الخيار الديمقراطي بمواجهة التطرف الاسلامي


حزب دعم العمالي
2017 / 9 / 12 - 01:29     

الخيار الديمقراطي بمواجهة التطرف الاسلامي، تقرير اللجنة المركزية، 6/8/2017

اشهر قليلة قد مرت بين انعقاد الدورة السابقة للجنة المركزية الاخيرة والحالية، في الوقت الذي تغيّر فيه المشهد السياسي حتى بات من الصعب اعادة الذاكرة الى ما كان عليه من قبل. الادارة الامريكية دخلت في دوامة سياسية بسبب تصرفات ترمب، الامر الذي يلقي بظلاله على الساحة العالمية برمتها. الشرق الاوسط يشهد صراع مفتوح بين السعودية وحلفائها من جهة وقطر من الأخرى، الامر الذين يؤثر ليس فقط على حسابات الحكومة الاسرائيلية بل له أيضاً انعكاساته السياسية على الساحة الفلسطينية وداخل الجماهير العربية في اسرائيل. وعلى المستوى الفلسطيني قد شهدنا الإجراءات غير الإنسانية التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في رام الله ضد غزة، الامر الذي دفع بحماس الى التفاهم مع محمد دحلان والحكومة المصرية في محاولة منها لتخفيف الضغط عليها. أما في إسرائيل نفسها فقد دفع رئيس حزب العمل إسحاق هرتسوغ بمنصبه ثمناً لسعيه إلى دخول حكومة نتانياهو. والفائز في الانتخابات الداخلية هو آفي جباي الذي انضم الى الحزب قبل عدة شهور فقط. أما نتنياهو نفسه، فهو محاصر من كل ناحية بقضايا فساد كانت آخرها قضية الغواصات الالمانية.

ترامب غير صالح لقيادة امريكا والعالم

من الصعب تلخيص كل ما يحدث في امريكا لأن الاحداث تسير بوتيرة تغاريد ترامب، إذ أنّ التويتر قد بدل النقاش وتبدلت الآراء بين الجهات المختلفة التي تشكل الادارة الامريكية. وعلى مستوى القرارات الجوهرية فقد فشل ترامب في الغاء برنامج الصحة الذي كان قد أقره الرئيس اوباما ولم يستطع ان يستبدله بقانون آخر كما وعد نظراً للخلافات الحادة بين جناحي الحزب الجمهوري في الكونغرس، المعتدلين من ناحية والمحافظين من ناحية أخرى. إن أغلبية وعوده قبيل الانتخابات بتعديل نظام الضرائب، تخصيص ميزانية للبنية التحتية، تغيير قوانين الهجرة، بناء جدار على الحدود مع المكسيك واعادة اماكن العمل الى امريكا لم تنفذ بسبب تصرفاته المغامرة وشخصيته الاستفزازية التي تخلق عدم ثقة بينه وبين حزبه وصراعات داخلية داخل الطاقم الذي يخدمه في البيت الابيض.

أما ما يحاصر ترامب وادارته فهي الشبهات العنيدة حول تواطؤ الطاقم الانتخابي الذي يشمل ابنه، صهره، وزير العدل، وغيرهم من مقربيه، مع الروس وتحديدا بوتين، وهذا بعد ان أقر 17 جهازاً استخباراتياً امريكياً بأن الكرملين تدخل عبر التجسس الالكتروني في الانتخابات الامريكية وكانت لبوتين مصلحة مباشرة في إفشال هيلاري كلينتون وفوز ترامب عليها. وكان تعيين روبرت مولر رئيس جهاز الإف. بي. آي. الاسبق كمحقق خاص في القضية بمثابة ضربة قوية لترامب المهدد بالمحاكمة في حال تبين أنه مربوط بمصالح اقتصادية أو غيرها مع الكرملين. وقد تهجم ترامب على وزير العدل جيف سيشنز الذي سبق أن اعتبره الشخص المخلص له، في أعقاب رفضه التدخل لمنع تعيين مولر كمحقق، وبدلا من ذلك أعلن عن امتناعه عن معالجة الملف الروسي بعد ان تم الكشف عن انه قد كذب في أفادته أمام لجنة الكونغرس حول علاقاته مع الروس. وقد جاء تعيين مولر رداً على خطوة ترامب بفصل رئيس الإف. بي. آي. جيمس كومي في محاولة منه للتخلص من الملف الروسي.

