمن الهيمنة والامن والاستقرار لاسرائيل.
فقد حان وقت التطبيع الشامل مع اسرائيل والتحالف معها للتصدي، لما يسمى، بمشاريع التوسع الايرانية. وهذا يحتاج الى خلط للاوراق يقلب الوقائع المتشكلة على الارض رأسا على عقب. فقدرة امريكا على التأثير في اوضاع المنطقة في انحسار يقابلها زيادة تأثير روسيا وقوة عضد محور المقاومة بعد الانتصارات التي تحققت في العراق وسوريا، والتي انعكست بصورة خطيرة، بالنسبة لاسرائيل وامريكا، على اعادة ترتيب البيت الفلسطيني والسعي الجاد لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس واقتراب بعض قوى المقاومة الفلسطينية من محور المقاومة.
لذا، ومن اجل استباق تطور وترسخ تغيرات قد تتجاوز اثار فصول "الربيع العربي" المأساوية والاسراع بجني ثمار هذا "الربيع" من قبل امريكا وحلفائها في المنطقة، تطلب الامر قرار امريكي من وزن الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة الامريكية اليها.