خبرات ثوريه (210عامًا على الثورة الفرنسية)


تيار الكفاح العمالى - مصر
2017 / 10 / 1 - 23:24     

هزت الثورة الفرنسية العالم…. فقد كانت صيحة الحرية والمساواة التي رعبت النظم الملكية العتيقة كما أعطت الثورة أيضًا حق الاقتراع لكل البالغين الراشدين لأول مرة في تاريخ البشرية. وقضت على قوة ونفوذ الملك وأضعفت بقوة سيطرة الكنيسة الكاثوليكية على المجتمع.

ما زالت الدروس المستفادة من الثورة الفرنسية وثيقة الصلة بعالم اليوم، فتحذير أحد الثوريين أثناء الثورة “لا تثق في الجنرالات كلهم تقريبًا يطوقون إلى النظام القديم إننا نثق في الشعب فقط”.. هؤلاء الذين صنعوا نصف ثورة حفروا قبورهم بإيديهم.

الثورة الفرنسية أولى الثورات على الإطلاق التي شاركت فيها الطبقات العاملة والعامة بشكل مباشر، ملايين من الناس العاديين ناضلوا وكافحوا من أجل تشكيل مستقبلهم، وفي كل لحظة حرجة عاشتها الثورة كان الضغط من أسفل هو الذي يدفع الحركة الثورية إلى الأمام في ظل تردد قيادتهم أو عند محاولاتهم للوصول إلى تسوية أو حل وسط (وهي المحاولات التي لم تكن مقبولة) وهي لم تكن ثورة عمال وقادت المجتمع في النهاية إلى حكم أصحاب الأملاك، ولكن الثورة الفرنسية سحقت بشكل حاسم العقيدة القائلة بأن “الثورة لا تحقق أي مكاسب أبدًا”.

وفي العقد السابق لهذا الانفجار الاجتماعي بدت الثورة مستحيلة، وجدت الملكية الفرنسية قبل أكثر من ألف عام وحكم الملك الأخير “لويس” بسلطة ديكتاتورية ووقف وراء الملك أصحاب الامتياز من الرهبان قادة الكنيسة و 400 ألف نبيلاً. لقد كانوا أقلية حاكمة وحصلوا على جميع الامتيازات أمام عدد سكان يبلغ 28 مليون. هؤلاء الحكام المنتفخين والفاسدين البذرين أعفوا تمامًا من معظم الضرائب بل تلقوا أيضًا دفعات مالية ضخمة من الفلاح الفقير الذي يمثل الأغلبية.

كان البناء تحت التهديد، حيث استطاعت طبقة جديدة من التجار وأصحاب المصانع الأثرياء كمًا وكيفًا بمقدار ضخامة وغنى التنمية الصناعية الفرنسية ولكنهم بقوا تابعين للنبلاء ورجال الدين. كان البرجوازيون ثوريون (يعارضون ويقاومون) بشدة دفعوا للثورة بسبب رفض الملك الخضوع لمطالبهم الإصلاحية.

في صيف عام 1789 دعا الملك ممثلي الطبقات الاجتماعية الثلاثة العظمى، رجال الدين والنبلاء وبقية العامة لمناقشة طرق زيادة الضرائب، أما ممثلي الطبقة الاجتماعية الثالثة لم يكونوا من الفقراء كان نصفهم محامين والباقي من التجار ورجال الأعمال وملاك الأراضي. كان يعتقد غالبيتهم أنه يجب إصلاح النظام الملكي وأن أصحاب الأملاك فقط هم الذين يجب انتخابهم عن طريق الاقتراع للمحكمة العليا (البرلمان) ولكن حتى هذه المطالب ذهبت وراء أي شيء يسلم به الملك والنبلاء.

عند اللحظات الحاسمة والعصيبة في التاريخ نجد أنه لكي تفوز الشعوب بإصلاحات محددة ومقيدة بدستور فإن عليهم مجابهة بنية المجتمع بالكامل وتحديه وفي عام 1789 وجدت الطبقة الثالثة نفسها مجبرة على الدخول في معركة قاسية وصراع مرير مع النظام القديم لقد نادوا بإنشاء الجمعية الوطنية وأعلنوا أنهم لن يرتدعوا حتى يفوزوا بدستور جديد من الملك.

