تداعيات استفتاء أقليم كردستان


فاضل عباس البدراوي
2017 / 10 / 4 - 17:18     

أزمة استفتاء أقليم كردستان، هي من أشد ألأزمات خطورة، التي مرت على العراق، ما بعد سقوط الدكتاتورية، انعكست تداعياتها، على مجمل الحياة السياسية في البلاد بشكل سلبي عموما، ان الاستفتاء الذي اجري مؤخرا في الاقليم لم يلق قبولا من سائر القوى السياسية العراقية بمختلف تلاوينها، كل من منطلقها الخاص، بما فيها القوى الديمقراطية المؤمنة بحق الشعب الكردي بتقرير مصيره، مرد عدم هذا التأييد، هو التسرع في الاجراء والاختيار الخاطئ في التوقيت، وعدم التحسب الصحيح لردود الافعال التي ستنتج عنها. ان تداعيات الاستفتاء امتدت الى دول الأقليم المجاورة للعراق، بل شغلت الساحة السياسية الدولية.ان ردود ألأفعال بمجملها على ذلك ألأستفتاء هو الرفض، فالدول المجاورة للعراق، كتركيا وأيران رأت فيه تجاوزا للخطوط الحمر،لأن لدى تركيا مشاكل داخلية كثيرة، بألأخص مع الشعب الكوردي الذي يشكل نسبة تتجاوز ألـ 20% من سكانها، ولا تريد ظهور كيان كوردي في جوارها، كذلك ألأمر مع أيران.
يتساءل المراقبون السياسيون، عن أسباب اصرار القيادة الكردية المتمثلة بالحزبين المتنفذين، الديمقراطي والأتحاد الوطني، بألأخص رئيس ألأقليم السيد مسعود البرزاني، عن أختيار هذا الظرف بالذات لأجراء ألأستفتاء على استقلال ألأقليم، ألم يتحسبوا لردود ألأفعال على هذا ألأستفتاء؟ أين الحنكة السياسية وألأستفادة من تجارب الماضي؟ لماذا كرر السيد مسعود الخطأ التاريخي الذي وقع فيه والده القائد الراحل مصطفى البرزاني، عندما (وضع عنبه في سلة شاه أيران ) كما يقول المثل، نفس ذلك الشاه الذي قمع بقسوة أول كيان كوردي مستقل ظهر في كردستان ايران، وهو جمهورية مهاباد، الذي أعدم رئيسها الشهيد قاضي محمد وعدد آخر من رفاقه وكان البرزانيون من ضحايا تلك الجريمة، وقد غدر الشاه بهم بعد صفقة أبرمها مع الطاغية المقبور عام 1975 بالصفقة المعروفة (بأتفاقية الجزائر ) حيث أسهم في خنق الحركة القومية الكوردية، لماذا كرر السيد مسعود نفس الخطأ عندما عوَل على حكام تركيا وقام بالتنسيق معهم، وقيامه بزيارات متكررة اليها؟ في الوقت الذي تحرم حكومة اردوغان، أبناء جلدته من الكرد في تركيا من ابسط حقوقهم السياسية ويقمعون بشدة؟ والان نراهم يقلبون ظهر المجن للسيد مسعود، بل يهددون باجتياح أقليم كردستان.
من الغريب جدا ان يصرح السيد البرازاني، بأن من أهم أسباب ألأستفتاء، هو الطبيعة الطائفية للسلطة القائمة في بغداد! هل اكتشف الان طبيعة طائفية هذه السلطة؟ ألم تتقاسم ألأحزاب الكردية المتنفذة المراكز السيادية مع هذه الاحزاب الطائفية منذ بداية تشكيل ما تسمى بحكومات التوافق والشراكة وغيرها من المسميات؟، التي كانت في الحقيقة، عبارة عن غطاء للمحاصصة الطائفية والاثنية المقيتة التي جرت البلاد الى هذا المنزلق الخطير، الذي يهدد كيان العراق كدولة بحدودها الحالية؟ ان القيادة السياسية الكردية تتحمل جزاءا كبيرا من وزر ما حدث ويحدث في العراق، وكانت تتصرف ليس كمشاركة أساسية في السلطة، بل كان همها ألأول وألأخير، هو كم من المكتسبات التي تحصل عليها من كعكة المشاركة في السلطة، سكتت على طائفية السلطة وفشلها والفساد الذي اسستشرى ويستشري في البلاد طيلة الأعوام التي شاركت في هذه السلطة.
