انقلاب القصر


جاسم ألصفار
2017 / 11 / 25 - 22:35     


انقلاب القصر في السعودية كان مفاجئا وسريعا وغير متوقعا، وكأن لجنة محاربة الفساد التي شكلها الملك برئاسة ابنه ولي العهد محمد بن سلمان لم تكن الا لادارة الانقلاب على كبار رجال المملكة من امراء ووزراء سابقين واثرياء من رجال المال والاعمال، ولتصبح كل القوى الامنية في السعودية من جيش وحرس وطني وامن وشرطة بيد شخص واحد هو ولي العهد محمد بن سلمان. وتتندر وسائل الاعلام الغربية عند تناولها للاحداث في المملكة مشبهة اياها في سرعتها بقفزات الحصان العربي الاصيل.
وكان لحملة الاعتقالات الاخيرة وقعها المزلزل محليا واقليميا وعالميا، غطت على ما سبقتها من حملة اعتقالات وتسريح شملت المئات من رجال الوعظ والفكر الديني والفقهاء والمراجع الدينية السلفية، وتميزت عنها بان المعتقلين هذه المرة تم احتجازهم في فندق خمسة نجوم بعد ان افرغ على عجل من ساكنيه. فارتفعت على وقع الحدث اسعار النفط الخام في الاسواق العالمية لتصل الى 70 دولار للبرميل.
لم تعد المملكة السعودية هي ذاتها بعد تلك الاحداث كما انها لن تعود الى وضعها السابق بعد اليوم. فلم يحصل في تاريخ السعودية أن لجأ أحد امرائها، حتى وان كان وليا للعهد، لمثل هذا الاسلوب في تصفية حساباته مع أمراء اخرين من الاسرة المالكة للاستحواذ على السلطة المطلقة في السعودية. وعلى العموم فان العلاقة بين الامراء في المملكة كانت تنظمها تقاليد وليست قوانين دستورية. وليس غريبا ان يغير الملك ولي عهده لأكثر من مرة، كما في روايات اجاثا كريستي عن اللورد العجوز وتغييره لوصيته، ولكن الذي حصل هذه المرة هو ان عش الدبابير تعرض لهزة وحدت مجاميعه بخروج الملك عن العرف السائد عند تعيينه ابنه محمد بن سلمان وليا للعهد.
يصل عدد امراء الاسرة الحاكمة في السعودية الى 5-7 الاف امير ولكن المواقع الاولى في السلطة ليست من اهتمام الا عدد قليل منهم، يصل الى 200-300 امير، وهم بالدرجة الاولى من ال سعود والاسر المتناسبة معه، والذين ترسخت في المملكة تقاليد تنظم تقاسمهم للسلطة بادارة مجلس للشورى يصل عدد اعضائه الى 34 امير. على ان هذا لم يمنع وجود تنافس اسري بين افرع الاسرة الحاكمة حسب الاولوية في النسب.
من بين المعتقلين واحد من اغنى اثرياء السعودية الملياردير الوليد بن طلال المالك لكبريات المصانع والصحف والمؤسسات التجارية وحتى لتويتر وابل. جميع المعتقلين اتهموا بالفساد في دولة باهتة فيها الحدود بين مال الاسرة المالكة والمال العام، مما يجعل هذه التهمة ليست سوى الستار الانسب ليخفي ورائه النوايا الحقيقية التي تقف وراء حملة الاعتقالات.