ولكن الملك لويس السادس عشر خطط خصومه، ولكنه فشل لأن الناس في الأجزاء الفقيرة من باريس قاموا بالتظاهر وبدأوا في الاستيلاء على الأسلحة، وفي 14 يوليو نحو حصن الباستيل (الرمز المكروه للسلطة) حيث سجن خصوم النظام الحاكم. وانضم الجنود إلى حشود المواطنين للاستيلاء على الباستيل و(تولى السلطة وسيادة الشوارع) وأثبتت الجماهير أنها تستطيع أن تفوز.

أصدرت الجمعية الوطنية القوانين التي كان من شأنها (نظريًا) تجريد ملاك الأرض من نفوذهم على الفلاحين تمامًا. كما أعلنت الجمعية حقوق الإنسان. كلمات جميلة دعمت بقوة بواسطة حشود هائلة من الجماهير (تقودها امرأة) والذين زحفوا نحو القصر الملكي في فرساي وأجبروا الملك على الانتقال لباريس حيث يمكن مراقبة كل تحركاته.

وكما في كل الثورات كان هناك ظمأ مروع للمناقشة والأفكار. ففي النصف الثاني من عام 1789 ظهرت فوق الـ 250 جريدة إلى الوجود، وانبثقت الأندية السياسية في كل مكان. وكان أفضل الأندية المعروفة في باريس مثل “اليعاقبة” وأشرف عليه المحامي “روبسبير” ونادى “كورديليير” بقيادة “دانتون” و”مارا”.

كان هؤلاء الرجال أكثر قادة الثورة راديكالية. الجو الثوري والقضايا السياسية والاقتصادية نمت على التغذي على بعضها البعض. والتظاهر ضد ارتفاع الأسعار والبطالة ونقص الغذاء اختلط مع الغضب السياسي ضد المضاربة في البورصة والارستقراطية. لقد تغير الكثير من الأشياء وذات يوم بدأت الثورة بقسوة وعنف.

إن الثورات ليست أحداثًا منعزلة كما أنها ليست يومًا واحدًا من القتال ومعارك الشوارع، بل هي عملية تتضح تدريجيًا وتتجلى عبر العديد من السنين تتأكد بواسطة عدة نقاط معقدة وحاسمة. احتفلت كل الجماهير بالاستيلاء على الباستيل ما عدا الارستقراطيين. فقد كان شعار الثورة “الحرية المساواة الإخاء” يعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين. للفقراء كانت تعني الطعام على المائدة دائمًا وأيضًا نهاية امتياز الأغنياء وتميزهم. أما بالنسبة للرأسماليين الصاعدين تعني حرية التجارة والمساواة للجميع أمام القوانين التي صاغها البرلمان البرجوازي.

وعلى الرغم من الأحداث الخطيرة والهامة التي حدثت في يوليو، تركت الجمعية الوطنية الملك في قصره وأعطته سلطة عظيمة تمكنه من رفض القوانين مستخدمًا حق الفيتو. قسم واحد من الطبقة الحاكمة الجديدة أعلن أن الثورة انتهت وحرمت الإضرابات واتحادات التجارة. وعندما احتشدت الجماهير مطالبة بإلغاء النظام الملكي وإعلان نهايته قتل الحرس الوطني 50 فردًا منهم.

ولكن القمع لم يفلح في تقييد أو خنق الضغط لإحداث تغييرات حقيقية، فالشغب والاضطرابات هزت باريس بين عام 1791 و 1792 بعد حصاد سيء وارتفاع التضخم المالي الذي تبعه وبعد محاولة الأغنياء انتزاع أرباح أكبر.

هذه الاضطرابات شهدت أيضًا دورًا متناميًا لعبه صغار التجار من الحرفيين وأصحاب المتاجر الذين أطلق عليهم اسم “السان كيلوت” (أي بلا بناطيل منتفخة)

الراديكاليين، لأنهم ارتدوا السراويل العادية مفضلينها عن بناطيل الطبقة الثرية المنتفخة. أما في الريف فقد قامت فرق مسلحة من الفلاحين بالانقضاض على الأسواق لإيقاف ارتفاع الأسعار.

