إنتصار نصر الله وخسارة الأسد


يعقوب بن افرات
2017 / 9 / 14 - 15:28     

إعلان حسن نصر الله انتصاره في سوريا يرجعنا على التو سبع عشرة سنة إلى الوراء عندما أعلن نصر الله ذاته، النصر بعد أن قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود براك الإنسحاب من الأراضي اللبنانية في أيار سنة 2000. إن الإنتصارين مربوطان ارتباطاً جدلياً، حتى من الممكن القول أن الإنتصار الأول قاد إلى الإنتصار الثاني، ولكن المراجعة التاريخية قد تثبت بأن ما نشهده ليس انتصاراً حقيقياً كما يدعي نصر الله، بل إعلامياً بحتاً. ورغم مهرات نصر الله الخطابية يوجد فرق كبير بين النصر على الإحتلال الإسرائيلي والنصر على الشعب السوري. وإذا كان الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان انتصاراً لنصر الله، فقد كان خسارة كبيرة بل كبيرة جداً للأسد وللتواجد السوري في لبنان.
وقد سحب الإنسحاب الإسرائيلي البساط من تحت أقدام الوجود السوري في لبنان وبدأ منذ ذلك الحين العد التنازلي لانسحاب الأسد من لبنان، فلم تعد هنالك حجة تبرر وجوده سوى المنفعة المباشرة له ولمقربي النظام الذين وباسم الدفاع عن لبنان نهبوا خيراته. وكان اغتيال رفيق الحريري بسبب إصراره على ضرورة الإنسحاب السوري من لبنان الشرارة التي أشعلت ثورة الأرز والتي دفعت بالأسد إلى الإنسحاب في مارس 2005. ومن يريد أن يبحث عن جذور الثورة السورية التي بدأت بعد ست سنوات بالذات من الإنسحاب من لبنان، فعليه أن يتوقف عند هذه اللحظة التاريخية التي بدأ فيها التراجع التاريخي للنظام السوري. ففي هذه السنة بالذات تم نشر "إعلان دمشق" وهو إسم يطلق على الوثيقة التي وقعت عليها عام 2005 شخصيات بارزة من المجتمع المدني والإسلاميين والليبراليين السوريين, وتدعو إلى إنهاء 35 عاما من حكم أسرة الأسد لسوريا واستبداله بنظام ديمقراطي.
وإذا قاد انتصار نصر الله الأول إلى الإنسحاب السوري من لبنان، ومن بعده إلى الثورة الشعبية العارمة ضد الأسد، فمن المشروع أن نسأل إلى أين يقودنا الإنتصار الحالي، ما بعد بعد القضاء على داعش؟ مثل ما أدى الإنسحاب الإسرائيلي إلى سحب الجيش السوري من لبنان، فإن القضاء على داعش سيؤدي لا محالة إلى سقوط نظام الأسد برمته. وإذا كان للإنسحاب الإسرائيلي من لبنان ضلع في إصدار قرار 1559 عن سنة 2004 من قبل مجلس الأمن الذي يدعو إلى الإنسحاب السوري من لبنان، فهذه المرة سيكون للتدخل الإسرائيلي فيما يحدث في سوريا ما بعد سقوط داعش ضلع في سقوط النظام نهائياً. وكانت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على قاعدة مصياف في ريف حماة أول إشارة على التغيير الذي حصل في السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا بعد إعلان الأسد عن انتصاره.
وإذا اتسم الموقف الإسرائيلي الرسمي بعدم التدخل في الحرب الأهلية في سوريا، فقد حصل تغيير جذري في الموقف بعد أن حسم الحرب لصالح النظام بمساعدة الروس وقواتهم الجوية. وقد تمنت إسرائيل أن يستمر الإقتتال الداخلي في سوريا إلى الأبد، كون النزاع السوري والحرب ضد داعش يصرفان الأنظار بعيداً عن الإحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والحصار على غزة، بينما يضطر حزب الله الإنشغال في حرب مكلفة بعيداً عن الحدود الإسرائيلية . ناهيك عن أنه لم يكن لإسرائيل أبداً مشكلة مع نظام الأسد، الأب والإبن، اللذان حافظا على الهدوء في الجولان طوال فترة حكمهما. إلا أن إسرائيل تعتبر أن هذا الإنتصار ليس انتصاراً سورياً بل إيرانياً، وتباهي نصر الله بالنصر ليس سوى برهان على المثل القائل من فمك أدينك".
