وهم محاربة الفساد


مولود مدي
2017 / 11 / 9 - 22:08     

كالعادة التسرّع في قراءة الأحداث و عدم معرفة الترابط الموجود فيما بينها هو ميزة الشعوب العربية للأسف. و اعتقال الكثير من الأمراء في دولة بني سعود تم تغليفه بغطاء محاربة الفساد, و ايهام السعودي و العربي خصوصا أنه هناك حرب على الفساد و المفسدين, ثم تحوّل هذا الزعم الى ضجيج في مواقع التواصل الاجتماعي, و هذا بسبب جهل الشعوب العربية بسبب القطيعة بينها و بين العمل السياسي بحقيقتين هما ان الدولة في العالم العربي أصبحت ميكانيزم يتحكّم فيه الأغنياء و الفاسدين طبعا في ادارتها, فهم الذين يعيّنون المسؤولين و الوزراء و حميع صنّاع القرار و كمثال أمير دولة قطر مؤخرا يتدخل في تعيين البرلمانيين رغم أن ذلك ليست من صلاحيته, و عموما الدولة العميقة الممثلة من طرف الطبقة التي ذكرناها هي التي تتحكم في كل شيء أما المسؤولين الرسميين فهم مجرّد جراجوز في يد صنّاع القرار المخفيين, اما الحقيقة الثانية فمحاربة الفساد تستوجب أن تكون السلطات الثلاث التنفيذية, التشريعية, القضائية " أن تكون منفصلة عن بعضها و أن تتميز بالحياد و محددوية صلاحية كل واحدة منها, بحيث لا يمكن تمرير أي قرار الا بعد مرور هذا القرار على هذه السلطات, فأين كان البرلمان السعودي من قرار الملك ؟ , اين كان مجلس الشورى القطري من قرار أميره الذي عيّن على هواه ممثّليه ؟ هل كان تم استشارة الشعب الجزائري بخصوص قضية الاقالة المفاجئة لوزيره الأول ؟.

الفساد في بلاد العرب وفي أغلب أنظمتها السياسية هو دولة داخل الدولة إن لم نقل إن الفساد هو الدولة الحقيقية وأن الدولة التي نرى بكل مؤسساتها ووزارتها ليست إلا أدوات لتصريف الفساد والتغطية عليه كما قلنا. تتجلى خطورة الفساد على مستويات عديدة بحيث تتمثل أول مستوياته في إهدار الثروة الوطنية وفي تبديد المال العام الذي يعتبر شريان الحياة للدورة الاقتصادية بما هي الخالق الرئيسي لمناصب الشغل ولامتصاص البطالة والتخفيف من الاحتقان الاجتماعي و هذا الاهدار للمال العام يكون بايهام الشعب بجدّية الدولة في اقامة مشاريع تنموية فيتم تخصيص ميزانية مالية للمشروع فتبدأ هذا الميزانية بالارتفاع بسبب الرشاوى و الاختلاسات و تزوير الفواتير, و يشمل الفساد ايضا شراء سكوت التنظيمات السياسية و النخبة ورجال الدين عن طريق المال و المنصب و تكليفهم باستحمار شعوبهم دينيا و فكريا و ابقاءهم في مستوى ثقافي طفولي لا يصل الى درجة الوعي بما يحدث حولهم و يجعلهم يلهثون فقط وراء لقمة عيشهم, و المستوى الثاني وهو خلق ما يسمّى بنظام الامتيازات, فأصبحت الترقية الاجتماعية في الدول العربية ليست مبنية على الكفاءة و المعرفة, بل مبنية على درجة التملّق للسلطة و العمالة لها ضد الشعب, و ايضا نوعية كل مهمة يقوم بها خادم طبقة المافيا في الدولة من اعلامي يقوم بتجميل الاستبداد الى رجل دين يفتي لصالح السلطان الى القاتل الماجور الذي يصفّي كل منافس يهدد مصالح رجال الدولة العميقة.

ثم يترتب عن المستويين بطبيعة الحال, انهيار سلطة القانون, فلا البرلمان يستطيع مسائلة الوزير عن أفعاله و مدى كفائته في مهمته, و لا البنك يستطيع محاسبة رجل الأعمال على ماله من أين أتى به, و هذا يحيلنا الى مقدّمة مقالنا بأن تتحول الدولة الى أدوات تنفيذية لحماية مصالحها الخاصة على حساب المصلحة العليا للوطن و المواطن, فاستشرت المحسوبية و البيروقراطية لأن في العالم العربي تحقيق مصالحك يستوجب قربك من صنّاع القرار و مبلغ المال الذي تدفعه, فان لم تمتلك هذين الأمرين فاضرب اخماسا في اسداس.

يجب أن نفهم بأن محاربة الفساد بكل أشكاله لا تأتي هكذا في رمشة عين, و ان الانظمة السياسية في العالم العربي التي تدّعي محاربة الفساد, نردّ عليها بأن لا أحد يربي كلبا لينقلب عليه فكيف يحارب الفساد من يحمي الفساد ؟.. ان محاربة الفساد في الحقيقة لا تكون الا تحت ضغط شعبي, و ذلك الضغط هو الذي سيجبر السلطة على اصدار قوانين تمنع من الكسب غير المشروع, و التصرّف دون حسيب و رقيب في مال الدولة فماذا أصدر ابن سلمان من قوانين تساهم في الرقابة على حركة المال في السعودية ؟ , لكن كيف يحدث هذا, و العربي لا يهتم بهذه الأفكار، فهو يبحث عن العدالة الإجتماعية والعيش الكريم في بلده، كما أنه يرفض أي فكرة تغيير جذري عن طريق الضغط الشعبي، فقد أصبح يفضل الحفاظ على إبقاء الوضع خوفا من الفوضى, فكل ثورة شعبية في العالم العربي تم اختطافها من تجّار العصبيات الدينية مثل الاخوان في مصر, و العصبيات الطائفية في سوريا, التي تحولت الى ساحة أمراء الحرب, وفضاء لتسوية الحسابات بين القوى العظمى.

و ذات يوم كنّا نأمل خيرا من دعوات المسؤولين في الدول العربية في محاربة الفساد, و صدّقنا دعاويهم, أما حاليا فأي مسؤول رفيع في الدول العربية يعلن أنه سيحارب الفساد, فعلى المواطن العربي أن يستعدّ للكارثة التي ستسحق وطنه