الخدمات: حجر العثرة التي زلت عندها أقدام -الماركسيين- (1)


سعيد زارا
2017 / 9 / 7 - 04:27     

في مناقشتي مع السيد حسين علوان حسين اقتبست نصا لماركس من مجلده الثاني رأس المال الفصل الخاص بتكاليف التداول و لما كان النص طويلا كنت أورد الثلاث نقط بين الفينة و الأخرى دون أن أسيء إلى معنى النص فاتهمني بالتزوير فلم يسأل رفيقنا نفسه لماذا أشرت إلى الفصل و رقم الصفحة و الكتاب و طبعته و سنة طبعته إذا كنت أتعمد التزوير ؟ سأعود لنقاش الاقتباس في الحلقة القادمة مع الشرح الذي قدمه السيد حسين علوان حسين في الحوار المتمدن : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=570096

من المؤكد انه ما من ماركسي يجهل أن الإنتاج البضاعي الرأسمالي يخلق فائض القيمة لكن من المؤكد أيضا أن هناك ماركسيين يعتبرون الخدمات تنتج قيما و بالتالي فائض القيمة، و لو قدر لماركس أن يسمع بما يقولونه ماركسيونا حول الخدمات لقال فيهم ايضا قولته الشهيرة : " كل ما اعرفه هو أنني لست ماركسيا". الخدمات بشكل عام لا تنتج قيما فكيف تنتج فائض قيمة. لكن ماركسيينا يقولون العكس تماما. إن مثل هذا الزعم الخاطئ له اثر خطير على مجريات العمل الشيوعي في الوقت الراهن من حيث يضبب و يشوش على عملية تشخيص الوضع الحالي الذي يتميز بهيمنة الإنتاج الخدماتي. في هذه السلسلة سأحاول التركيز على ما كتبه ماركس حول الخدمات التي تشارك في عملية الإنتاج الرأسمالي من حيث هي خدمات ضرورية للدورة الرأسمالية إلا أنها لا تنتج قيمة تذكر لعل هذا يقنع ماركسيينا أن باقي الخدمات لا تنتج نقيرا.

لكن قبل مناقشة هذا الموضوع الذي يحب "ماركسيونا" أن يصفونا فيه بأننا نتناوله بشكل تجزيئي دون النظر إليه في شموليته كما شرحه ماركس أي في حركة رأس المال في الكل الاجتماعي، أود أن أورد هنا ما قاله ماركس لكي يتبين من يجزئ في التحليل لواقع الرأسمالية ؟؟؟ ، يبدأ كاتب رأس المال في المجلد الثاني في القسم الثالث الذي يعالج فيه إنتاج إجمالي رأس المال الاجتماعي و تداوله، بالعبارة التالية: "إن عملية إنتاج رأس المال المباشرة ، هي عملية العمل و عملية زيادة قيمة رأس المال، أي العملية التي تكون نتيجتها الناتج البضاعي، و يكون دافعها الحاسم إنتاج القيمة الزائدة".

لنبدأ بنشاط التاجر و لأستحضر نصيحة الرفيق طلال الربيعي حول ضرورة قراءة علم المنطق لهيغل لفهم كتاب رأس المال و هي نصيحة بالغة الأهمية خصوصا و أنها صادرة من مربي البروليتاريا العظيم لينين، لكن هل الرفيق طلال الربيعي عمل بهذه النصيحة عندما يعتقد بأن وجود رأس المال التجاري، و قد تحدث عنه ماركس، دليل كاف لقيام الرأسمالية ؟؟؟ في فصل "تحول النقد إلى رأس المال" من الكتاب الأول لرأس المال يتحدث ماركس عن الصيغة العامة لرأس المال أي الصيغة التي تعبر عن الأشكال الخاصة لرأس المال من تجاري و ربوي و صناعي و قد تطرق بداية إلى رأس المال التجاري. لنتساءل هنا لماذا بدأ ماركس في دراسة الصيغة العامة لرأس المال برأس المال التجاري و لم يبدأ برأس المال الصناعي ؟؟؟

