السعودية في طريقها لانكار السنّة


مولود مدي
2017 / 10 / 28 - 01:30     

كان من المتوقّع بعد صدور القرار الملكي في المملكة العربية السعودية بالسماح للمرأة السعودية بالقيادة، أن تتبعه قرارات ثورية أخرى تهز الصحف العالمية، مثلما هزّت المجتمع السعودي، وها هو الآن السلطان السعودي يصدر قرارًا ثوريًا أشدّ تأثيرًا من القرار الأول؛ فأعلن النائب العام السعودي «سعود بن عبد الله المعجب» أن الملك «سلمان بن عبد العزيز» أمر بإنشاء مجمع للحديث النبوي؛ يهدف لكشف المفاهيم المكذوبة عن الرسول – عليه الصلاة والسلام -، فماذا كان رد كهنة السعودية؟ لا شيء. وهذا سيظهر للمسلمين أكثر وأكثر أنهم للأسف تعرّضوا للخداع من طرف الكهنة تحت غطاء الدين؛ لأن في الحقيقة الإصلاح الديني يجب أن يكون مستقلًا عن الدولة – أو المملكة -، وإلا ما هو الضامن الذي ستمنحه السعودية للمسلمين بأن يكون هذا الإصلاح حياديًا؟؛ حيث إن الدين الإسلامي في العالم العربي تم احتكاره من طرف طبقة معينة، ولم يصبح فهم الدين شأن المسلمين؛ وإنما أصبح شأن الكهنة والحكومة، يصيغونه كيفما يريدون؛ ليتحول إلى نقمة على الشعوب، وكان المواطن العربي هو المستهدف من هذا الاحتكار والتسييس.

الطريف في الأمر، كان مبرر السلطة السعودية هو؛ القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة، وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام، وتبرر ارتكاب الجرائم، والقتل، وأعمال الإرهاب. ولنا أن نسأل، هل تصريح ولي العهد السعودي بضرورة محاربة التطرّف، والدعوة إلى الكراهية هو اعتراف بأن ما قامت عليه المملكة السعودية بالتحالف مع الدين الحنبلي ذي التجديد الوهابي هو باطل؟، ألم تُنفق هذه المملكة المليارات في دعم التنظيمات السلفية في كل الدول العربية، وغير العربية في الثمانينيات بالمال والسلاح، هل تجرؤ الدولة السعودية على التبرؤ من أحاديث تؤسس للإرهاب مثل حديث البخاري «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا… »، هل يمكنهم رفض ما أفتى به أئمة الحنبلية «التي تنتمي إليها الوهابية السعودية» من قتل ثلث الرعية لإصلاح الثلثين، هل يمكنهم نقد رسائل ابن تيمية التي تمتلئ بقتل الناس لأتفه الأسباب ولأسباب مضحكة، بل وهل يعني القرار المساس بقدسية البخاري المزعومة خصوصًا؟ أليس هذا الكتاب هو أصدق كتاب بعد القرآن؟ هل يحتاج الكتاب المقدّس بعد القرآن إلى تصحيح وتضعيف؟ فربما يسأل القارئ ويقول لماذا التركيز على البخاري؟ السبب في ذلك هو أن عامة المسلمين تمت برمجتهم على أن كل ما جاء في البخاري صحيح غير قابل للطعن، حتى وإن تعارض حديث البخاري مع القرآن، يحملون القرآن على غير معناه الظاهر؛ لأن البخاري عنده الآلاف من الأحاديث التي تتعارض مع القرآن، والمئات من الأحاديث المثيرة للجدل مثل حديث رضاع الكبير، لكن هذا لا يهم عندهم؛ فإن كان الحديث في البخاري فسيغضون الطرف عن الراوي، ويتساهلون معه مهما بلغ الطعن فيه، وحتى عندما تناقش الفقيه، أو المسلم العادي حول موضوع الأحاديث نجد أنهم يحسنون الظن برواة الأحاديث، ويزكونهم عن أي سهو أو خطأ، ورغم كل التعارضات في الأحاديث مع القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه.

