مَرَّ شهرٌ على الإستفتاء


ييلماز جاويد
2017 / 10 / 26 - 18:23     

اليوم ، مرّ شهرٌ بأكمله على الإستفتاء الذي قال فيه أكراد العراق نعم لإستقلال كوردستان . صرخة دَوَت في سماء العالم ، قالت بها امّة ، إنها واحدة من أمم طالما حُرمت من حقها في تقرير مصيرها ، وأن قد آن وقت النداء له . صرخة حاولت قوى ، من شتى النواحي ، يمينها ويسارها ، قريبها وبعيدها ، حليفها وعدوّها ، أن تخمده أنفاسها قبل أن تصل إلى الحناجر وقبل أن تمتد اليد وتكتب كلمتها على ورقة التصويت . شهرٌ مضى ، وجميع القوى التي مارست الضغوط الإعلامية ، ولوّحت ، تحت طائلة الرأي العام المحلّي والإقليمي والدولي ، أن الإستفتاء سيكون الحد الفاصل بين العراق الموحَّد ما قبل الخامس والعشرين من أيلول وعراق مقسم في اليوم التالي ، وأسمعت قوى أخرى جعجعة السلاح ، وحشّدت قوات على الحدود ، وأخرى داخلية إستنفرت ميليشياتها ، وتجنّدت أقلام مأجورة للإيهام بأن الحرب ، لا بد ، واقعة . وإنخدعت أقلامٌ ، كان بعض أصحابها ، مع الأسف ، من المدعين بالنظرية العلمية في تفسير التاريخ وأسباب تطوّر المجتمع ، فوضعوا جانباً دراسة الظروف الموضوعية والذاتية ، وأهملوا عوامل توازن القوى المحلية والإقليمية والدولية ، وساروا في ظل تلك الأقلام المأجورة الحاقدة للترويج والتشكيك في قدرة أمة على النضال من أجل حقوقها ، وتفلسف أن لم يكن أوان الصرخة قد آن ! .
لحقوق الأمم الصدارة في الأولويات ، فإن كنا آمنّا بهذا المبدأ فليس لنا ، بعد ذلك ، أن نعود إلى " ولكن " ! لقد ناضلت أمم في سبيل حقوقها ، في ظروف أشدّ قسوة من ظروف أكراد العراق . وإن كان أكراد العراق قد حصلوا على بعض الحقوق ، وإن كانت أكثر بكثير من ما حصل عليه الأكراد في الدول المجاورة ، فإنما حصلوا على كل ذلك بنضالهم الدؤوب لعقود وتقديمهم القرابين والضحايا ، وليس بمنّة قدّمتها الحكومات السابقة . فليس المطلوب من الأكراد أن يكتفوا بما عندهم ، ويقبلوا بالحقوق المنقوصة بل المثابرة والعمل ، ضمن الإمكانيات المتاحة لإستكمالها .
في الوقت الذي ناضل الأكراد منذ نشوء الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي ، مع قوى التحرر العراقية ، بيد واحدة ، وقدّموا التضحيات الجسام في درب الحرية والتقدّم ، فإنهم ، ولكونهم أمة أصيلة ، لها عمقها التأريخي ، أبت أن تنصهر في بوتقة الأمة التي تمثل أكثرية الشعب في الدولة والتي رسم حدودها وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا ( سايكس بيكو ) ، بل في خضم ذلك النضال العنيد من أجل تحرر العراق من ربقة الإستعمار ، وتغيير نظام الحكم الملكي الموالي لبريطانيا ، بقي الأكراد يناضلون من أجل حقوقهم القومية التي يستحقونها ، كأي أمة نالت حقها في عالم اليوم .
بعد مرور شهر ، نلاحظ أن صورة التهديدات التي سبقت يوم الإستفتاء ، لم تكن إلاّ إستعراضات كان القصد منها حدّ الأكراد ، عن طريق التهديد والوعيد . أما وقد جرى الإستفتاء ب " نعم " ، فإنّ صيغة تلك التهديدات ، كما يُقال عن الإستفتاء ذاته ، قد أصبحا في الماضي ، ففي يومنا هذا لا مجال لإنكار أن قوات من جميع الأشكال والأنواع قد تحرّكت لمنع إجراء الإستفتاء ، ولا كذلك إنكار حصول الإستفتاء . إننا في هذا اليوم ، وبعد مرور شهر ، وعلى الرغم من قيام الكثير من وسائل الإعلام بعمل " السمكة الجرّية " في خبط المياه ، وعلى الرغم من قيام بعض القوى السياسية التي ما زالت تدق طبول الحرب ، إلاّ أن الصوت الأعلى يظل المنادي للحوار لحل القضايا . ما زال صوت العقل المنادي للسلام وفرض القانون هو الأعلى ، و ما نراه من عمليات تقدّم القوات المسلّحة العراقية لبسط سيطرتها على كامل التراب العراقي الموحّد جارياً بسلاسة وسلام وبدون إطلاق طلقة واحدة ، إلاّ ما يفتعله بعض الأذناب من أفراد الميليشيات المسلحة المنفلتة كجزء من دورها لعرقلة المسيرة السلمية للعملية .
ظروف حافة الهاوية التي نعيشها في العراق ، ستبقى إلى حين ، ما دامت الإشكالات التي يعاني منها نظام الحكم ؛ المحاصصة والفساد ، مستعصية عن الحل ، و لنا الأمل الوطيد أن العراقيين أهلٌ لحل مشاكلهم ، وإيصال البلاد إلى بر الأمان ، وإن طال الزمن .