ولم تتوقف هذه التطورات عند هذا الحد فقط، إذ خلال ستة أشهر منذ أن تولى الرئاسة تم فصل واستبدال العديد من أهم الشخصيات المحيطة بالرئيس، مثل رئيس طاقم البيت الأبيض، مستشار الأمن القومي، رئيس قسم الإعلام، رئيس الإف بي آي، النائب العام، وغيرهم من الموظفين المرموقين الذين يشكلون العمود الفقري للإدارة مما خلق شعور من الفوضى وعدم السيطرة على مجريات الأمور. وكان لهذه الفوضى تأثيرٌ على الملفات الدولية، مِن أبرزِها: كوريا الشمالية، حلف الناتو، العلاقة مع أوروبا، سوريا وأخيرا وليس آخرا ملف الشرق الأوسط.

زيارة ترامب للمنطقة أشعلت الأزمة الخليجية

أثارت زيارة ترامب إلى السعودية ومن ثمّ إلى إسرائيل مباشرةً، توقعات كثيرة حول جدّيته في خوض عملية تفاوضية بين إسرائيل والفلسطينيين من خلال ما يعرف بالمؤتمر الإقليمي. لقد تجمع في الرياض عدد كبير من ممثلي الدول العربية والإسلامية، والذين تعهدوا أمام ترامب بالتزامهم بنبذ ومكافحة الإرهاب، وكانت هذه الزيارة بمثابة رأب الصدع بين الإدارة الامريكية والبلاط الملكي السعودي، بعد ثماني سنوات من البرودة بين إدارة أوباما والسعودية. ومن خلال تعيين صهره جارد كوشنر ومحاميه جيسون غرينبلات كمسؤولين عن الملف الإسرائيلي الفلسطيني، كان من المتوقع أن تبدأ عملية تفاوضية فوراً بعد أن تعهد ترامب بالوصول إلى حل القضية على أساس “دولة واحدة أو دولتين”.

إلا أن كل هذه التوقعات التي تمت معالجتها بإسهاب في وثيقة اللجنة المركزية الأخيرة، تبخرت دون أن يبقى منها سوى ذكر سحيق. فقد استغلت السعودية الدعم غير المشروط من قِبَل ترامب من أجل خوض معركة سياسية، دبلوماسية واقتصادية ضد قطر بالتعاون مع كلٍّ مِن مصر، الإمارات والبحرين. وتطالب السعودية قطر بوقف توّجهها السياسي المؤيد للإخوان المسلمين وتحديداً موقفها من الإنقلاب العسكري في مصر ودعمها لحكومة طرابلس ضد حكومة طبرق في ليبيا. كما وتطالب السعودية قطر بإغلاق قناة الجزيرة وإحداث تغيير جذري في سياستها والعودة إلى أيام ما قبل انقلاب الشيخ حمد على والده عام 1995.

وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية فقد نقل ترامب في لقائه بمحمود عباس في بيت لحم المطلب الإسرائيلي بوقف التحريض والمخصصات المالية لأُسَر الشهداء والمعتقلين، الأمر الذي جلب استياء من قبل السلطة الفلسطينية وهذا بعد أن امتنع ترامب من ذِكر الاستيطان، او دفع بنتنياهو إلى تقديم أي تنازل من أجل استئناف المفاوضات. فمنذ هذه الزيارة دخل الخليج إلى أزمة لا عِلمَ لدى الإدارة الأمريكية بكيفيّة حلِّها، خاصّةً في حينِ استضافةِ قطر لأكبر قاعدة جوية أمريكية على أرضها. هذا من ناحية، لكن من ناحية أخرى تُعتبر السعودية أهم حليف لأمريكا في المنطقة. أما نتنياهو فقد استطاع أن ينقل كل الضغط على محمود عباس ووضع شروط مسبقة إلى أن أصبح من المستحيل البدء بأي نوع من المفاوضات، مما يضمن لحكومة نتنياهو هدوءً سياسياً رغمَ خطر التحقيقات في قضايا الفساد، المهدِّد لوجودها.

رام الله تشن حرب على غزة

وقد أدخلت الأزمة الخليجية سلطة حماس في غزة في عزلة سياسية بعد أن اضطرت قطر لأن تُبعِد قيادات من الإخوان المسلمين ومن حماس عن أراضيها بسبب الحصار المفروض عليها من قبل السعودية. وقد فقدت حماس الدعم الكلّي من تركيا بعد المصالحة بين أردوغان ونتنياهو. النظام القطري يواجه أزمة وجودية، والنظام المصري شدد الحصار على غزة. وقد استغلت سلطة رام الله عزلة حماس لتشدِّد، هي أيضا، الحصار على غزة من خلال سلسلة من عدة أجراءات كان أبرزها تقليص معاشات الموظفين، تقليص الدعم المالي لشراء الوقود لتشغيل محطة الكهرباء وحتى منع تمويل الأدوية وتصاريح العلاج الطبي في إسرائيل. وكما تسعى السعودية لإحداث انقلاب في قطر تقوم السلطة الفلسطينية بمجهود حثيث لإحداث انقلاب في غزة حتى توافق حماس على التنازل عن سلطتها. إن سلطة رام الله مثلها مثل كل الأنظمة العربية المستبدة، تستعمل أسلوب غير إنساني بل ووحشي ضد شعبها فقط من أجل الحفاظ على نظامها.