في الصيغة العامة لرأس المال بدأ ماركس بدراسة رأس المال التجاري و الربوي ليس من باب التأريخ لأشكال رأس المال و تمرحلها، بل كانت تلك المعالجة منهجية تتوخى اتباع منطق معين (التجريد) لإزالة كل الشوائب التي قد تشوش فيما بعد على دراسة رأس المال الصناعي المحدد لكل التنظيم الاقتصادي للمجتمع الراسمالي بما في ذلك الشكلين الأكثر شيوعا، رأس المال التجاري و الربوي، اللذان يضربان في القدم إلى ما قبل الطوفان كما يقول ماركس متهكما, " يتضح من هنا لماذا لن نتطرق إطلاقا بعد، في تحليلنا للشكل الأساسي للرأسمال، أي الشكل الذي يحدد الرأسمال فيه التنظيم الاقتصادي للمجتمع الراهن، إلى شكلي الرأسمال الأكثر شهرة، الشكلين لما قبل الطوفان، إذا جاز القول، أي الرأسمال التجاري و الربوي.". لكن ما هو هذا التشويش و الغموض الذي أراد ماركس إزالته ليكشف حقيقة رأس المال الذي يمسك بخيوط المجتمع الرأسمالي المتطور؟؟؟

انه التشويش و الغموض الذي يولده شكلا رأس المال الأكثر قدما (رأس المال التجاري و الربوي) و قد جهد ماركس في التخلص منه لمعاينة حركة رأس المال الحقيقي خصائصه و نزعات تطوره. لكن رفيقينا حسين علوان حسين و طلال الربيعي لم يتخلصا منه ، الأول و هو يعتبر ربح التاجر فائض القيمة في حين أن ماركس نفى أي خلق للقيمة و لفائض القيمة من طرف نشاط التاجر و الثاني و هو يرى في رأس المال التجاري علامة على قيام رأسمالية متطورة حتى و لو غاب على المسرح الإنتاج البضاعي في حين أن ماركس اعتبر شكل رأس المال التجاري شكلا ثانويا رغم قدمه أي انه أصبح تابعا لطبيعة رأس المال الحامل لفائض القيمة .

يولد رأس المال التجاري وهما بأنه يخلق فائض قيمة, و الوهم ينبع من كون أن الصيغة نقد-بضاعة-نقد زائد تبدو و كأنها تنطبق على التجار الرأسماليين وحدهم . فالزيادة التي يلهث وراءها رأس المال لتحصيلها تظهر و كأنها فعل حقيقي تنشأ في التداول، لان الرأسمالي يحصل على زيادة في النقود أكثر من التي بدأ بها استثماره و هو يلقي ببضائعه في قنوات التداول. إلا أن السوق يقبل بتبادل المعادلات فقط و هو ما يعني أن تداول البضائع لا يخلق قيما و لا فائض قيمة انه يغير من شكل البضاعة إلى نقد و من نقد إلى بضاعة في دورات لامتناهية، و إن الزيادة التي حققها الرأسمالي خلال عملية التداول كان منشأها عملية إنتاج البضائع بمقدار فائض القيمة. لكن الزيادة التي حققها التاجر عندما اشترى البضائع من الرأسمالي الذي أنتجها و قد باعها بسعر أغلى تعتبر ربحا لكنها ليست بفائض القيمة.

