المشكلة أعمق من حذف البسملة ..


مولود مدي
2017 / 9 / 11 - 20:08     

أثارت قضية حذف البسملة من الكتب المدرسية الجزائرية لغطا اعلاميا كبيرا، واستنكر الكثير قرار وزيرة التربية الجزائرية ”نورية بن غبريط” واعتبروه مساسا بأهم ثوابت الأمّة الجزائرية وهو الإسلام، المشكلة في رأينا الخاص أنها ليست في حذف البسملة أو تركها، المشكلة هي تطرّف الدولة الجزائرية في التعامل مع ما تسمّيه بالاصلاحات، فبن غبريط تزعم أنها تريد التوجّه نحو تعليم مدني، وهذا طرح جيّد والتعليم الجزائري في أمس الحاجة اليه لكن لماذا لم يعرض هذا المشروع على الشعب ليخضعه للاستفتاء؟ الجواب هو أن الدولة الجزائرية منذ 1962 لم تكن يوما دولة ديمقراطية تحترم شعبها واختياراته بل دولة قمعية يحكمها طبقة من العسكر الذين يرسلون أبنائهم إلى البلدان الغربية للتعلّم والتكوين على حساب الخزينة الجزائرية التي تمتلى بأموال الجزائريين الفقراء، لذلك ما يعاب على بن غبريط ليس حذف البسملة بل لماذا لم نقحم الشعب في الموضوع؟ أليس هو المعني بالأمر؟ وما يعاب على التيّار الإسلامي الذي تتمثّل مهمّته في صب الزيت على النّار وكأن هذا التيّار مبرمج على هذه المهمّة والظهور في المناسبات واشغال الشعوب بسفاسف الأمور، ان هذا التيّار عوض ان يعارض القرار بالوسائل الديمقراطية ويظهر بعقلانية نظرته لهذا القرار، ذهب إلى استعمال أسلحته المعروفة وهي التكفير واتهام الناس في دينهم والشخصنة، ان التيّار الإسلامي أبدع لنا شيئا جديدا، وهو أن جميع مشاكل العالم العربي من بطالة وتخلّف وتدني القدرة الشرائية للمواطن العربية والترتيب الكارثي المبكي للجامعات العربية، حصرها في مواضيع هامشية مثل هل الاحتفال برأس السنة حرام وهل هذا يجوز ولا يجوز وهل هذا حلال وحرام وحذف البسملة سيؤدي إلى زوال الإسلام.

كما يبدو أن جزء كبير من الشعب الجزائري قد ساده الجهل المركب والمقدس بفعل سياسات خطط لها النظام بإحكام وبمكر شديد من خلال أدواته الأيديولوجية كالمدرسة والمساجد والإعلام كي يبقى في السلطة وتبقى معه مصالحه ويلهي الشعب عن مصالحه الحقيقية وعن مشاكله التي يعيش ليله ونهاره بحثا عن حلول لها، كما استخدم الأحزاب بأكذوبة فتح المجال أمام التعددية عام 2012 مفسحا المجال للعمل السياسي السلبي الذي يتمثّل مهمته صناعة معارضة مزيّفة تدّعي المعارضة من أجل أن تكون في الأخير صمّام أمان للنظام، وهكذا أصبح جزء من الشعب الجزائري لايختلف عن الأطفال الصغار الذين يلهون بما يطرحه عليه النظام من نقاشات كاريكاتورية عقيمة لامعنى لها، خاصة النقاشات الهوياتية والدينية، فهو شعب لايهتم بما يطرح من أفكار وبدائل جادة من بعض النخب التي همشها النظام بمساعدة التيارات الأيديولوجية الدينية التي وظفت خطابها لتشويه هذه النخب إلا لأنها أدركت بحكم علميتها وعمق نظرتها، بأن هذه التيارات الأيديولوجية الدينية لا تختلف فيما تطرحه عن ما يطرحه النظام، وأنها لو أخذت السلطة ستكرر نفس السياسات، لكن بشكل أنكى وأبشع، لأنها ستكون مغطاة بالمقدس وبالدين، فإن كان النظام في الماضي يقصي معارضيه بتخوينهم، فإن هذه التيارات ستضيف لذلك تهمة التكفير ومعاداة الإسلام مثلّما يفعل تجّار الدين في الجزائر من بلحاج الذي يتاجر بالقضية الفلسطينية ومتناسي أن يديه ملطّخة بدماء مائتي ألف شهيد، وصاحبه مقري وحزبه الذي يشارك في البرلمان المزوّر غير الشرعي والذي يحشر نوّابه جيوبهم بالمال ويقول لك أننا حزب إسلامي، وستوسع بذلك عملية الإقصاء للنخب الحقيقية وحصرها أكثر في الموالين لها فقط، فهذه التيارات الأيديولوجية والنظام هما وجهين لعملة واحدة، ويتغذى كل واحد منهم بالآخر كي يستمر، ويعادي كلاهما النخب والعقول المفكرة والمستقلة، فكلاهما مع البراء والولاء الأعمي سواء لصاحب القبعة أو الشيخ صاحب العمامة.

