الشريعة الاسلامية والدولة المدنية


مالوم ابو رغيف
2017 / 11 / 12 - 20:27     

القسم الغالب من الاسلاميين السياسين وكذلك من رجال الدين قدموا مشروع قانون لتعديل الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1958 على امل ان يوافق مجلس النواب على التصديق عليه ذلك انهم يحاججون بان التعديل يستند على الشريعة الاسلامية والسنة المحمدية التي لم يرد فيها نصا على تحديد سن الزواج كما ان النبي محمد قد تزوج عائشة وهي في عمر ستة سنوات وعاشرها معاشرة الرجال للنساء عندما بلغت 9 سنوات من العمر.
وحسب الفقهاء الاسلاميين لا يوجد شروط اخرى للزواج سوى شرطيّن اثنين، الصحة البدنية والصحة العقلية.
الصحة البدنية تعني مقدرة الانثى على تحمل الوطأ( وجع افتضاض البكارة) اما الصحة العقلية فهي تعني خلوها من اي نوع من انواع العته. وللفقيه الاسلامي وحده حق تحديد اذا ما كانت البنت قادرة على تحمل الوطأ او خلوها من العته العقلي.
الفريق المعارض بدوره يدعي الاستناد على الشريعة الاسلامية والسنة المحمدية في رفضه وان كان صوته خافتا شبه معدوم.
ان محاججته لنقض زواج القاصرات تستند على انكاره لزواج محمد من عائشة بعمر ستة سنوات ويجهد الرافضون انفسهم في حسابات بائسة لاثبات ان عائشة لم يكن عمرها ست او تسع سنوات كما ورد في كتب التراث انما عشرين. ويسرعون الى اتهام اليهود بانهم دسوا احاديث وسنن باطلة في كتب الحديث والسيرة بغرض تشويه سيرة النبي محمد ويطلقون على ذلك الاسرائيليات.
الطرفان، المؤيد والمعارض يستندان في موقفيهما على منطلقات المنطق الديني وهو اتباع السنة المحمدية (التقليد الحرفي لها) والالتزام بالنص القرآني كحقيقة لا تقبل الجدل حتى وان نقضها العلم وابطل صحتها. ذلك ان العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح, فان حدث تعارض بين العقل وبين النص، فان ذلك قصور العقل عن ادراك صحة النص.
هذا يعني ان الرفض، وان بدا قد حكّم العقل في تنزيه النبي محمد من زواج القاصر، الا انه لا يستند على رفض العقل للمبدأ انما رفض التصديق بان محمد قد تزوج قاصر. والفرق كبير بين رفض الفكرة من الاساس ورفضها لانها ليست من السنة.( اي ليس لان القاصر لا يمكن تزويجها لانها طفلة، بل لان محمد لم يتزوج بقاصر)
المنطق الديني المستند على السنة والنص القرآني يتكرر دائما في عملية الرفض والموافقة ، فداعش قد تُبرر جرائمها لأنها لم تخالف السنة النبوية ولا آيات القرآن في انزال القصاص بالمشركين وبالكفار، بينما الرافضون لها لا ينتقدون حدودها الاسلامية بقطع الرقاب وسبي النساء وبتر الايادي والارجل وجلد متعاطي الخمر وقتل المثليين، انما ينتقدون التكفير كوسيلة لاقامة الحدود، فالحدود مقبولة عند المسلمين كافة، سنتهم وشيعتهم لانها ثابت الشريعة بينما التكفير هو المختلف عليه. هنا ارضية مشتركة يقف عليها الجميع في لزوم اتباع الشريعة لكن الاختلاف هو في من تشمله احكام حدودها، لذلك لم نسمع رجال الدين يدينون السبي بوضوح وبشكل مباشر ذلك انه من ثابت السنة، لكنهم يدينون داعش على قساوة الفعل وليس الفعل نفسه.
ان المنطق الديني لا ينظر الامور بمنظار صلاحيتها وانسجامها مع العقل ومع الحقوق، بل بمقدار انسجامها مع السنة مستندين على الحديث القائل
حرام محمد حرام الى يوم القيامة وحلال محمد حلال الى يوم القيامة
وعلى النص القرآني الذي يقول
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
لذلك لا نجد من النفع الاستعانة برجال الدين الذين يطلق عليهم المعتدلين لرفض تشريع التعديل على قانون الاحوال المدنية اذ ان الاستعانة بهؤلاء تثبت المنطق الديني الذي يستخدم مقياس السنة والنص في الاجازة او في المنع، كما من شأن هذه الاستعانة تغييب العقل وتكريس المحاكاة والتقليد الببغاوي.
نعتقد ان الرفض يجب ان يستند على فكرة ان الدولة هي القانون العام الاعلى، هي السقف المشترك العام لجميع المواطنين بينما القانون الخاص يفتت المشتركات ويضعف قاعدة ارتباط المواطنة فيها ويجعلها هشة متفتتة متهافتة على لسقوط.
وكرد فعل على المحاولة الغادرة لادخال التعديلات المذهبية على قانون الاحوال الشخصية وتحويل شؤون الزواج الى المذاهب التي تبيح زواج الاطفال بما فيهم الرضيعة وهذا ما يمكن لنا استنباطه من فتوى الخميني الذي اتى في كتابه الفقهي تحرير الوسيلة الجزء الثاني:
((لا يجوز وطأ الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح ام منقطعا،واما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوةوالظم والتفخيذ فلا بأس به حتى في الرضيعة.))
وقد استند الخميني في فتواه هذا على عدم وجود عمر محدد للزواج في الشريعة الاسلامية وعلى ما جاء في الحديث بان النبي محمد قد فاخذ عائشة وهي في عمر ستة سنوات قبل ان يدخل بها وهي في عمر التاسعة.
ان شعار الدولة المدنية الذي اصبح شعارا مشتركا للتيار المدني الديمقراطي وللاحزاب الاسلامية ايضا يفترض اثارة صراع فكري مستمر بين الطرفين لكن للاسف لم يحصل هذا. فقد أُفرغ الشعار من حماسته الثورية واصبح مطالبة باهتة للقضاء على الفساد وتوفير الخدمات بالخبز. اما القوانين والحقوق الانسانية المعاصرة والتي تتعارض مع النظرات الاسلامية المتزمتة وتتعارض مع فتاوى الفقه الطائفي فتهمل بشكل متعمد لتجنب الصدام مع التيارات الاسلامية المتوحشة.
نعتقد بان اثارة صراع فكري مع الاسلاميين خطوة على بالغ كبير من الاهمية اذ ان الدولة المدنية لا يمكن بناءها على اسس الشريعة ولعل مشروع قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية مناسبة لشن صراعا فكريا ضد محاولات تأسلم الدولة .