من المعلوم إذن إن الزيادة التي يجنيها الرأسمالي منتج البضائع و هو يبيع بضائعه إنما تنشأ خلال عملية إنتاج ذات البضائع بمقدار فائض القيمة. أي أن الصيغة العامة لرأس المال نقد-بضاعة-نقد زائد تصبح بالنسبة للرأسمالي منتج البضائع نقد-بضاعة...إنتاج...بضاعة ( مصنعة)-نقد زائد , فمثلا يشتري الرأسمالي خشبا لصناعة الأثاث من أسرة و طاولات و كراسي الخ... و يبيع الخشب المصنع (الأثاث) في السوق بما يعادل قيمته إلا انه عاد بزيادة عما استثمره في البداية، الزيادة التي جناها إذن كان منبعها أثناء عملية الإنتاج عندما لم يدفع أجرا مقابل عمل العمال الذي تملكه من خلال عقود العمل و لم تنبع من فعل مبادلة بضائعه المصنعة بالنقد في السوق مادامت المبادلات تتم بالمعادلات. لكن ماذا عن الزيادة التي يجنيها التاجر الذي اشترى من الرأسمالي الذي أنتج الأثاث، و باعه في السوق كما هو و مع ذلك جنى زيادة ؟

الصيغة العامة لرأس المال نقد-بضاعة-نقد زائد تصبح بالنسبة للتاجر (تاجر الأثاث) نقد-بضاعة -...تكاليف... نفس البضاعة -نقد زائد. تاجر الأثاث جني زيادة من بيعه الأثاث الذي اشتراه من الرأسمالي مع العلم انه استأجر عمالا بعقود عمل، وظيفتهم تفريغ و شحن البضائع، تخزينها بنظام و انتظام، صيانتها لحفظها من التلف، تلقي المكالمات الهاتفية، استقبال الزبائن و مفاوضتهم، و تسليم البضاعة الأثاث الخ.... فمن أين أتت الزيادة التي جناها تاجر الأثاث في تجارته إن كان التداول لا يلد زيادة سواء تم بمعادلات أو غير معادلات ؟؟؟

بمنطق الرفاق الذين يصرون على أن الخدمات تنتج فائض القيمة فان الربح (الزيادة) الذي جناه تاجر الأثاث هو فائض قيمة أتى من استغلاله العمال المأجورين لديه، أي أنها من العمل الغير المدفوع الأجر. و هذا زعم خاطئ تماما, لان التاجر لم يساهم في إنتاج الأثاث بل باعه للمستهلك كما اشتراه من الرأسمالي المنتج و عليه فان العمل المتشيء و العمل الحي المنفقان في الحفاظ على البضاعة الأثاث لبيعها لم يخلقا قيمة ( أثاثا ) جديدة أي ناتجا جديدا بل هما صانا البضاعة الأثاث ليسلمها التاجر إلى الشاري المستهلك الذي لا يأبه لتلك التكاليف لأنه لا يستعملها، فما يستعمله هو الأثاث كما أنتجه العمال لدى الرأسمالي صاحب مصنع الأثاث. كيف إذن لعمل لم يخلق قيمة أن يولد فائض قيمة!!!


تولد فائض القيمة خلال عملية إنتاج القيم بالأسلوب الرأسمالي و هي الصحن الذي يغرف منه المجتمع برمته. حتى أن كل النفقات التي تقتضيها و تستلزمها الدورة البضاعية يتحمل أعباءها فائض القيمة بما في ذلك نشاط التاجر بالتقسيط فيقلص أرباح الرأسمالي و بذلك يحد من تنامي رأسماله.


ماركس اخذ عن فرانسوا كيني أن التجارة لا يمكنها إلا أن تقلل الخسائر و هو ما يعني أنها لا تخلق ثروة ، و انتقد كوندياك الذي يرى في التبادل منبعا لإثراء الطرفين حيث أكد أن التبادل سواء تم بمعادلات أو بغيرها فهو لا يخلق قيما و بالتالي لا يخلق فائض قيمة ، و استشهد بفرانكلين "الحرب نهب, و التجارة غش" و هو ما يعني أن الطبقة الرأسمالية لا يمكن أن تضاعف من ثروتها بخداع أفرادها لبعضهم البعض كما يقول انجلز.


انتشار ورم الخدمات في القلاع الراسمالية السابقة كان من اسباب نزوح الصناعات الى الاطراف.