إلا أن حماس لا تقل انتهازية بل وديكتاتورية عن فتح، وقد قامت قيادة حماس المنتخبة الجديدة – رئيس المكتب التنفيذي إسماعيل هنية ومسؤول منطقة غزة يحيى السنوار- بالتوصّل إلى اتفاق مع النظام المصري ستلتزم حماس بموجبه على تغيير موقفها بل وفك كل ارتباط مع الحركة الأم – الإخوان المسلمين، والحفاظ على أمن الشريط الحدودي في سيناء بشرط أن تفتح مصر معبر رفح أمام سكان غزة. شرط أساسي في هذا الاتفاق هو المصالحة مع محمد دحلان الذي يسعى إلى خلافة محمود عباس بقيادة فتح وأصبح شخصية غير مرغوب بها لدى السلطة الفلسطينية. وفي صفقة غريبة بين حماس ومصر تم الإتفاق على أن يتولى دحلان المسؤولية عن المعابر بين مصر وغزة وبين إسرائيل وغزة ورئاسة حكومة غزة مقابل السماح لحماس بحفظ السيطرة الأمنية على قطاع غزة وسكانها من خلال جهازها الأمني.

وقد وصل الوضع في غزة إلى حافة الكارثة الإنسانية بكل معنى الكلمة، فالتيار الكهربائي شغال فقط لمدة ثلاث ساعات يوميا، لا مياه صالحة للشرب، أطفال يعانون من مرض الأمعاء، المجاري تسير إلى شاطئ البحر، البطالة تفوق 50%، لا علاج طبي مقبول والناس ممنوعين من الخروج لأي غرض كان. هذا الوضع يقلق الحكومة الإسرائيلية التي تتحمل المسؤولية المباشرة على ما يحدث في غزة، ورغم اقتراحات الجيش وعدد من الوزراء بتقديم تسهيلات في مجال الكهرباء، محطات لتحلية المياه وحتى بناء مرسى عائم بمراقبة إسرائيلية إلا أن التزامات إسرائيل تجاه نظام السيسي، وتجاه التحالف “السني المعتدل” بقيادة السعودية، تفرض عليها المشاركة في هذه الحملة التي ستنفجر في وجهها عاجلاً أم آجلاً، إما بحرب جديدة أو بكارثة إنسانية ستتجاوز الحدود الفاصلة بين غزة وإسرائيل.
الأقصى يغطي الأزمة

كانت العملية التي قام بها الشبان الثلاث من أم الفحم والتي قتل فيها شرطيان من أبناء الطائفة المعروفية الدرزية نقطة مفصلية ثانية في تاريخ الجماهير العربية في إسرائيل وعلاقتها مع الدولة منذ احداث اكتوبر2000. وقد انقسمت الساحة السياسية المتمثلة بالقائمة المشتركة بين من أيّد العملية ومن تحفّظ منها دون أن يشجبها. ولكن الجهة التي تبنت العملية كاملةً، أعلنت عن منفذيها شهداء ونظمت لهم جنازة شبيهة بمراسيم جنازات حماس في غزة والضفة الغربية، هي الحركة الاسلامية – الجناح الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح والمحظورة قانونيا في إسرائيل. وقد شارك حزب التجمع بل وحتى انجرّ وراء الإسلام المتطرف بدعمه للعملية بل والإفتخار بجماهير أم الفحم الذين شاركوا في الجنازة التي اعتُبرت “استفتاءً شعبياً” من قِبل قيادة التجمع.

أما الحزب الشيوعي، الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية والعربية للتغيير فقد تحفظت من العملية دون شجبها، وكان موقفها واضح عندما قام قياديوها بتعزية عائلات الشرطيين الدروز ممّا عرّضهم بسبب ذلك إلى نقد واستنكار من قِبل الحركة الإسلامية الشمالية وحزب التجمع. وهنا لا بد أن نلاحظ بأن الشيخ رائد صلاح وأنصار عزمي بشارة يحظون بدعم كلي من قِبل قطر التي حولت قناة الجزيرة إلى منبر لهؤلاء وقامت بدور أساسي في تحريض ودفع المواجهات في الحرم القدسي، والتي اندلعت بعد أن قررت حكومة نتانياهو نصب الأبواب المغناطيسية. وقد استغلت قطر الأحداث من أجل شن حملة دعاية ضد المحور المضاد الذي يضم كلاً مِن السعودية، مصر، الأردن والسلطة الفلسطينية. وقد عملت مصر، الأردن والسلطة الفلسطينية على إخماد الهبة الجماهيرية في الوقت الذي استغلت قطر وتركيا الوضع للتحريض وكشف وجه المحور المضاد كمتعاون مع اسرائيل.