وفي عام 1792 أعلنت الجمعية الوطنية الحرب على النمسا وتمنى الملك أن يعيده الغزو الأجنبي إلى العرش، كما تمنى قادة الجمعية الوطنية أن يعيد القتال الوحدة الوطنية تحت رايتهم ولكن الحرب بدأت بسلسلة من الهزائم المشئومة للقوات الفرنسية، ومرة أخرى تحركت الجماهير لتدمير آمال هؤلاء الذين أرادوا إعادة الملك للعرش.

آلاف من الناس أفقر مما ينبغي التصويت في الجمعية الوطنية تدفقوا إلى الحياة السياسية، حضروا الاجتماعات ووقعوا بالموافقة ضد الغزو. اندفع الثوريون المتحمسون إلى باريس قادمين من المدن الريفية، وهم يغنون مجموعة مارشات “المارسيليز” والتي أصبحت نشيد الثورة. فهدد مؤيدو الملك بالانقضاض على باريس وقام قادة البرجوازية المعتدلون (الجيرونديون) في المقابل بتسليح الحركة الشعبية بهمة ونشاط من أجل حماية أنفسهم. أما النتيجة فكانت نهوضًا مسلحًا للسان كيلوت في يونيو عام 1792.

كانت الثورة الثانية أعمق أثرًا من الثورة الأولى فاجتماعات الأندية السياسية انتشرت سريعًا ولكنها تطالب بإنهاء النظام الملكي والقضاء عليه تمامًا هذه المرة. ثم زحف “السان كيلوت” نحو قصر الملك وبعد صراع دموي استطاعوا هزيمة الجيش الملكي. وفي الداخل قامت الحركة الجماهيرية بمقاومة وصد الثورة المضادة. وفي الخارج هزم الجيش الثوري القوات الغازية في معركة “فالمي” وفي باريس صوت المؤتمر الوطني الجديد بإلغاء الملكية صدر الحكم بإعدام الملك وأعدم بعد ذلك بعدة شهور.

وبذلك أصبحت الثورة تمثل تهديدًا لا متناهي لكل رأس متوجة في أوروبا، فضاعف النفوذ الأجنبي من مجهوداته لخنقها. ولكن الثورة استطاعت الحفاظ على بقائها بتعميق مجهوداتها وتقوية آثارها وأصبحت أكثر راديكاليًا، وبنهوض اليعاقبة الباريسيين بقيادة روبسبير تم الإطاحة بالمعتدلين تمامًا وألغيت المكوس التي فرضها الإقطاعيون على الفلاح وأبطل ارتفاع الأسعار لمساعدة الفقراء.

وانطلق عنان الرعب ضد الثوار – الثورة المضادة – من المضاربين والاستغلاليين على الرغم من الدعاية التي أطلقت عن دموية تلك الثورة إلا أن هذا الرعب لا يقارن بأي حال من الأحوال بالوحشية السابقة للطبقة الحاكمة القديمة وكما قال الكاتب الأمريكي “مارك توين” “لقد كان هناك اثنان من عهود الإرهاب الأول عاش مجرد شهور أما الثاني فقد عاش ألف سنة”.

استطاع نظام “روبسبير” هزيمة الثورة المضادة سريعًا. ولكنه خسر معركته الشخصية لأنه أطلق عنان الرعب والقهر والإرهاب ضد خصومه من اليمينيين واليساريين معًا. أما الرأسماليين – ونظامهم الرأسمالي السائد – فقد كانوا في حالة رعب من الثورة الإضافية ولهذا تحركوا لإنهاء الاضطرابات.

ترك روبسبير معزولاً أما السان كيلوت فقد كانوا أضعف من أن يقوموا بأي دور استقلالي وبهذا توطد حكم الملكية بقوة واقتيد روبسبير إلى المقصلة.

ولكن بالرغم من هزيمة الراديكاليين فإن النظام الملكي قد تم القضاء عليه إلى الأبد واستطاعت هذه الثورة إحداث تغييرات جذرية في تاريخ البشرية، لأنها تمكنت من تغيير الفكر الإنساني عبر العالم تجاه الملوك (ونظمهم الحاكمة) والكنيسة الديمقراطية وأخيرًا (الشعبوية) ونالت الشعوب حريات أكثر مما عرفوا من قبل على الإطلاق والأهم من ذلك أن أي محاولة لاحقة للاعتداء على الرجعية في المستقبل سوف تتوافق وتتحد مع ثورة شعبية.
.المصدر .. مجلة الاشتراكية الثورية يوليو 2000