ومع ان الوقت الذي مر على حملة الاعتقالات كافيا ليكشف اسرار هذه الحملة الا ان الكثير من الابهام مازال سائدا. رغم انه اصبح من الواضح ان ولي العهد كان يحتاج لهذا الاجراء من اجل الاستحواذ الكامل والتام على السلطة في المملكة، حتى وان انهار بنتيجته واحد من اهم اركان وجود السلطة في السعودية، ألا وهو تقاسم السلطة بين الامراء من مختلف الانحدارات الاسرية. ومع ان المملكة السعودية لم تتميز سابقا بديمقراطية نظامها الا انها باتت اليوم، بعد انقلاب القصر الاخير، تتسم بنظام قائم على السلطة الفردية المطلقة المتحررة من تقاليد الادارة السابقة للمملكة والقائمة ، كما ذكرت على الادارة الاسرية. ويبدو انه قد رافق هذا الحدث مجموعة من الظروف والملابسات، نرى من بينها:
كسب رضى رئيس الولايات المتحدة الامريكية، فواحد من اهم المعتقلين هو الامير الملياردير الوليد بن طلال الذي اشتهر بمماحكته على التويتر مع الرئيس الامريكي فترة ترشيحه للانتخابات الرئاسية الامريكية. حينها وصف الوليد بن طلال، دونالد ترامب بأنه "عار على امريكا" ليجيبه ترامب واصفا اياه " أمير منبوذ يريد برشواته ان يخدم الطبقة السياسية في امريكا". ويقال ان الوليد هو الذي كان وراء الحادث المعروف عن حجب صفحة ترامب في التويتر، مع ان ادارة التويتر القت الذنب على موضف تم تسريحه. وبالمناسبة، فان المعروف عن بعض المعتقلين انهم يدينون بالولاء لأسرة كلنتن واخرين محسوبين على الرئيس السابق بوش، لذا فان بعض المراقبين يرون وراء حملة الاعتقالات تحديد الولاء في المملكة لرئيس امريكا الحالي دونالد ترامب. وما زيارة جاريد كوشنر، المساعد الشخصي لترامب وقريبه، التي سبقت الاعتقالات الا مؤشر على التوجه الجديد.
أما الظرف الثاني الذي بلور الازمة، فهو الحاجة لزيادة التصعيد على المستوى الاقليمي. فبعد التورط في حرب طويلة الامد في اليمن والدخول في مأزق العلاقة مع قطر، جاء دور لبنان وذريعة ما اشاعته السعودية من تقديم فريق في السلطة اللبنانية لمساعدة لوجستية عسكرية لجماعة انصار الله الحوثي مكنتهم من اطلاق صاروخ بالستي على الرياض. وكما يرجح فان رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري قد ارغم عند زيارته للمملكة السعودية، بأوامر من ولي العهد، على كتابة استقالته التي اتهم فيها ايران وحزب الله اللبناني في التدخل بالشؤون الاقليمية، ثم أكد الحريري بعد ذلك في مقابلة مع محطة التلفزيون اللبنانية التي يملكها أن بيت القصيد هو تعرض مطار الرياض لصاروخ بالستي اطلق من اليمن بمساعدة، حسب ما تذكره السعودية وكررها الحريري في المقابلة التلفزيونية، حزب الله وايران.
ليس معروفا بصورة اكيدة ما الذي كانت تنوي عمله السعودية مع لبنان، فمن جهة اعلن سفير امريكا السابق في اسرائيل عن ان السعودية قد حاولت دفع اسرائيل للدخول في حرب للقضاء على حزب الله في لبنان ومن جهة اخرى اعلن وزير خارجية قطر بان لبنان سيتعرض لحصار مشابه للذي تتعرض له قطر من قبل السعودية وحلفائها، ولكن المرجح هو ان هنالك تصعيد له عواقبه ويتطلب وحدة ارادة وادارة للازمات، لذا احتاج الامر الى تغيير جوهري في تركيبة الحكم في المملكة السعودية.
اضافة الى ذلك، فالظرف الثالث للتغيير، هو حاجة المملكة المتزايدة والملحة لتمويل انشطتها السياسية والعسكرية في المنطقة والتي ظهرت نتائجها في المؤشرات الاقتصادية للمملكة، لذا فان شعار محاربة الفساد المالي في السعودية لم تنشأ من فراغ وان الهيئة المكلفة بمحاربة الفساد برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان لا تسعى فقط لتحقيق اغراض سياسية بل ولتحقيق مكاسب اقتصادية تصل الى مائة مليار دولار امريكي تقرر، على ما يبدو، مصادرتها من اموال الامراء المحتجزين.
الوضع غير مفهوم في السعودية نفسها من حيث طبيعة الموقف الشعبي في المملكة من اصلاحات ولي العهد، ولكن الواضح هو ان ولي العهد قد ضمن تأييد الامراء الشباب في دول الخليج المجاورة (الامارات تحديدا) قبل ان يكون قد ضمن تأييدا لسياسته في المملكة نفسها، خاصة عند النخب المالية والسياسية في السعودية. أما بالنسبة للمواطنين البسطاء في العربية السعودية فان ولي العهد محمد بن سلمان قد كسب بعض من الشعبية عندما اعطى لوجهته السياسية صفة محاربة الفساد والاعتدال الديني، وتجدر الاشارة الى انه، بناء على ذلك، وليوحد بين الوجهتين، اتهم بعض من الامراء المحتجزين المتهمين بالفساد، بعلاقتهم بالحركات الجهادية المتطرفة.