نصر أوكتوبر من زاوية أخري


أحمد محمد منتصر
2017 / 10 / 5 - 21:02     

بعيداً عن الأمور العسكرية وتحليلها وطبيعة كل حرب بما تحمله من بطولات فردية لمقاتليها , إلا إن ما يعنينا هو الجانب التأثيري والإجتماعي لتلك الحرب.
الأمر الوحيد الذي لا شك فيه هو أن الرابح الوحيد بالحرب هو السادات شخصياً ونظامياً , فتلك الحرب كانت لها تأثيرها علي أزمة الشرعية المفتقدة عند السادات الذي تجاوز تلك الشرعية بشرعية الحرب فأصبح " بطل العبور" ومن بعده حسني مبارك الذي اكتسب شرعية وجوده علي سدة الحكم أيضاً من شرعية الحرب " صاحب الضربة الجوية الأولي" .
كيف أصبح السادات الرابح الأوحد بعد الحرب ؟
لأنه ببساطة نجح في شيئين علي غاية الأهمية وطّدت لحكمه فيما بعد :
أولاً ... تصوير "الحرب المحدودة" في أوكتوبر علي أنها حرب تحرير كبري وثأراً من هزيمة يونيو وإسقاطاً لأسطورة إسرائيل التي لا تُقهر من خلال تهييج وتثوير الرأي العام العربي , رغم أن الحرب لم تستطع تحرير الأراضي المحتلة في 67 .
ثانياً ... وهذا مهم جداً , "تصفية الناصرية والتحرر من ظل عبدالناصر" مثلما ذكر هذا التوصيف الباحث الإجتماعي سعدالدين إبراهيم وتلك التصفية تتمثل في تفكيك النظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي الذي أسسه عبدالناصر.
فلنلاحظ الآن في 2017 تداعيات تلك التصفية التي ما استطاع السادات فعلتها لولا ترويجه ودعاياه للحرب ونتائج ما بعد الحرب التي نحيا في عفنها حتي الآن :
أولاً ... سياسة الإنفتاح الإقتصادي :
كقطيعة مع الناصرية تم حل الإتحاد الإشتراكي والتغاضي عن الإقتصاد المخطط وإعلان وثيقة إقتصادية جديدة في 15 مايو 74 وإعتمدت السياسة الجديدة علي تحويل النظام المصري إلي ليبرالي رأسمالي عن طريق إزالة كافة الجوانب السلبية التي تعيق التنمية الوطنية! إلغاء إشراف الدولة علي الإقتصاد!
توجهت الوثيقة لرأس المال المصري المتواري أعقاب إنقلاب يوليو 52 والآن أصبح له داعميه بل المستنجدين به بالإضافة لرأس المال الغربي التي وفر لها ظروفاً إستثنائية وإعفاءهم من الحقوق النقابية والإعفاءات الضريبية .
كما حصل السادات علي قروض صندوق النقد وتعتبر هنا هي اللحظة الأولي التي تضع فيها الحكومة المصرية إدارة إقتصادها رهن سياسات صندوق النقد والتخلي البين عن التنمية الإقتصادية للبلاد ووضعها في أيدي الخبراء كأنها عادت لعصر الخديوي إسماعيل الذي أعلن إفلاس الدولة وأصبح يقتات من قروض البنوك الفرنسية والبريطانية !
وحلّت الكارثة في 77 حيث نشأ إقتصاد إستهلاكي بحت مع عدم القدرة علي توفير الطلب والاتجاه المتزايد نحو الإستيراد للسلع الكمالية وغير الضرورية كالسيارات والتلفزيون والتلاجات وأدي لعجز الميزان التجاري واتجهت رؤوس الأموال للأنشطة الطفيلية في الإستثمار العقاري , فتضاعف التضخم وازدادت الأسعار حتي إنتفاضة الخبر 77 .
وهذا المصير نعيشه الآن بنفس تلك السياسات الإنفتاحية , نعيش رهن سياسات صندوق النقد ومعدلات الإفقار المتزايدة وحالة الركود الإقتصادي وسياسات النيوليبرالية ورفع الدعم وإرتفاع البطالة .... إلخ من مهيجات الإجتماع الإنساني.
ثانياً : إعادة هيكلة السياسة الخارجية :
وهنا سجّل السادات إعجابه بالنظام الإقتصادي للولايات المتحدة بالمقارنة مع تقشف الإشتراكية الواقعية السوفياتية , وعلي أثره تخلي السادات عن تكتيكات الحرب في مقابل تكتيكات المفاوضات لجذب الولايات المتحدة علي طاولة التنسيق , ويتجلي هذا في مشهد 20 أوكتوبر الذي طلب فيه السادات من حافظ الأسد القبول بوقف إطلاق النار , ثم إجتماع الكيلو 101 بين القادة العسكريين للجيشين المصري والصهيوني .
ومن هنا تجلّي تحول السادات للمعسكر الغربي ونكثه لإتفاقية الصداقة المصرية السوفياتية 71 .
وقد تخلي السادات تماماً عن الحل العسكري في عام 75 حين أعاد فتح قناة السويس وبناء المدن التي تم إخلاءها , وهنا تكشّفت النوايا النظامية المصرية لتحقيق سلام منفرد علي حساب سلام وأمن الشعب الفلسطيني.
في تلك النقطة نستشفّ حدثين طارئين مهميين : التحول السريع نحو الجناح الغربي بقيادة الولايات المتحدة والحل الرجعي والتغاضي عن راديكالية الناصرية في تبنّيها للحق الفلسطيني في إقامة دولته والعقيدة العربية بإجلاء الصهاينة عن كافة الأراضي المحتلة.
وعلي أثره تم إتهام السادات من قِبل النظام السوري وفصائل المقاومة الفلسيطينية بالخيانة العظمي !
وهذا المصير ما زالت تنتهجه أيضاً حكومة السيسي حليفة الصهاينة , بالبدء كان السادات يستثير الوساطة الأمريكية من خلال " صديقي كيسنجر" , اليوم السيسي لا يحتاج لتلك الوساطة فنجده علي تمام الإتفاق مع صديقه نتنياهو وبتمام الخضوع والخنوع يوافق علي إحلال الصهاينة محل الفلسيطينيين بل ويبعث وفده لحكومة الوفاق لتمرير سياسات الصهاينة من خلال حلفاءهم أصحاب الياقات العربية!
ومن هنا تشكّلت اللحظة الساداتية بكونها "تحقيق لثورة مضادة من أعلي" بتراجعها الكامل عن كل خطوة راديكالية تم إتخاذها من ذي قبل من خلال الحقبة الناصرية.
" التاريخ يُعيد نفسه مرتين , مرة علي شكل مأساة والثانية علي شكل مهزلة " وتلك الجملة لماركس نجد صداها اليوم فيما نحيا في ظلاله من حكومة السيسي التي تستمد شرعيتها من خضوعها لسياسات صندوق النقد وتحالفها الوثيق مع الصهاينة والإمبريالية الأمريكية.
كل هذا التأخر العربي الذي نلحظه اليوم يلزمه حركة تحررية كبري تحررنا من نير الإستعباد الغربي والهيمنة الإقتصادية والفكرية الدائمة التي يرتضيها لنا حكامنا العرب ودساتيرهم , حركة تنتشل أحلامنا وطموحاتنا الموأودة تحت حطام الثورات العربية .