هذه هي مصيبة علم الجرح والتعديل والذي أسميه بعلم الكذب والتكفير. فتجدهم يتحايلون ويؤولون الآيات بغير مراد الله، ليس لأي شيء؛ ولكن لتتفق مع ما يؤمنون به من أحاديث، وحتى الأحاديث التي تتعارض مع بعضها البعض؛ تجد أيضًا لديهم من المبررات والتفاسير التي تجعلهم يغضون أعينهم عن الحقيقة، فلو تعاملوا بحيادية وبمنهج علمي في دراسة الحديث؛ لما تبقى في صحيح البخاري أكثر من مائة حديث، حيث كان من المفروض تنقيح الحديث من الشوائب، ومقارنة الحديث بالقرآن، وكل ما خالف القرآن، أو لم يذكر في القرآن؛ حذفوه، ولكنهم فعلوا النقيض؛ فأضافوا لعقائد المسلمين طقوسًا وأكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، وكأن المسلمين لم يعجبهم الإسلام التنويري الإنساني المحمدي، وكأنهم ناقصو خرافات، وإسرائيليات، وحكايات؛ فاخترعوا أحاديث سُميت بأحاديث الترغيب والترهيب حتى تحوّل الإسلام إلى دين إرهابي دون منازع، وعندما تعترض سيتم اتّهامك في دينك؛ فتصبح معاداة الخرافات والافتراءات مساوية لمعاداة السامية.

كما يجب أن نشير إلى أن كل من يدعو إلى إعادة النظر في الأحاديث النبوية؛ كان الكهنة والعامة أيضًا يتهمونه بالزندقة والحرب على الإسلام، ولا يعترفون بأي فكرة ولو منطقية تعارض هذا التوجه – ونحن ننتظر علماء السعودية تكفيرهم للملك سلمان على خطوته – وحين يفشلون في الرد على الشبهات والعلل التي تنسف الحديث؛ يلجؤون فورًا للف والدوران، والتأويل، والتقعير، والتدوير في سبيل إحباط قواعد وأدلة الخصوم، حتى لو كان سلوكهم هذا باطلًا، ولا يقنعهم على المستوى الشخصي؛ وبالتالي الدفاع عن دين الحديث الأرضي، هو دفاع عن منهج شامل، ودين متكامل يصعب عليهم تركه، وإلا فالبديل هو قبولهم بما نشؤوا عليه بأنه بدعة وزندقة؛ لأن الإنسان بالعموم يصعب عليه تحمل مسئولية أخطائه، وسيُفهم أن الطعن في الحديث هو معاقبتهم على خطاياهم مع المعتزلة، أو الشيعة، أو الفلاسفة منذ قديم الأزل، والذين راحوا ضحية هذا الدين الأرضي، الذي اخترع أئمته لكل فرقة مخالفة أحاديث تكفرهم، وتذمهم، وتدعو إلى قتلهم.

