بمناسبة الذكرى المئوية لثورة البلاشفة.


سعيد زارا
2017 / 10 / 9 - 21:17     

تفاعلا مع دعوة الحوار المتمدن للمشاركة في ملف الذكرى المئوية لاندلاع الثورة البولشفية , سأحاول الإجابة قدر الإمكان على الأسئلة المقترحة.

1- أين تكمن أسباب اندلاع ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا؟

القراءة اللينينية التي ندافع عنها و هي القراءة الماركسية لعصر الامبريالية, تقول بان الاحتكار و تمركز الإنتاج الرأسمالي ,الذي قال به ماركس, يدفع بالرأسمالية إلى الاحتضار بفعل مجموعة من التناقضات التي يمكن إجمالها أو تجميعها في ثلاث:
أ‌- التناقض بين رأس المال و العمل أو الرأسماليون ضد البروليتاريا.
ب‌- التناقض بين الدول الرأسمالية أو المترو بول ضد المترو بول.
ت‌- التناقض بين الدول المستعمرة الامبريالية و شعوب مستعمراتها أو المركز ضد الأطراف.

اندلعت الثورة البولشفية في بلاد اكتوبر لان : " روسيا ، يقول ستالين، كانت أكثر من سواها، نقطة التقاء لجميع تناقضات الاستعمار هذه. ذلك لأن روسيا كانت أكثر من أي بلد آخر حبلى بالثورة، ولهذا السبب كانت وحدها قادرة على حل هذه التناقضات بالطريق الثوري."




2- ماهي ابرز منجزات التي حققتها ثورة أكتوبر؟ وتأثيرها على الصعيد المحلي والعالمي؟

أود الإجابة على هذا السؤال من حيث أن منجزات أكتوبر المجيدة هي قبل كل شيء مكسب للطبقة العمالية العالمية و للإنسانية جمعاء قبل أن تكون مكسبا لشعوب الاتحاد السوفياتي بالخصوص. فما حققته أكتوبر الخالدة كان بتضحيات جسام ، لا مثيل لها، لشعوب الاتحاد السوفياتي من اجل أن ينعم العالم كل العالم بعبور اشتراكي سليم يخلص الإنسانية من مخلفات التاريخ الطبقي. فلا يمكن فصل منجزات أكتوبر المجيدة بين ما حققته لشعوبها و بين ما حققته للطبقة العمالية العالمية و شعوب المعمورة قاطبة.

مباشرة بعد انتصار أكتوبر العظيمة هب كل أعداء الاشتراكية و الإنسانية من كل صوب و حدب لخنق البولشفية في مهدها و اضطر البلاشفة أن يخصصوا كل الإنتاج لمواجهة أربعة عشر دولة مسعورة كشفت عن عدائها الهائج، فقالت أكتوبر المجيدة كلمتها فحصنت الانتصار لتتقدم إلى الأمام، و كانت الحصيلة ثقيلة جدا لخصها لينين في أن شعوب روسيا أصبحت تبيت على الطوى. لولا هذا الانتصار العظيم لما تمكن البلاشفة أن يرسوا اللبنات الأولى للبناء الاشتراكي، و لما أصبحت بلاد أكتوبر تقرر مصائر العالم. قال لينين: "" حاليا, فبسياستنا الاقتصادية نؤثر بشكل رئيسي على الثورة الأممية. الكل يشاهد جمهورية السوفياتات الروسية, كل العمال, من كل بلدان العالم, بدون أي استثناء و أي مبالغة. و في هذا مكسب. على هذه الأرضية , الصراع يتطور على المستوى العالمي. فإذا حللنا هذه المشكلة, سنكسب المعركة , على وجه التأكيد و بدون رجعة. كذلك فان المشاكل المتعلقة بالبناء الاقتصادي تكتسي أهمية استثنائية. فيما يخص هذه الجبهة نحن مطالبون بتحقيق الانتصار بالتقدم الوازن و المتدرج, -تقدم سريع ...- لكنه مستمر و متصاعد.."

