مئوية ثورة اكتوبر: هبّوا ضحايا الاضطهاد


عصام مخول
2017 / 11 / 25 - 09:48     


**تطوير الشعار
إذا كان الشعار الذي انهى به ماركس وانجلز "بيان الحزب الشيوعي" هو نداء: "يا عمال العالم اتحدوا".. فإن لينين، قائد ثورة أكتوبر طور الشعار بروح عالم الامبريالية – أعلى مراحل الرأسمالية، فأصبح: "يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة اتحدوا".. ثم اعتبر ستالين لاحقا أنه: "مثلما لا يمكن تصور الرأسمالية من دون اضطهاد قومي.. كذلك لا يمكن تصور الاشتراكية من دون التحرر القومي.. ومن دون تحرر الشعوب المضطهدة.. "



الموقف من الأحداث التاريخية الكبرى ليس موقفاً من الماضي فقط، بقدر ما هو موقف من تناقضات الحاضر وصراعاته، وخياراته. إن الرسالة الأهم التي حملتها ثورة أكتوبر تقول:
إن حل ازمة الرأسمالية الخانقة والمخرج من هذه الأزمة البنيوية، لم يكن، ولا يمكن ان يكون في إطار النظام الرأسمالي، وإنما من خلال تجاوز الرأسمالية.. الى الاشتراكية..
وأثبتت ثورة أكتوبر أن تجاوز النظام الرأسمالي وبناء نموذج اشتراكي شامل، ليس فقط أنه ضروري وصحيح نظرياً.. ولكنه ممكن وعملي وقابل للتطبيق واقعياً أيضا.. وهذا هو الأمر الجديد.
والرسالة الثانية لثورة أكتوبر تقول إنه لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية..
ومثلما انتصرت الثورة الفرنسية 1789 كأعظم ثورة برجوازية غيّرت وجه التاريخ، تحت شعارات الإخاء والحرية والفكر الرأسمالي الديمقراطي في العام 1789، فإن النظرية التي كانت في أشد صورها اكتمالاً وجذريةً وصلةً بالواقع في بداية القرن العشرين هي الماركسية اللينينية، وهي التي انتصرت تحت راياتها أعظم ثورات هذا العصر - ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917 التي تسلحت بالمبادئ الماركسية اللينينية لتجعل منها مبادئ العصر وأمل الطبقة العاملة والحركة الشيوعية والشعوب المكافحة من أجل تحررها في كل مكان.
في بداية القرن العشرين وفي ظل الحرب العالمية الاولى – حرب اللصوص الامبرياليين كما وصفها لينين - بات واضحا أن الظروف الثورية أخذت تنضج وتكتمل في روسيا، وأنه من غير الممكن إرجاء التغيير الاشتراكي العميق الى مستقبل مبهم وغير محدد، وصار المطلوب مراكمة آليات إحداث هذا التغيير الثوري بما يتلاءم وظروف روسيا 1917، ونضوج القوى الفاعلة المرشحة لإنجاز الثورة فيها.
وأثبتت تجربة ثورة أكتوبر الاشتراكية، أن تغيير المجتمع بشكل عميق، لن يحدث من ذاته، مهما كانت الرأسمالية عاجزة ومتخبطة ومهما كانت أزماتها مركبّة وخانقة، وانما يتطلب التغيير الثوري تنظيماً ثورياً واعياً للطبقة العاملة، وعملا سياسيا دؤوبا متراكماً وانضاج الظروف المؤاتية لهذه التغييرات الثورية العميقة... وهذا هو دور الحزب الثوري، الحزب الشيوعي من طراز جديد كما حدده لينين – حزب الطبقة العاملة وطليعتها الثورية الواعية. الذي جعل واضحاً أن الثورة هي المخرج وأن الاشتراكية هي الحل.
فقط عندها فرضت ثورة أكتوبر مجرى آخر للتاريخ.. وشقت أفقاً جديدا للطبقة العاملة.. وأملا للشعوب المكافحة و للبشرية التقدمية... وكسرت المنظومة الامبريالية في أضعف حلقاتها. وظهرت على المنصة الدولية، دولة من نوع آخر، في عالم منقسم الى دول استعمارية والى مستعمرات، برزت دولة اشتراكية تعكس مصالح الطبقات المنتجة، من العمال والفلاحين، دولة مختلفة عن كل ما عرفناه من قبل، دولة ترفع رايات الثورة العالمية، وتصوغ أسسا جديدة لمسائل السلم والحرب وترسِّخ مفهوم سلام الشعوب بحق الشعوب، وتدعم نضال الشعوب من أجل التحرر القومي والاستقلال وطرد الاستعمار.
وإذا كان الشعار الذي انهى به ماركس وانجلز "بيان الحزب الشيوعي" هو نداء: "يا عمال العالم اتحدوا".. فإن لينين، قائد ثورة أكتوبر طور الشعار بروح عالم الامبريالية – أعلى مراحل الرأسمالية، فأصبح: "يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة اتحدوا".. ثم اعتبر ستالين لاحقا أنه: "مثلما لا يمكن تصور الرأسمالية من دون اضطهاد قومي.. كذلك لا يمكن تصور الاشتراكية من دون التحرر القومي.. ومن دون تحرر الشعوب المضطهدة.. "
وإذا اعتبرنا أن ثورة أكتوبرانفجرت واكتملت في ظل الحرب العالمية الاولى، لتقاسم العالم بين الكتل الامبريالية النافذة والمتناحرة، فإنه من المفارقات أن هذه الحرب الاستعمارية بالذات، هي التي فتحت الطريق بشكل جدلي، لتعاظم الحركة الوطنية التحررية المعادية للاستعمار الاوروبي، وشدّت شعوب المستعمرات الى لجة الصراع والمواجهة العالمية بين الامبريالية والاشتراكية الصاعدة. وبرز تناقض حاد وحاسم تحول الى سمة من سمات العصر الذي افتتحته ثورة أكتوبر، وهو التناقض الرئيسي بين الشعوب المضطَهَدة والمستعمَرة والتابعة الطامحة الى التحرر من جهة، وبين الاستعمار والهيمنة الامبريالية والاستغلال من الجهة الاخرى.

