فساد الفساد


محمد باليزيد
2017 / 11 / 23 - 13:27     

الاستخراج :
كان معاوية قد قطع مصر لعمرو بن العاص، "طعمة شرطها عليه يوم بايعه." وكان عمرو يستحوذ على جبايتها من جزية وخراج. وعندما توفي بعد سنتين وثلاثة أشهر من ولايته لها، على عهد معاوية، عمد هذا الأخير إلى الاستيلاء على ما تركه عمرو من أموال بحجة أنها أموال المسلمين(=الدولة). واتخذ معاوية هذه الطريقة سُنة فكان لا يموت عامل من عماله إلا شاطر ورثته في تركته. وكان يقول إنما يقتدي بعمر بن الخطاب الذي كان يشاطر عماله. وصار الخلفاء الأمويون من بعده على هذه السنة. فكانوا يجرون تحقيقا دقيقا مع عمالهم عند عزلهم أو اعتزالهم. "وكانوا يعذبون حتى يقروا بأسماء من أودعوا عندهم ودائعهم وأموالهم ويردوا إلى بيت المال ما سلبوا من أموال. وهو ما يسمى بالاستخراج أو التكشيف." وكان الخلفاء الأمويون كثيرا ما يطلقون اليد لعمالهم لتحصيل المال حتى إذا اغتنى هؤلاء عزلوهم لسبب من الأسباب وأدخلوهم إلى "دار الاستخراج" للتحقيق معهم في أموالهم. وكانوا، الخلفاء الأمويين، إذا أعوزهم المال، باعوا الولاية لمن يدفع أكثر، وكان التسابق في هذا المجال أمرا طبيعيا. (العقل السياسي لمحمد عابد االجابري ص257)
أإلى هذا الحد يتمسك بنا القرن الأول الهجري ويرفض منحنا حريتنا كي نسبح كما نشاء في الفضاء؟
الفساد هو الجو العادي الذي يعيشه ويستنشقه المواطن العربي (1)(أو لنقل مواطن العالم المتخلف). لكن الفساد، يهمنا هنا وجهه الاقتصادي، ليس سوى الثمرة الطبيعية للفساد السياسي. هذا الذي يعني أن الدولة ، بشكلها العصري الذي(نظريا) لا يجهله أحد، هذه الدولة لم تتأسس بعد. وأن تأسيس هذه العمار لا بد له من أساسات ولا يمكن تأسيسها على رمل أو خراب/أطلال.( بنية عشائرية، بنية طائفية عرقية أو دينية، هيكل امتيازات ريعية...) كما أن كل الإصلاحات الفوقية ل العمارة المؤسسة على خراب لن يفيد في شيء.
ويصل "الفساد" أعلى درجاته مع الاستبداد. والذي يعني تركز السلطة(2) في يد أقلية وعدم قدرة غالبية الشعب على المحاسبة ولا المطالبة بشيء.
أن يكون بمقدور مسؤول اعتقال من يريد باسم الفساد واستخراج ما يريد منه بأية طريقة ودون مساطر قانونية والرعية تتشفى في من أكل رزقها دون القدرة على أي تعليق... إنه فساد الفساد.
1) لماذا نتشبث بهذا "العرب، العربي"؟ صحيح، على الأقل بالنسبة لي شخصيا أن معرفتي، المتواضعة، بما يقع في العالم العربي أكثر بكثير منها خارج هذا العالم. وتبعا لهذا فكثير من الأمور أستطيع أن أؤكد وجودها في العالم العربي لكنني لا أستطيع ذالك خارج هذا المجال الجغرافي الممزق. بالإضافة إلى إحساس مر، ربما واقعي، بأن ما وصلت إليه الأمور من تمزق سياسي واجتماعي في هذه البقعة لا يضاهيه إلا ما يقع في بعض الدول الأفريقية. لكن ما يضاعف المرارة، في هذه البقعة، أكثر من أفريقيا، هو أن هذه البقعة كانت قد خطت يوما ما خطوات نحو تأسيس الدولة والحضارة ثم تراجعت.
2) هذه التي تعني، عبر تاريخ المجتمعات المتخلفة، تعني: المال+القرار. وهذا تمظهر رئيسي للتخلف والفساد. فكلما كانت التلازم بين المال والقرار قوية كلما تخلف المجتمع والتلازم العكسي صحيح ( <= ).