إن كل تقدم تحققه شعوب الاتحاد السوفياتي إنما كان تقدم الطبقة العمالية العالمية في سيرها إلى حسم السلطة لصالحها و كذلك استقلال شعوب المستعمرات من ربقة الامبريالية. فلولا تضحيات شعوب الاتحاد السوفياتي و قائدها ستالين لكانت الإنسانية جمعاء ترزح تحت عبودية الرايخ الثالث. فقد قدمت أزيد من 25 مليون ضحية و قاتلت ببسالة الذئاب النازية في الحرب العالمية الثانية و تكبدت أفدح الخسائر المادية. فالدفاع عن بلاد اكتوير كان هو هو تحرير العالم من عبودية النازية و الاستعمار أما الامبريالية فكانت تصد النازية من اجل الحفاظ على عرش امبرياطورياتها الاستعمارية.

انتصر الاتحاد السوفياتي و خرج أقوى دولة في العالم فاندلعت شرارة التحرر الوطني لتتحرر شعوب العالم في سبعينات القرن الماضي فتم تفكيك النظام الرأسمالي إلى غير رجعة. كما و كان الرافعة و الحاضن للديمقراطيات الشعبية التي كانت تتقدم في البناء الاقتصادي بفضل سخاء شعوب الاتحاد السوفياتي المادية و كفاءاتها العالية.

أما ما حققته أكتوبر المجيدة في باقي المجالات العلمية و الفنية و الأدبية و الرياضية فكانت ترفض أن تنعم به شعوبها وحدها فكانت تقدم الدعم لطلائع البروليتاريا في العالم فحظيت الأخيرة بتكوينات و تاهيلات من درجة عالية الكفاءة في جميع المستويات و بالمجان .

كانت شعوب الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين تنعم بأفضل المسارح و قاعات السينما و تركب أفخم المترويات في العالم ، و كانت تحظى برعاية طبية رفيعة و قد حققت تقدما في العلوم و الآداب و الرياضة لم تعرفه الإنسانية من قبل في اقل من ثلاثة عقود ، فكانت المرأة تدير شؤون الدولة في عشرينات القرن الماضي بينما كانت في البلدان الرأسمالية المتقدمة محرومة من الوظيفة العمومية غارقة في رجعية المجتمع الذكوري.

كل ما كانت تنعم به شعوب الاتحاد السوفياتي إنما كان الواقع الذي كان ينتظر تحرر الطبقة العمالية العالمية و هو ما دفع بالامبريالية أن تسخر كل إمكانياتها و كل ما راكمته لمعاداة الشيوعية التي أصبحت على الأبواب.


3- ماهي برأيكم أهم الأسباب التي أدت بثورة عظيمة كثورة أكتوبر إلى الانهيار؟


قبل أن استرسل في تحليل انهيار الاشتراكية في بلاد اكتوير العظيمة يتوجب علي أن أقول سلفا تاريخ هذا الانهيار الذي كان بإلغاء الخطة الخماسية الخامسة في منتصف الخمسينات للقراء الذي يعتقدون أن الانهيار كان مع البريسترويكا في أواخر الثمانينات.

القراءة الماركسية للتاريخ البشري و هو تاريخ صراع الطبقات لا تستثني المجتمع الاشتراكي بالبتة، فقد غاب هذا التحليل عند معظم الماركسيين و كأن المجتمع الاشتراكي مجتمع خال من الطبقات . بالعكس فلم يعرف التاريخ البشري صراعا طبقيا حادا كالذي عرفته بلاد أكتوبر المجيدة.

الاشتراكية هي فترة انتقالية تتحمل فيها دكتاتورية البروليتارية لا غيرها مسئولية العبور الاشتراكي كما حدد ذلك أباء الشيوعية ماركس و انجلز و قد قال لينين بأنها محو الطبقات، و لما كانت محو الطبقات فهي تؤجج الصراع الطبقي كما أكد ستالين.

لما هزم البلاشفة الرأسماليون إلى غير رجعة لم ينته الصراع الطبقي في بلاد أكتوبر بل اشتد و بانت طبقة البورجوازية الوضيعة طبقة شرسة معادية للاشتراكية السوفياتية و قد رصدها لينين بعد انتصار أكتوبر في موضوعة الضريبة العينية في العام 1918على أنها العدو الرئيسي للطبقة العاملة، و انه بات لزاما على العمال و طلائعهم أن يحكموا قبضتهم عليها و أن يخضعوها للمحاسبة و إلا ستنقلب على مشروعهم الاشتراكي .