ولو كانت خطوة المملكة السعودية جادة؛ فهل إعادة تنقية الأحاديث ومصنفاته ستُكسب مفهوم السُنة مفهومًا جديدًا؟ فإذا كانت السُنة هي الحديث مثلما يظن غالبية المسلمين فلا سُنة بعد هذا القرار؛ لأن هذا التصحيح والتنقية سيكون فاتحة بطلان الكثير من الأكذوبات على دين الله ورسوله، مثل الناسخ والمنسوخ، وعدالة الصحابة، وخرافات الدجال، وخزعبلات عذاب القبر، والثعبان الأقرع، وأضحوكة شجرة الغرقد، بل ونجد أن المسلمين جعلوا الرسول مجرمًا وسفاحًا من حيث لا يشعرون، لا يقل وحشية عن «هتلر، والحجاج، وأبي جهل»؛ فكذبوا وأشاعوا أنه قتل 700 نفس بين نساء وأطفال من يهود بني قريظة، ووضعوا أحاديث في الصحاح تروي أكاذيب تخطيط الرسول لعمليات اغتيالات، وأشهرها دعوته لقتل كعب بن الأشرف اليهودي بطريقة غادرة وجبانة – حاشا الرسول أن يفعل ذلك -، والطريف أنهم ذهبوا لتأويل تلك الأحاديث وتحريف معانيها لتبريرها بأي طريقة عوضًا عن إراحة الأمة من خرافاتهم، وتكذيبها؛ لأن تلك التصرفات لا تصدر من الأنبياء والمرسلين، لكن ما إن يسمعوا أن الحديث وارد في «البخاري» فالطعن فيه يعتبر تجديفًا وشركًا والعياذ بالله. لقد نسوا أن الأنبياء والرسل هم أناس حكماء مختلفين كل الاختلاف عن عادات مجتمعاتهم، ومن المستحيل أن يقوموا بمثل هذه الأعمال الشنيعة، وبعد ذلك يتباكون على صحيفة مغمورة هدفها الشهرة؛ والتي رسمت رسومات مسيئة للرسول، وهي في الحقيقة نابعة من هذه المرويات الكاذبة والفاسدة، فعندما نسمع هذه الروايات هل سنختار تكذيب الرسول أم الراوي؟ على ما يبدو أننا لا خيار لنا سوى تكذيب الراوي في الحقيقة. فالسؤال سيظل قائمًا والهدف من ورائه هو إعادة تعريف للسُنة يضع علومها بشكل أدق وأوسع مما كانت عليه، بحيث ستضم السُنة مفاهيم قرآنية وعقلية، وسيُصبح الاعتماد على علوم الحديث في أضيق الحدود، بل ربما ينتهي تمامًا إذا أسقط العقل مفهوم السند – الكارثي – واعتباره حجة دينية.

لا خلاف عند المسلمين أن السُنة النبوية جزء لا ينفصل عن الإسلام، لكن السُنة لا يمكن فهمها إلا في ضوء القرآن، وهناك فرق بين أن تكون مُسلمًا وأن تكون حديثيًا، أما مصطلحات أهل السُنة والجماعة، والشيعة، فليست إلا مسميات أيديولوجية حزبية، صبغت بصبغة دينية، تعود إلى عصر اقتتل فيه المسلمون على الدنيا، وعلى خلافات تافهة في الفكر. إن النبي عندما أمر باتباع سُنته؛ فهو لم يكن يخترع سُنة على هواه ورغباته، بل كانت سُنته من وحي القرآن، كما أن الرسول لم يكن إلا مُبلغًا لأوامر القرآن، التي هي أوامر الله مطبقًا لها، لكن الرواة، والكذابين، والأفّاقين حولوا سُنة النبي إلى سُنة طاعة الحكام، وركوب ملك اليمين، والقتل وإظهار النبي بصورة السفّاح الذي لا يتوقف عن الدعوة لحصد رؤوس المسلمين وغير المسلمين، إن السُنة التي يعرفها المسلمون هي سُنة لا خروج عن الحاكم.. هي سُنة التكفير، وسُنة المرأة من حبائل الشيطان، وناقصة عقل ودين، هي سُنة الاعتداء على بلدان الغير بحجة نشر الإسلام؛ وهم في الحقيقة يبتغون وراء ذلك ملذات الدنيا، من البلاد المفتوحة من النساء، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، إن سُنتهم هي التي تحلل سفك دم المخالف، حتى لو كان من نفس الدين، ومن فضلكم لا تقولوا لنا أن لا إكراه في الدين؛ لأنكم تتسربلون بالقرآن كلما وجهنا أصابع الاهتمام ضدكم، ثم ما تلبثون تعودون إلى عادتكم القديمة في اختراع تشريعاتكم الأرضية، التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا فرق بين سُني وشيعي في هذا الأمر. الجميع يلفق، ويكذب، وينسب الأحاديث للرسول الأكرم؛ لينصر طائفته وآلهته البشرية التي لا يجوز انتقادها.