وقد أصبح الأقصى غطاءً لنشاط الشيخ رائد صلاح لأجلِ تمرير أجندته الدينية المتطرفة، إذ أن أفكاره تتماهى مع نهج جبهة النصرة والسلفية الجهادية. فقد خاض الشيخ رائد صلاح معركة الأقصى منذ عام 1996 إبّان الإنشقاق في الحركة الإسلامية بين الجناح الجنوبي الذي قرر الإنخراط في الكنيست وبين الجناح الشمالي الذي حسم الموقف من إسرائيل ولا يعترف بشرعيتها وبشرعية مؤسساتها. وكانت حملة “الأقصى في خطر” وسيلة لإبراز هذا الموقف، إثارة المشاعر الدينية، جمع الأموال الخليجية، بناء مؤسسة “المرابطون”، وتشويه سمعة الجناح الجنوبي. أما التجمع فقد حسم كذلك الأمر موقفه من الكنيست عندما هرب عزمي بشارة إلى قطر اعتقاداً بأن العمل في الكنيست لا فائدة كثيرة منه، الأمر الذي تأكد من جديد مع اعتقال النائب باسل غطاس. ويشاطر التجمع موقف الشيخ رائد صلاح المتطرف رغم أن وجهة نظره علمانية بامتياز. العداوة تجاه اسرائيل أهم بالنسبة للتجمع من الخلافات الإيديولوجية. أما قطر وتركيا فتستخدمان الأقصى غطاءً لسياساتهما الفاسدة، سواءً بتحالف تركيا مع أمريكا ومشاركتها في حلف ناتو أو بتصرفاتها القذرة بقيادة أردوغان تجاه الأكراد أو حتى ضرب الثورة السورية من الخلف في حلب.

نحن نعارض الحملة حول الأقصى جملةً وتفصيلاً لأن الهدف الأساسي ليس إنهاء الإحتلال الإسرائيلي بل احتلال عقول الجماهير العربية في إسرائيل وفي المنطقة ككل. فباسم مكافحة الإحتلال قام الأسد بذبح وتهجير الشعب السوري، وباسم القدس ذبح حزب الله بل وهجر سكان حلب، وباسم الحرب ضد أمريكا قام الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي الشيعي بسحق الموصل. بل وأكثر من ذلك، ففي سوريا شهدنا كيف قتل أنصار الشيخ رائد صلاح من جبهة النصرة وأحرار الشام المدعومين من قِبَل قطر والسعودية، القوى الديمقراطية، وكيف شُوِّهت الثورة السورية وأُفقِدت مصداقيتها. أما في إسرائيل فقد نالت الحركة الإسلامية “حكماً ذاتياً” في القرى والبلدات العربية، حيث أقامت لجان حراسة وهي عبارة عن لجان “العمل بالمعروف والنهي عن المنكر” مثل السعودية وإيران، وفرضت أحكامها على النساء والشباب وتمنع أي مظاهر ثقافية قد تمس العادات والتقاليد حسب فهمها، وتمارس هذا النظام عن طريق القهر والترهيب. إن ظواهر العنف المستشري، العائلية والفساد هي نِتاج لـ 30 سنة من سيطرة الحركة الاسلامية على البلدات العربية في الوقت الذي يتخوف الأحزاب والمثقفين العرب من التعبير عن موقفهم الحقيقي من هذه الظاهرة.
الإنقسام قائم رغم “الإنتصار” في الأقصى

كثيرون هم من يعتبرون قرار حكومة نتنياهو بالتراجع عن موقفها وسحب الجهاز الممغنط “انتصارا”، غير أن هذا القرار جاء من أجل سحب البساط من تحت أقدام تحالف تركيا، قطر، حماس والشيخ رائد صلاح. إن الإنقسام العربي هو الضامن لسلامة حكومة اليمين المتطرف لأنه يحرره من كل التزام تجاه عملية تفاوضية حول مستقبل المناطق المحتلة. وكان واضحاً منذ بداية الأزمة بأن قطر وتركيا استطاعتا وضع الأردن والسلطة الفلسطينية في موقف حرج حتى اضطر محمود عباس، الذي اتصل بنتنياهو بعد العملية في الأقصى ليعبر عن استنكاره، أن يعلن تعليق التنسيق الأمني “المقدس”. وكان لا بد للحكومة الإسرائيلية أن تتراجع أمام الحركة الإسلامية وتمنحها “انتصارا” تكتيكيا لكي تحافظ على مكسبها الإستراتيجي ألا وهو التحالف مع ما يسمى المحور السني المعتدل.