وبعد أن اتضحت الصورة داخل سوريا على حقيقتها، وعلى ضوء التقدم السريع لقوات الأسد المدعومة روسياً في دير الزور، وتقدم القوات الكردية المدعومة أمريكياً في الرقة، كان لا بد للحكومة الإسرائيلية أن توضح ومن البداية أنها ترى في الوجود الإيراني في سوريا خطراً استراتيجياً مباشراً على أمنها. وقد عبر نتنياهو عن موقفه في لقائه الأخير مع بوتين في منتجع سوتشي، إلا أنه وحسب ما أفادت به صحيفة برافدا الناطقة باسم الحكومة الروسية، فإن بوتين رفض طلب نتنياهو بالتخلي عن طهران وتلخّٓص الموقف الروسي في الجملة التالية: "روسيا تنظر إلى إسرائيل كشريك ولكن إيران ستبقى حليفاً استراتيجياً". وقد أفادت بهذا الخبر صحيفة يديعوت أحرونوت التي وصفت الزيارة بالفاشلة. ولهذا السبب كان ثمة ترقب شديد في الأوساط الأمنية الإسرائيلية حول الرد الروسي على الهجوم على قاعدة مصياف خصوصاً أنه تم نصب صواريخ مضادة للطيران روسية في القرب منها.
إلا أنه وفي نفس يديعوت أحرونوت تم نشر خبر في تاريخ 12 من الشهر الجاري بقلم رونين بيرغمان الخبير في شؤون الإستخبارات، وهو يكتب من موسكو نقلاً عن مسؤول روسي رفيع المستوى والذي أراد أن يبعث برسالة تهدئة إلى إسرائيل قائلاً: "إذا كان حزب الله وإيران سيبالغان في تدخلهما في سورية سوف نلجمهما". إضافة إلى ذلك وحسب نفس الكاتب فإن استخبارات الجيش الروسي "أوصت سوريا وحزب الله، بعدم الرد والتركيز على الصورة الشاملة". وقد يوضح هذا التقرير بأن الشراكة الروسية الإيرانية ليست على حساب المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية، وأن الروس يمشون على حبل رفيع جداً وعليهم أن يوازنوا بين كفتي المصالح لكل اللاعبين على الساحة السورية بدءً من إيران، مرورا بتركيا وأمريكا والأردن وأخيراً وليس آخراً إسرائيل.
وإذا كانت إسرائيل الحجة للوجود السوري في لبنان فداعش كانت الحجة لوجود النظام السوري ومنع سقوطه. فلا أمريكا ولا إسرائيل كانتا معنيتين بسقوط الأسد بحجة وجود داعش الذي أصبح الغول الذي برر كل جرائم النظام البشعة ضد الشعب. ولا تخفى على أحد العلاقة الجدلية بين النظام وبين داعش الذين تقاسما الأدوار في قمع وذبح الثوار الأحرار، وكان موقف المعارضة الثابت بأن سقوط النظام سيؤدي إلى سقوط داعش لأنه لا يتمتع بدعم شعبي بتاتاً. إلا أن البيت الأبيض فضل التحالف مع الأكراد للإستفراد بداعش وفتح الطريق للنظام وحلفائه الإيرانيين والروس لاستعمال كل الأساليب الإجرامية من الكيماوي، التجويع والتهجير والبراميل المتفجرة، القصف من الجو في سبيل القضاء على الثورة. واليوم يقوم الأمريكان بقصف وحشي لمدينتي الرقة ودير الزور حيث يسقط المدنيين بمالمئات من أجل إقصاء داعش، في الوقت الذي يعلن فيه كل من الأسد ونصر الله والروس عن انتصاراتهم.
مع ذلك وبعد هزيمة داعش لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل ما حصل في سوريا، فملايين السوريين مشتتين في أنحاء العالم العربي، تركيا وأوروبا، المدن الرئيسة مدمرة بالكامل، نصف مليون سوري فقدوا حياتهم نتيجة المجزرة الممنهجة التي قام بها النظام وحلفاؤه، البلد منقسم بين ميليشيات من كل الأجناس ولم يبق من الجيش السوري سوى الإسم، فمن يسيطر على الأرض هم الروس والميليشيات الشيعية التابعة للحرس الثوري الإيراني. إن السلطة تتقسم بين الأسد وإيران وروسيا، وفي هكذا حالة لا أحد يسيطر بشكل فعلي. الأسد فقد منذ مدة طويلة شرعيته ليس أمام العالم بل أمام الأغلبية الساحقة من الشعب السوري، والإنتصار العسكري سيتحول إلى هزيمة سياسية. نعم، العالم توحد في الحرب على داعش ولكن وبعد سقوطه يبقى مستقبل الأسد والنظام معلقاً في الهواء. إذا تمكنت روسيا من حسم المعركة ضد المعارضة بفضل الجبروت الجوي فهذا لا يعني أن لها القدرة على السيطرة الفعلية على الأرض، وإذا كانت تريد أن يبقى الأسد غطاءً لتواجدها بمعسكراتها الجوية والبحرية، فعليها أن تقبل بالوجود الإيراني، كون الأسد لا حول له ولا قوة، وفي هذه الحالة سيلاقي معارضة أمريكا وإسرائيل. الإعلان عن الإنتصار كان مبكراً جداً، والقضية السورية لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، ولكن مهما ستكون النتيجة، فشيء واحد بالإمكان التأكيد عليه، وهو أن مصير الأسد إلى زوال.