إن من يعرف الإسلام حقيقة؛ لا يمكنه أن يبني إيمانه بأحاديث العنعنة، وجلسات قال وقال، فما الذي أدرانا أنه قال، ومنذ متى أصبحت أقوال فلان وعلان دينًا وتشريعًا مقدسًا؟ – يجب أن نذكر أن منامات العلماء في الدين الحنبلي أصبحت مصدرًا للتشريع أيضًا –، فهذا التصرف خطير على الإسلام وعلى البشرية؛ فأصبح من السهل أن تنسب قولًا للرسول بمجرد اجتماع عشرة أو عشرين شخصًا، لا نعرفهم ولا نعرف إن التقوا فيما بينهم، واتفقوا على صحة الحديث، فكيف يتجرؤون على الرسول وعلى أصحابه بهذا الشكل، وتقويله ما لم يقل، ولا يهابون الرواية عنه، مثلما خاف الخليفة «عمر بن الخطاب» الرواية عنه إلى درجة أنه هدد كل من يروي على النبي – أو بالأحرى من يكذب عليه – بالعقاب؟ لكن لكي تكون لعلماء العنعنة، الحجة في إثبات الأحاديث إلى الرسول بأي شكل؛ اخترعوا علمًا أسموه اسمًا مضحكًا وهو «علم الرجال»، لكن الطريف أنهم لم يتفقوا على الرجال، وخرجت تفسيراتهم نسبية؛ فمنهم من مدح الراوي، وقال بصدق روايته، ومنهم من ذمه، وقال بكذبه وعدم جواز الأخذ عنه، وبعد ذلك يقولون إن الحديث صحيح! فالكل يكذّب ويصدّق على حسب هواه؛ وهذا ما يحدث عندما يغيب العقل والمنهج العلمي؛ فتصبح لدينا فوضى عارمة، فما بالك وإن كانت هذه الفوضى سببًا في تشويه الإسلام ورسوله والمسلمين عامة. المصيبة الكبرى أنهم حوّلوا صدق المحدث وكذبه إلى صفة مطلقة؛ فإن سمعوا عنه أنه كاذب فسيبقى كاذبًا عندهم إلى الأبد، وإن كان صادقًا فسيبقى صادقًا إلى الأبد، وهذا غير معقول، ومع هذا يصم آذاننا كهنة الإسلام في المساجد بترهات مثل: حدثنا فلان بن علان عن أبي هريرة أنه قال، فربما يقول لهم يوم القيامة صاحبهم أبو هريرة: أنا أبو هريرة، ولم أحدثكم، ولا علاقة لي بكم.

ختامًا- ليس هناك إصلاحًا حقيقيًا في المملكة السعودية، نعم فكل هذه القرارات جاءت لغايات، ومصالح سياسية معينة؛ وأهمها إسكات الشعب السعودي، وإلهاؤه عن الكارثة التي ارتكبها جيشه في اليمن، بحيث تورط في حرب على شعب مسلم، بدعوى الحرب على إيران، وهو الذي يعمل في السر لإيجاد الوساطة مع إيران؛ من أجل إخراجه من المأزق الذي وقع فيه مع الحوثيين، فلو يدّعي الملك السعودي محاربة التطرّف ونشر التنوير؛ عليه أولًا أن يسحب قواته من اليمن، وأن يطلق سراح المساجين السياسيين، وأن يبني دولة المؤسسات الديمقراطية، وأن يقر حرية العقيدة والمذهب، لا أن يأتي بشاب عمره 32 سنة فقط، لم نسمع عنه شيئًا من قبل، ليعلمنا ما هو الإسلام وما هو التطرف.