فما قامت به قطر في قضية الأقصى يشير إلى أن الأزمة في الخليج قد تتفاقم وبأن النهج الذي تبناه الشيخ حمد آل ثاني منذ 1995 ثابت لا يتغير. فمن خلال حركة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة أصبحت قطر لاعبا هاما على الساحة العربية. إن الأموال القطرية لا تشتري اللاعب البرازيلي نيمار بمبلغ خيالي فحسب، بل اشترت الإتحاد العالمي لكرة القدم لكي تفوز باستضافة المونديال، وهي توزع استثماراتها في شتى أنحاء العالم وتشتري صمت العالم والأمريكان على ما تقوم به من دعم الإرهاب والتطرف الإسلامي من خلال السماح لـ 11000 جندي أمريكي الرباط على أراضيها في قاعدة “العديد” الجوية. أما السعودية، مصر والبحرين فجميعها تخشى من الربيع العربي ومن الحركات الإسلامية التي تهدد وجودها.

على المستوى الفلسطيني من الواضح بأن حماس استخدمت الأقصى لفضح السلطة الفلسطينية التي اضطرت تحت هذا الضغط أن تعلن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. إن ما يهم حماس ليس الأقصى بل سلطتها على غزة وهي تريد أن تخلق رأي عام في الضفة الغربية لرفع العقوبات المفروضة عليها من قبل سلطة رام الله. وقد يعمل نتانياهو كل ما بوسعه على الحفاظ على هذا الإنقسام الذي يشل قدرة حماس على مكافحة الحصار المفروض عليها، ويضعف عباس كناطق باسم الشعب الفلسطيني. إن هذه الصراع الداخلي مثله مثل الصراعات في العالم العربي برمته: يفكك المجتمع الفلسطيني ويمنعه من مواجهة الإحتلال على أساس برنامج سياسي ديمقراطي وموحد. إن “الانتصار” في الأقصى لا يعوض الإنقسام بل كان نتيجة لإثارة مشاعر دينية تلعب لصالح الحركة الاسلامية التي لا تفكر أبداً في مكافحة الإحتلال بل باحتلال عقول وضمائر الشباب الفلسطيني مثل ما فعلت بشباب أم الفحم.

أما داخل إسرائيل فالمنازلة في الأقصى قد أبرزت ضعف القيادة العربية والقائمة المشتركة التي تنجر مرة تلو الأخرى وراء أجندة الشيخ رائد صلاح الغيبية. إن القائمة المشتركة لا تملك أجندة سياسية واضحة: فالجبهة تدفع نحو تحالفات مع ميريتس على أساس مبدأ الدولتين للشعبين ودعم محمود عباس في الوقت الذي تدعم فيه الأسد وإيران، أما الإسلامية الجنوبية فهي تريد الحفاظ على “حكم ذاتي” إسلامي وكسب تسهيلات من الدولة لإدارة سلطاتها المحلية، والتجمع قد فقد البوصلة وكل ما يريده هو المواجهة الجماهيرية بكل ثمن دون أن يطرح برنامج عملي وفكري واضح، فهو يدعم نهج قطر، يعارض السعودية، محمود عباس والأردن، ويرى في السلفية الجهادية حليفاً له في مواجهة “الكيان الصهيوني”.

إن ما يحدث من أزمة داخل القائمة المشتركة حول اتفاق التناوب ورفض الجبهة والعربية للتغيير منح التجمع المقعد الرابع في الكنيست يكشف الخلافات الحادة بين الأطراف بل والعداوة بين الجبهة التي تدعم محمود عباس ومحور الممانعة، وبين من يعارضه ويدعم قطر وتركيا. لا شك أن تجربة القائمة المشتركة التي زادت عدد المقاعد العربية في الكنيست قد فشلت في طرح أجندة واضحة لتطوير ومساندة الجماهير العربية التي صوتت لها. إن الكم جاء على حساب النوع، فبدل أن تكون منافسة ديمقراطية بين الآراء المختلفة نرى نشازاً بين أحزاب لا قاسم مشترك يربط بينها وكل ما تريده مثلما تبين أخيراً هو الحفاظ على المقعد في الكنيست حتى وإن كان تأثيرها على الساحة السياسية سلبي جداً. فلا نفوذ لها في سن القوانين في الكنيست ولا وجود لها على الساحة وأكبر مثال على ذلك هو عجزها في معالجة ظاهرة العنف في الوسط العربي، وهي تغطي على عجزها باتهام الشرطة الإسرائيلية بأنها لا تقوم بواجبها.
الدولة الواحدة – بديل للتطرف الديني