و كان تشخيص لينين تشخيصا علميا جريئا اثبتت الوقائع صحته. فكلما احكم العمال برؤيتهم البولشفية قبضتهم على البورجوازية الوضيعة و أخضعوها للمحاسبة كلما تقدم البناء الاشتراكي ، و كلما كان العمال مرنين معها كلما تهددت مصائر الاشتراكية. فقد تقدم العمال عندما أحبطوا مؤامرات الغولاغ و هزموهم، و ضيع البلاشفة وقتا ثمينا كلفهم الكثير في مواجهتهم العصابات التخريبية بزعامة تروتسكي، و لما قرر البلاشفة مواجهة عصابة تروتسكي و أخضعوها للمحاسبة تقرر البناء الاشتراكي بحزم.

كانت تضحيات شغيلة الاتحاد السوفياتي و شعوبها في الحرب العالمية الثانية من اجل تخليص البشرية من وحش النازية و مخططه الاستعبادي لألف عام، إلا أنها كانت المدخل الذي استغلته البورجوازية الوضيعة بكل وقاحة للتخلص من دكتاتورية البروليتاريا. فقد خسرت الشغيلة السوفياتية ما يزيد من ست ملايين من بينها أطر ذات كفاءات عالية أبت أن تبقى في الصفوف الخلفية لتفدي حياتها في الجبهات الأمامية، و في المقابل تعاظم دور البورجوازية الوضيعة و على رأسها العسكر. و أمام هذا الوضع الخطير على مصائر الاشتراكية الذي رجح كفة الصراع الطبقي لصالح أكثر الطبقات شراسة في عداء التقدم لم يعرف التاريخ مثلها، استغلت البورجوازية الوضيعة فرصتها عندما رأت عن قرب بان الطبقة العاملة السوفياتية لن تخضعها للمحاسبة كما هو مطلوب و أن قبضتها وجنت، فحسمت الصراع لصالحها بمحاصرة البلاشفة و تصفيتهم و على رأسهم ستالين العظيم و بعدها ألغت الخطة الخماسية الخامسة المحطة التي كانت ستندحر فيها للأبد.

انهارت الاشتراكية في بلاد أكتوبر بفعل الصراع الطبقي و ليس أدل على ذلك فشل الدول الرأسمالية مجتمعة في محاولاتها خنق البولشفية في مهدها مباشرة بعد الانتفاضة المجيدة و كذلك فشل النازية في هزم الجيش الأحمر.

4- هل الخلل يكمن في النظرية الماركسية أم اللينينية أم في التطبيق أم فيها جميعاً؟ وهل الماركسية, كمنهج علمي, تمر بأزمة, أم الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تبنتها؟ وإذا كان الجواب بأحدهما أو بالاثنين, فما هي مظاهر تلك الأزمة؟ وما هو السبيل لمعالجتها؟

الماركسية هي مصفوفة قوانين جذرها القانون العام للحركة و اللينينية إنما هي ماركسية عصر الامبريالية ، فمن العبث الفصل بينهما و كأن اللينينية تجري في غير مجرى الماركسية، هذا من جهة. و من جهة أخرى سيكون من العبث أن نتحدث عن أزمة مصفوفة قوانين و كأن القوانين ذاتية لا موضوعية . تفعل القوانين فعلها خارج إرادة و وعي الإنسان. فلا هو (أي الإنسان) يستطيع أن يلغيها و لا أن يبدلها بقوانين أخرى. تطور المجتمع تحكمه قوانين موضوعية يرجع الفضل لماركس في اكتشافها، و الانتقال إلى الاشتراكية حتمية تعرفنا إلى تلك القوانين آم لا. إلا أن معرفتها ستسرع من فعل قوانين الانتقال و شاءت أن تكون البروليتاريا و طليعتها الثورية هي حامية العبور الاشتراكية إلى اللاطبقات و أن لا خيار لها في التسلح بالماركسية اللينينية .


الأزمة إذن هي في قراءة قوانين الانتقال و في تشخيص الوضع الراهن الذي تغير عما كان عليه قبل انهيار الاشتراكية السوفياتية.