واليوم في بداية القرن ال-21، وبعد مرور ثلاثة عقود على تفكك النموذج السوفييتي والمنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية.. نقول:
إن الخيار الاشتراكي لم ينتهِ ولم "تنته صلاحيته "، بل بات في عصر العولمة الرأسمالية المتوحشة، والليبرالية الجديدة، أكثر حيويةً من أي وقت مضى..
وأن الحركة الاشتراكية العالمية لم تمت... وليست أزمتها اليوم أعمق من أزمة الحركة العمالية والنظرية الماركسية أواخر القرن ال -19 وبداية القرن ال-20، وهي الفترة التي سبقت ثورة أكتوبر ومهدت لها لتدشن عصرا جديدا.
هناك أخطاء خطيرة أحيانا رافقت التجربة الاشتراكية.. لذلك علينا وعلى الحركة الشيوعية العالمية، أن نراجع التجربة الاشتراكية المتفككة مراجعة نقدية شجاعة،
لكن علينا ألا نتخلى عن الثقة بالاشتراكية وبإمكانية إعادة بنائها بشكل جديد وفي ظروف جديدة كأعمق خيار ديمقراطي وتحرري حقيقي. فالعقود الثلاثة التي مرت منذ تفكك الاتحاد السوفييتي أثبتت، أن الرأسمالية لا تملك حلولا لأزماتها البنيوية التي تتعمق، ولا تملك مخرجاً منها، حتى في غياب المنظومة الاشتراكية المتناحرة معها. إن التناقض الأساسي بين العمل ورأس المال عالميا، يتخذ اليوم في عصر العربدة الامريكية في نظام القطب الواحد، شكلين متزامنين ومتداخلين:
• الأول - تكثيف هجوم الليبرالية الجديدة اقتصاديا واجتماعياً للقضاء، على الحقوق التي انجزتها الطبقة العاملة عبر نضالها الطويل، بما فيها القضاء على دولة الرفاه، ورفض أية تسوية مع نضالات العاملين ومطالبهم واحتياجاتهم من جهة،
• والثاني يتخذ بالمقابل شكل حروب امبريالية عدوانية معولمة ومباشرة، وحروب إرهابية بالوكالة لتفكيك الدول وتفتيت الشعوب وتأجيج العنصرية والعصبيات الإثنية والدينية والمذهبية.
واليوم أيضا بعد أن مضى 100 عام على ثورة أكتوبر فإن الامبريالية الامريكية تحاول ان ترسخ نظامها العالمي "الجديد "، وإنقاذ نظام القطب الواحد الآخذ بالاهتزاز والزعزعة بقوة، في ظل فشل حروبها العدوانية، وحروبها الارهابية بالوكالة في منطقتنا، بدءا من هزيمة مشروعها في سوريا أولا، ونحن نرسل كل التحية لسوريا الدولة والشعب والجيش والحلفاء على هزم المشروع الامبريالي الارهابي فيها وعليها، ونرسل تحية الى العراق المنتصر على إرهاب داعش والمنتصر على محاولات تفكيكه، ونرسل تحية الى اليمن الصامد الذي كان سعيدا، فصار يذبح بالغارات والمجازر السعودية وتحالفها الاجرامي، يوميا أمام سمع العالم وبصره،
في مئوية ثورة أكتوبر نعبر عن تمسكنا الكامل بمعركة السلام العادل، ومعركة الشعب الفلسطيني التحررية العادلة وحقوقه الوطنية المشروعة التي تتعرض اليوم لأقسى المؤامرات وأشكال الخيانة والتحايل ومحاولات القضاء عليها باسم الحل الاقليمي وفي ظل تحالف السعودية واسرائيل لتمرير سايكس بيكو متجدد، ووعود بلفورية متجددة، وخيانة متجددة لرجعية عربية متهرئة.
في مئوية ثورة أكتوبر، نرسل تضامننا الكبير مع صمود لبنان دولة وشعباً في وجه التحرش المتخلف الفظ والفج، الذي يقوم به النظام المتهتك في السعودية، واختطاف رئيس الحكومة اللبنانية وتهديد السعودية بعدوان اسرائيلي على المقاومة اللبنانية.
إن حروب الهيمنة الامريكية في المنطقة اليوم وبوادر فشلها، هي التي تبذر البذور حتماً لاستنهاض وزن الشعوب مرة أخرى في وجه الامبريالية الامريكية ولإسقاط مؤامرات عكاكيزها الصهيونية والرجعية العربية المتحالفة معاً لإشعال حروب عدوانية جديدة في المنطقة .
فيا شعوب الشرق.. هذا وقت رد الغاصبين !
هبوا ضحايا الاضطهاد... ضحايا جوع الاضطرار
ثوروا.. حطموا القيود
كانت الاشتراكية هي البديل.. وستبقى الاشتراكية هي الحل..


(مداخلة الرفيق عصام مخول في افتتاح الاجتماع الختامي للاجتماع القطري الدراسي في مئوية ثورة اكتوبر الاشتراكية الذي انعقد في قاعة سينمانا في الناصرة في 17.11.2017)