من الاخطاء الجسيمة للقيادة السياسية الكوردية، هو تحالفها مع احزاب طائفية لا تؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية وان تظاهرت عكس ذلك، بدلا من حليفها التاريخي، وهي القوى اليسارية والديمقراطية التي تبنت الدفاع عن الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي منذ عقود من السنيين، قدمت خلالها تضحيات جسيمة، على درب النضال من أجل الديمقراطية للعراق والحقوق القومية للشعب الكوردي، ان القيادة السياسية الكوردية لزمت الصمت ازاء انتهاكات السلطة للحقوق المدنية والحريات الديمقراطية للآفراد والقوى الديمقراطية المفروض انها أقرب اليها من الكتل الطائفية، ومن ثم أسهمت في الموافقة على تشريع قوانين انتخابية، الغرض منها قطع الطريق امام وصول القوى الديمقراطية للبرلمان، والان نرى بأن القوى الطائفية بشقيها اصطفت الان ضد تطلعات القيادة الكردية في اعلان دولة كردستان المستقلة. ان سياسة القيادة السياسية الكردية طيلة ألأعوام الماضية أسهمت في ترسيخ النظام الطائفي ألأثني، ورسمت خريطة العراق على شكل مثلث بثلاثة اضلاع (شيعية، سنية، كوردية) وقيام دولة المكونات بدلا من دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية. هكذا تحصد هذه القيادة الان هذا الاصطفاف الواسع من حلفاء الامس المحليين والدوليين ضدها، ووضعت القوى المدنية والديمقراطية الحليف التاريخي للشعب الكردي في مأزق، بعد ان أسهمت هي بالذات في تحجيمها، عبر سكوتها عن السلوك غير الديمقراطي للسلطة طيلة الاعوام السابقة.
اما ما يدعو للضحك والرثاء معا، هو نشوة حكومتنا (الموقرة بهذا النصر المبين ) على (الأنفصاليين،)! عندما ترى هذا الدعم الاقليمي والدولي لوحدة العراق، غير مدركة ان لكل دولة، وقفت ضد الاستفتاء تنطلق من مصالحها، فالجارتين، تركيا وايران، تقفان هذا الموقف الشديد ضد الاستفتاء، تنطلقان من خوفهما على انعكاس هذا ألأمر على اكرادها وهم اضعاف شعب كردستان العراق، (نقلت بعض الفضائيات صورا عن احتفالات اكراد ايران بمناسبة الاستفتاء ) اما الدول الغربية لم تقف ضد الاستفتاء كمبدأ، انما طالبت بتأجله لحين ألأنتهاء من داعش. فحكومتنا التي فتحت ذراعيها، للجارة اللدودة تركيا، التي كانت تتهمها الى وقت قريب باحتلال ارض عراقية ببضعة مئات من الجنود في بعشيقة، ووجه رئيسها اردوغان كلمات غير لائقة ومهينة الى رئيس الوزراء حيدر العبادي، وتركيا المتهمة من حلفائها الغربيين قبل حكومتنا، بأنها كانت معبرا سالكا لألاف الارهابيين الذين تدفقوا على سوريا ومن ثم العراق، وهي بذلك اسهمت في هدر دماء مئات الالاف من العراقيين والسوريين على يد عصابات داعش الارهابية، وهي التي كانت تسوق النفط المهرب من الحقول التي استولى عليها الارهابيين في سوريا والعراق، لتصب مبالغها في جيوب (الدولة الاسلامية) لديمومة بقائها على ألارض العراقية والسورية. الان اصبحت تركيا الجارة الودودة للعراق! ترى أية مهازل سياسية هذه تجرى في بلدنا المنكوب؟ ماذا سيكون موقف حكومتنا لو ان تركيا نفذت تهديداتها بأجتياح اقليم كردستان التي للان هي جزء من ارض عراقية، بذريعة حفظ امنها القومي تارة وحماية التركمان في كركوك تارة اخرى؟ حيث ان عيون تركيا ما زالت شاخصة على (ولاية الموصل ) التي تشمل كل كردستان اضافة لكركوك؟ هل ستشهر سيوفها هذه المرة لمحاربة تركيا؟. اما بعض الجهات السياسية التي تحث وتدفع بالحكومة الى خيار القوة، فهي غير حريصة ابدا على دماء العراقيين، لأن وقود هذه الحرب ان وقعت سوف لا يكونون هم بل سيدفعها (ابناء الخايبة ) من فقراء وكادحي العراق، كما كان يجري في السابق، فهؤلاء السياسيين الذين يدفعون الى التصعيد هم وابناؤهم في مأمن، فالذي يدفع الثمن من حياته وماله، هما (محيسن و كاكا حمه ) كما كان يقال في السابق. لبئس هؤلاء السياسيين الذين اوصلوا بلدنا الى ما نحن عليه من تمزق وشقاق وفساد وفشل.