إن ما نراه من تطورات في أمريكا وعدم قدرة إدارة ترامب على الخروج من الأزمة السياسية العميقة التي دخلت فيها بسبب شخصية الرئيس المتهورة، إفتقاده للخبرة السياسية، برنامج اقتصادي غير واقعي لا يمكن من خلاله أن يحقق شعاره الرئيسي “لنعيد لأمريكا كبريائها” وتورطه مع الروس يشل من إمكانيته التأثير الفعلي على ما يحدث في العالم وتحديداً في الشرق الأوسط، مثل ما تشير إليه الأزمة الخليجية. وفيما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني فلا رؤية واضحة لترامب بينما الطاقم المكلف بهذا الملف يميل بشكل واضح لإسرائيل كون الشخصيات الثلاث، كوشنير، فريدمان وغرينبلات يهوداً متدينين وصهيونيين. إن حل الدولتين أصبح برنامجاً لا أحد يتمسك به، لا اليمين الإسرائيلي ولا حزب العمل المعارض. كل من بقى بدعم هذا الخيار هي قوى هامشية مثل الجبهة وميريتس المتمسِّكتان بمحمود عباس رغم ضعفه وعجزه بالوصول إلى أي مكسب يذكر طوال مدة توليه منصب الرئاسة.

إن الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة مثلها مثل قسم كبير من الجماهير العربية في إسرائيل لا ترى في الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع حلاً واقعيا رغم أنه ليس لها بديل اخر. إن البديل الوحيد الذي يطرح نفسه على الساحة هو البديل الديني المتطرف الذي لا يعترف بإسرائيل ويسعى لتصفية إسرائيل عن وجه الأرض. هذا هو موقف حماس والجناح الشمالي للحركة الإسلامية التي تطرح الخلافة على نمط داعش بديلا للنظام الرأسمالي والدولة اليهودية الكافرة. أما من الجانب القومي يقف حزب التجمع الذي يُشَبِّه إسرائيل بدولة الأبرتهايد في جنوب أفريقيا ويسعى من خلال النضال الجماهيري والمقاطعة الدولية لإسرائيل تكرار ما حدث في جنوب أفريقيا حيث أصبحت الأغلبية السوداء سائدة على البلد وأصبحت الأقلية البيضاء دون نفوذ سياسي.

نحن في حزب دعم نعارض بشدة برنامج الخلافة ونرفض أيضا فكرة الأبرتهايد كونه غير واقعي، يصطدم مع الواقع الإقليمي الكارثي وحتى مع وضعية المواطنين العرب داخل إسرائيل التي، وعلى نقيض ما تم في جنوب أفريقيا، تتمتع بحقوق مدنية بالرغم من التمييز الممنهج القائم ضدها. وفي المناطق المحتلة نحن أمام واقع معقد حيث وافقت القيادة الفلسطينية على اتفاق أوسلو، وإذا كان هناك أبرتهايد فهو برعاية المجتمع الدولي وبرعاية روسية وأمريكية، وبدعم من الدول العربية نفسها. إننا أمام احتلال “شرعي” والذي نقل السيادة على الإنسان الفلسطيني إلى السلطة الفلسطينية وأبقى السيادة على الأرض بيد إسرائيل.

إننا نتعامل مع الحل السياسي من منطلق رؤيتنا للعالم كوحدة اقتصادية في عهد العولمة، فما نراه من مظاهر سياسية قومية متطرفة كما هو الحال في أمريكا، روسيا، بولندا أو المجر، أو نهوض اليسار الراديكالي مثل الحركة الداعمة للسيناتور برني سندرز في أمريكا، أو تيار اليسار في حزب العمل البريطاني الذي يدعم جرمي كوربين، له رديفه في إسرائيل بنهوض اليمين القومي الديني الصهيوني من ناحية، ومن الناحية الأخرى، بلا شك، ظاهرة الإسلام السياسي والجهادي. فما نعيشه اليوم هو مرحلة جديدة من سيرورة النظام الرأسمالي في عهد ما يسمى “الثورة الصناعية الرابعة” وهي ثورة الإنترنت التي غيّرت بشكل جذري قوانين اللعبة الإقتصادية. وقد أدت هذه الثورة إلى تغيير في طرق خلق القيمة، وفقدان الماكنة والإنتاج اليدوي دورهما كمصدر للربح لتأتي مكانهما شبكات التواصل الاجتماعي والإقتصادي مثل فيسبوك، أمازون، غوغل، آبل وميكروسوفت كمحرك رئيسي لخلق الربح، الأمر الذي أدى إلى تغيير في شكل ومكان الطبقة العاملة لدرجة أن الحنين إلى الماضي الذي يمثله دونالد ترمب ووعده بإعادة أماكن العمل القديمة لا يمكن أن يتحقق.
إن الفكر الطوباوي حول إعادة الخلافة الإسلامية، أو السعي إلى فلسطين ما قبل سنة 1948، أو السعي إلى فرنسا دون المغاربة، أو إعادة بريطانيا الكبرى من خلال ما يعرف بـ”البريكسيت” ليس سوى رد فعل للواقع الإجتماعي الذي خلقته الثورة الصناعية الرابعة والتي ركزت الثروة في أيدي قليلة جدا وجردت العامل من مصدر رزقه الذي ضمن خلال عقود طويلة رفاهية عائلته والأمان له ولأولاده. ولا يمكن فهم انفجار الربيع العربي دون الإنترنت ومعه بداية شبكات التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر، وقد كسر الفيسبوك الإحتكار الإعلامي وجمع بين الشباب الثوار حتى تمكنوا من إسقاط الأنظمة في أكثر من بلد.

