لا تبك أيّها الصبر


مرام عطية
2017 / 12 / 10 - 09:36     

لاتبكِ أيّٰها الصَّبرُ
************
كنتُ تلميذةً في الصَّفِ الأوَّل حين نَسيَ الصَّبرُ الجميلُ مفتاحهُ السِّحرِيَّ في حقيبتي المدرسيَّةِ ، وخرجَ يتنزَّهُ إلى الحقولِ القريبةِ انطلقَ خفيفاً كنسمةِ ربيعيةٍ
مسروراً كفراشةٍ أثملها الزَّهرُ ، ثمَّ رافقني إلى إلى مدرسةِ القريةِ ، وماإن وقعَ نظرهُ على خرائطِ العبثِ فيها حتى ارتعدتْ أوصالهُ ، صورُ الخرابِ العاتيةُ استفزتِ طيورَ التَّنهيدِ يدِ على أشجارهِ ،وقصمتْ ظهرَ أحلامهِ الغافيةِ على تلالِ اللوزِ ، وقفَ مذهولا أمام معلميها المتعبينَ كجوقةِ حاصدينِ لا أملَ لهم بما يجنونهُ ، ثم جالَ بين صفوفها التي حفر فيها البؤسُ أنفاقاً للجهلِ و تلاميذها المرتجفين من طغيانِ الصقيعِ ، علاه الأسى ، وانفجر باكياً ، غامتْ عيناه لما رَآه من أدرانِ الفسادٍ في مفاصلِ العملِ الإداري و الظُّلمٍ من صورِ التوانٍي و القصورِ ، ودَّعني ليكملَ مسيرةَ التنظيمِ والإصلاحِ في السجلاتِ المدرسيةِ ويصححَ الهفواتِ ... طالَ في زيارتهِ الإشرافيةِ ... رأيتهُ منهكَ الخُطا ، متقطعَ الأنفاسِ ، يسألُ عن أيِّ طريقٍ يسلُكُ ليعودَ آمناً إلى منزلهِ ، فدنوت منه وأعطيتهُ المفتاحَ .. ربتَ على كتفي بابتسامةٍ فيها عرباتُ أملٍ وصناديقُ شجاعةٍ
وقال لي :لاتتركيني ياطفلتي لئلاَّ تجفَّ الْحَيَاةُ في زروعي ، فإنِّي سأمنحكِ لآلئي وسنابلي رافقيني إلى الضَّفةِ الثَّانيةِ
ومنذُ ذَلِكَ الوقت صرتُ شجرةَ زيتونٍ ، وذابت في نهرِ الصبرِ طفولتي .