5- بعد انهيار ثورة أكتوبر وانهيار القطب - الاشتراكي - الذي أعتبر ندا قويا للقطب الرأسمالي ، كيف ترى العالم اليوم وأي أفق أو إمكانية يمتلكها البديل الاشتراكي لمواجهة انجرار العالم وراء سياسات العولمة الاقتصادية أو لمواجهة مشاكل الفقر والحروب والإرهاب ..؟

البورجوازية الوضيعة عدوة التقدم ، هي عدوة الرأسمالية قبل أن تكون عدوة الاشتراكية و قد وصفها أباء الشيوعية بالرجعية. استطاعت أن تبسط هيمنتها في العالم بعد انقلابها على الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، فقد انقلبت لان إنتاج الطبقة العاملة السوفياتية كان سيقضي عليها و لذلك ،لكي تتم انقلابها، ألغت الخطة الخماسية الخامسة و توجهت إلى التسلح و تصدير المواد الخام هربا و فرارا من كل استحقاق اشتراكي قد يطاردها ما لم تلغي الإنتاج الاشتراكي. و هيمنت في القلاع الرأسمالية السابقة عندما لم يبق هناك إسعاف يقدمه قادة الامبريالية لإنقاذ الرأسمالية من الانهيار ،في سبعينيات القرن الماضي خلال إعلان رامبوييه، فكان أن فك النقد ارتباطه بالذهب ليتصاعد ورم الخدمات و تراجع الإنتاج البضاعي الرأسمالي بعد أن استقلت المستعمرات.

البورجوازية الوضيعة جرت العالم إلى فوضى عارمة، فلا الدولار يغطى بالإنتاج المحلي لأمريكا ، و لا الإنتاج العالمي قادر أن يخرج من قبضة الدولار الزائف. فكلما تعاظم الطلب على الدولار تعاظمت الديون. و كلما قل الطلب عليه اهتزت أركان اللانظام الحالي فترى الصين تكدس تريليونات من الدولارات دون أن تطرحها في السوق لمبادلتها.

ما لم يرى الماركسيون هذه الحقائق فإنهم سيبقون يحاربون هذا التناقض الجديد بنفس الأسلحة التي كانوا يحاربون بها الرأسمالية المنهارة منذ أزيد من أربعة عقود.



6-هل تعتقد-ين ان الماركسية راية نظرية لطبقة اجتماعية محددة ام انها أداة ووسيلة نظرية لكل الفئات والشرائح الاجتماعية التي تجد فيها امكانية على استنباط آليات نضالية سياسية واجتماعية ضد الأوضاع القائمة وتغييرها؟

لم تنحز الماركسية يوما إلى الطبقة العاملة من باب التعاطف و الشفقة على وضعها المأساوي و إلا توجهت إلى المعدمين و هم أكثر مأساوية من الفلاحين الفقراء و العمال، بل كان انحيازها موضوعيا اقتضاه قانون التطور الذي كشفت عليه.

الطبقة العمالية و هي مجبرة أن تتسلح بالماركسية ليس لتخلص نفسها من الاستغلال البورجوازي بل هي تحرر البورجوازية من عبودية الربح و براثن الغرائز الحيوانية ، و بذلك تحرر كل الإنسانية جمعاء.


7- كيف تقييم دور ومكانة التيارات الماركسية و اليسارية المختلفة محليا وعالميا وهل يمكنها النهوض بأعباء الثورة الاشتراكية مرة أخرى؟

كان لينين قبل أن يقوم بآي خطوة كما كانت يردد دائما و ماذا ستستفيد الطبقة العاملة؟ . أما بعد انهيار الاشتراكية السوفياتية بإلغاء الخطة الخماسية الخامسة انجرت معظم أحزاب العالم وراء المرتد خروتشوف و قلبوا ظهورهم على البروليتاريا و بذلك ضيعت هذه الأحزاب الخائنة نجم الشمال.

معيقات الاشتراكية الآن هي البورجوازية الوضيعة و مجنديها من الأحزاب التي خانت البولشفية هي القوى اليسارية المختلفة التي هاجمت و تهاجم الماركسية اللينينية سواء تحت يافطة العداء لستالين أو يافطة لينين المغامر أو يافطة تطوير الماركسية..

الاشتراكية رآها ماركس شبحا تحوم في سماء اروبا أما لينين فقد جسد ذلك "الشبح"" الأرض و أرسى لبناتها ستالين على ارض أكتوبر ودفع بجذورها في الأرض عميقا.

مهام الشيوعيين الخلص أبناء ستالين أن يحموا هذه الجذور من صقيع البورجوازية الوضيعة لتزهر، و ذلك بإعادة الماركسية اللينينية القها بعد شابها التحريف و التضليل.

المجد و الخلود للثورة البولشفية .