وقد أعلن الربيع العربي قدوم حقبة تاريخية جديدة، حقبة تفقد بها الدول والأنظمة الحاكمة من قوتها لصالح الإحتكارات العملاقة التي نشرت نفوذها في شتى أنحاء العالم بل وأصبحت أقوى اقتصادياً من الدول نفسها. إن التنقل السريع للمعلومات شجع الإختراعات العلمية التي تم تطبيقها في مجال الإنتاج نفسه، فالكومبيوتر يستبدل الإنسان في الكثير من المجالات بما يسمى العقل الاصطناعي أو استبدال اليد العاملة عن طريق الروبوت. إن التقدم في الإختراعات في مجال الطاقة المتجددة، السيارة الكهربائية والسيارة ذاتية القيادة، سوف تفتح المجال لاستبدال السواقين وتتكشّف عن أُفق جديدة في عالم النقل وستبدل السيارة الخاصة.

أين الأنظمة الرجعية مثل السعودية أو مصر أو الأردن من هذه الثورة في الإنتاج؟ ماذا تعني بالنسبة لها هذه الثورة الصناعية التي ستبدل النفط والكثير من الوظائف التي يشغلها مواطني هذه الدول؟ إن النظام السعودي يفهم بأن أيام النفط كمصدر للثروة قد تنتهي قريباً، ولا يمكن الإستمرار بدعم مواطنيها “الكسالى”، ومن هنا تبادر من تلقاء نفسها بالتخطيط لبناء شاطئ سياحي على البحر الأحمر، وتفهم بأن حرمان المرأة من العمل قد يكلفها ثمناً غاليا، كونها لا تساهم في الإنتاج. إن الربيع العربي كان بمثابة رغبة القوى المثقفة الشبابية بالإندماج في العالم الحديث من خلال بناء نظام ديمقراطي عادل جديد. وما نراه اليوم من صراع مدمر في العالم العربي هو نتاج عدم القدرة على الإنخراط في هذا العالم، وهو الشرط المسبق لتوفير الرفاهية لمواطنيها.

إن ما يميز إسرائيل عن بقية الدول العربية هي قدرتها على بناء جهاز حكومي متطور ومحاسبة قياداتها حسب القانون مثل ما ثبت عندما تمت محاكمة كلُّاً مِن رئيس الحكومة ورئيس الدولة وزجهم في سجن، بينما الوزارات المختلفة تتمتع بكادر مهني ممتاز يعرف كيف ينفذ المخططات الحكومية بغض النظر عن ميول الوزراء السياسية. إن إسرائيل موجودة اليوم في طليعة التحديث التكنولوجي في مجال الإنترنت، البيوتكنولوجيا، الماء، تطوير برامج حماية وتأمين المعلومات وغيرها من المجالات. ومع ذلك كل هذا التطور يبقى محدودا ويتناقض مع وجود احتلال وقمع حريات الفلسطينيين مثل ما كان عليه الوضع في عهد ما قبل الحرب العالمية الثانية. إن الموقف اليميني المتطرف والميول الدينية اليهودية تصطدم مع التطور العلمي والتواصل مع العالم الأمر الذي يفسر الإنقسام الكبير داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه بين الليبراليين والمتشددين. وإذا أردنا أن نرسم بخطوط عامة هذا الإنقسام على أساس طبقي فمن الممكن أن نميز بين مصوتي الليكود الشرقيين الذين يشغلون وظائف ومهن “قديمة” مثل سواقين، عمال مصانع وموظفي مكاتب، والذين تهدد الثورة الصناعية الرابعة مكان عملهم. أما مؤيدي حزب العمل فهم يسكنون في تل أبيب، ينخرطون في المهن “المستقبلية” ولديهم أجور ومستوى معيشة أعلى بكثير.