ان هذه التجاذبات والصراعات هي نتاج الحلول الترقيعية للأزمة الخطيرة التي يعيشها الشعب الجزائري وهي أزمة الهويّة بعدم طرحها على طاولة المناقشة الجادّة والعلمية، تزييف التاريخ الجزائري وعدم تدريس معظمه وحذف فتراته قبل الإسلامية وبعد الإسلامية، هو ما أوصلنا إلى هذا الموقف، النظام الجزائري العسكري الانقلابي يتعمّد اخفاء الكثير من فترات التاريخ الجزائري من أجل الاستمرار في عملية طمس الهويّة الجزائرية ومن أجل نفي عراقة الجزائر وثقافتها التي تعود جذورها إلى دولة نوميديا الأمازيغية وإلى المقاومات الجزائرية للإستعمار الروماني، فهل يعرف التلميذ الجزائري يوغرطة الذي سحق الرومان يوما وقال ”روما للبيع لمن يشتريها” أليس هذا البطل الذي رفض أمر الانحناء للأمبرطور الروماني بعد أسره تطبيقا للتقاليد الرومانية، وفضل الموت جوعا وعطشا في السجن، وقال كلمته الخالدة ”ننكسر ولا ننحني” التي تردد اليوم معطيا مثالا عن الشخصية الجزائرية ونفسيتها التي ترفض الاستسلام وتعتبره اهانة؟ هل يعرف التلميذ الجزائري أن الامازيغ كانوا على ملّة سيدنا سليمان التوحيدية قبل دخول المسيحية وقبل أن يتم تحريفها وتهويدها، فاذا عرف كل هذا هل ستجد دعايات الإسلامويين وتكفيرهم للتاريخ ماقبل الإسلامي وشخصياته صدى؟ هل عرف التلميذ الجزائري أن الجزائريين كانوا متمذهبين على المذهب الصوفري ثم تحوّلوا إلى الإسلام الشيعي؟ ليس من مصلحة النظام أن يعرف الشعب الجزائري النائم منذ 1989 كل هذه الحقائق، النظام مصّر على الأحادية في جميع الامور لأن ذلك سيخلق شعبا يحمل فكرا أحاديا لا يؤمن بالاختلاف مع الأخر وهذا ما يسعى الاستبداد أن يصل اليه.

إن خطأ بن غبريط هو خطأ مركّب، فالخطأ الأول هو إهمال الشعب رأي الشعب الجزائري، والخطأ الثاني هي أنها لا تعرف أنها تشتغل في وسط ”مجتمع العصبيات“، مجتمع قتل فيه النظام عقلية الحوار بالتي هي أحسن، ان هذا المجتمع تشبّع بالدّعايات الوهّابية التكفيرية في المساجد، وأخذت شطرا من هذه الدّعايات قضية اللغة العربية التي أصبحت طعما لاجتذاب القطيع، وما ان يظهر ناشط أمازيغي يطالب باعتماد الثقافة الأمازيغية حتى ينبري له التيار الإسلامي بتهمة العداء للغة العربية ويبدأ الشعب يردد معه الاسطوانة المضحكة ”اللغة العربية هي لغة الجنّة“، لقد تسبب هذا النظام الفاسد ومعه التيّار الإسلامي بأن يتحول المواطن الجزائري إلى أفضل مثال لمريض بـ ”السكيزوفرينيا“، فعندما يسمع مثلا أن هناك محاولة لعلمنة الدولة يبدأ بالاصطفاف دون علم وراء الأحزاب الإسلاموية المتخلّفة التي تبدأ في تكفير العلمانيين ويبدأ الايمان لدى الجزائري في الصعود حتى يبدأ بالاحساس أنه من المبشّرين بالجنّة ويظن أنه يدافع عن الإسلام، وفي المقابل تجد يتغاضى عن ابنه الذي يبدع في ابتكار وسائل الغش ويحاول أن يشتري له الشهادات بالوساطات والرشاوى.