رقصات على حافات الومض


حمودي عبد محسن
2017 / 11 / 18 - 22:59     

رقصات على حافات الومض

قرأت ديوان الشاعرة نضال مشكور الموسوم بعنوان (رقصات على حافات الومض) الصادر عام 2016 عن دار أمل الجديدة ثم تركته لأعود إليه ثانية كي تنضج وتثمر عندي رؤية استنباطية متلائمة مع دقة الفهم والتآلف مع الخيال الذي يأخذني إلى بحر دون مياه، وإلى طائر محلق دون أجنحة أو أسمع عزف ناي دون أن أرى عازف الناي ثم بغتة أجد ذهني يقودني إلى غابة لا أجد فيها إلا زهرة حمراء تفوح بعطر ذكي فواح، فالسماء تتلأليء بالضياء دون نجوم في ليال يغلب عليها الهدوء. هذا جعلني أتروى وأتريث واستقصي فلسفة الكلمات في هذا الشعر لأن الكلمة فيه تتجرد من أوراقها مثلما تتجرد الأشجار من أوراقها في الخريف ثم تسقط سواء داعبتها أنسام الفجر أم الغروب أو هبت عليها الرياح في الظلام أم الشروق. هذا استوقفني كثيرا كي أقرأ هذا الشعر من منظور آخر، وهذا ما تم لأنني حاولت أن أعثر على حبات القلادة البيضاء التي انفرطت من ذهني، وألملمها تارة من بين الزهور وتارة أخرى في ظلال الصخور. حينئذ يستطيع الصائغ صياغتها من جديد، ويعود لها جماله، لتلتف حول العنق الأنثوي الأنيق كما تريده المرأة، لترقص على حافات الومض. أقول ترقص ـ كفعل مضارع حاضر مثلما رقصت القلادة فوق صدر كل من افروديت وهيرا وأثينا أمام باريس كي تحظى كل واحدة بالتفاحة الذهبية من يده لأن ذلك فيه إقرار بجمالها، وهذا ما حدث في الميثولوجيا الإغريقية المتجسدة في ملحمة هوميروس ـ الأليادة لكن ما أرادته الشاعرة نضال مشكور ليس هذا، وليس فينوس في الميثولوجيا الرومانية، ولا عشتار في الميثولوجيا السومرية ـ البابلية بل أرادت لهذا الرقص أن يتجسد في الجمال الروحي متلازم مثل طوق الحمامة.
نعم، وجدت في الديوان هذا الغوص في الرمزية في الدلالات والمعاني، وغوص في ترابط الروحي بالكون الجميل الموجود كما هو في التذكر، وفي التفاعل الوجداني، وفي التآلف الإنساني حيث فيه حمائم تغرد بين أغصان الأشجار، وفيه سيح للفؤاد في السجع أيضا لذلك تقول الشاعرة:
بأكف النرجس
أسقيه الندى
ثم ترانيم ليس في معابد بابل أو معابد الكهانة وإنما في معبد الذات الشخصية الذي تريد منه أن يسود السلام والمحبة والجمال في هذا الكون الذي نعيشه سوية.
ههنا، مهما كتبت عن انسياحي مع كلمات هذا الديوان لابد من قراءته، فهو يعتمد الأسلوب السريالي في تناغم الروح مع خرير الجداول النقية الصافية بمياهها العذبة، وغناء قصائد مكثفة الكلمات، إيحائية تأويلية، مركزة تأملية، مقتضبة تكشف عن الكامن في الداخل الشخصي. كل ذلك يتدفق من الأعماق في بطء وهدوء، وكذلك ليتواصل مع الحياة بتأن وتروي. الديوان أدخلني في عالم تارة في الحكمة الشرقية الصينية التي للكنفوشية فيها تأثير كبير حين تقول الشاعرة:
إن لم تلق من تحب
تغزل بنفسك
لأنه
يسكن فيك


حمودي عبد محسن
2017. 11. 18