ومن هنا نرى أن الحل للقضية الفلسطينية لا يكمن في بناء دولة فلسطينية على نمط النظام العربي القديم الذي تمثله السلطة الفلسطينية وفتح، بل لا بد أن يتم من خلال الدمج بين المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني ضمن اقتصاد واحد يخدم المجتمع ككل. وإن لم نتمكن اليوم من تحديد كيفية تشكيل الدولة الواحدة، فما نعرفه هو أنها ستكون جزءً من المحيط العربي الجديد. فإذا كان من المستحيل التحرر من الإحتلال في ظل التشرذم العربي الحالي فالدولة الواحدة لا يمكن أن تقوم إلا من خلال نجاح الربيع العربي وإعادة بناء العالم العربي على أسس جديدة، على قاعدة اقتصادية جديدة ونظام ديمقراطي يضمن العدالة الإجتماعية.

إن ما أثبتته أحداث الأقصى هو أن الإحتلال متعلق بعلاقاته مع “المحور السني المعتدل” وهي الدول الفاشلة مثل مصر، السعودية والأردن، التي تريد أن تمنع بكل قوتها التغيير الديمقراطي. ومن هنا فهذا التغيير سيحاصر الإحتلال وسيفتح أفقاً جديدة أمام الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت، يقابل ذلك قسم كبير من الشعب الإسرائيلي الذي يعارض حكومة اليمين، والذي يواجه الملاحقة الفكرية والثقافية والذي سئم الإحتلال. إن الفكر الإسلامي المتطرف مثله مثل الفكر القومي الفلسطيني، يتنكر لهذه الشرائح الإسرائيلية التي تعارض الأفكار القومية والدينية دون استثناء، كانت عربية، فرنسية أو أمريكية، ولكنها تتعاطف مع حركة الشباب الديمقراطيين في العالم العربي مثل ما رأينا في أيام حركة الاحتجاج في تل أبيب سنة 2011 .

فما نقوم به في حزب دعم من مشاريع نقابية، إقتصادية أو إجتماعية يصب في رؤيتنا لمستقبل المجتمع الفلسطيني والإسرائيلي في آن. إننا، ومن خلال “معاً” و”سنديانة”، نقوم ببناء المجتمع المستقبلي بين عمال، عاملات، شباب وفتيات فلسطينيين من الضفة الغربية، فلسطينيين مواطني إسرائيل وإسرائيليين على أساس قاسم مشترك ومصلحة مشتركة بإنهاء الإحتلال وبناء مجتمع ديمقراطي يرعى المساواة بين كل أعضائه. إن تحالفاتنا مع مجموعات مختلفة من شباب “هشومير هتسَعير” في سبيل تأسيس التعاونية النسائية للتنظيف، أو مع قسم القانون في الجامعة العبرية، أو مع أصدقاء “سنديانة” في شتى المجالات، معرض خبز وورود وغيرها من النشاطات تهدف إلى بناء تجربة ديمقراطية يهودية عربية ستنعكس مستقبلا على تأسيس حركة من أجل الدولة الواحدة. إن التفاهم يبدأ من الأساس.

وإدراكا للحالة السياسية التي نعيشها، ولازدياد العناصر المثقفة الفلسطينية والإسرائيلية التي تبحث مثلنا عن حل، ولها رؤية شبيهة حول الربيع العربي ومستقبل المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني، بدأنا بسلسلة من اللقاءات والنقاشات مع شركاء إسرائيليين وفلسطينيين في محاولة للوصول إلى نوع من التفاهم الأولي والتعاون السياسي من أجل نشر هذه الفكرة على مستوى أوسع. وقد قررنا تنظيم يوم دراسي حول موضوع الدولة الواحدة لكي نطرح أفكارنا ونتمكن من التعرف على أفكار غيرنا من هؤلاء الناشطين والمثقفين في إسرائيل والضفة الغربية والعالم العربي، والذين يطرحون بدورهم بديلاً سياسياً لليسار الإسرائيلي من ناحية والفصائل التي تشكل السلطة الفلسطينية من ناحية أخرى. إن برنامج الدولة الواحدة هو برنامج سياسي يجمع بين هؤلاء الناشطين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يريدون أن يتوحدوا حول هذه الفكرة. ودون شراكة إسرائيلية – فلسطينية تبقى هذه الفكرة معلقة في مهب الريح. نعم، الدولة الواحدة ستصبح واقعية مع التغيير في العالم العربي ولكن لا بد لنا أن نساهم هنا في هذا التغيير من خلال بناء حركة فلسطينية – إسرائيلية ديمقراطية من أجل الدولة الواحدة.