الهدف انتحار معارضة .. واغتيال دولة


بدر الدين شنن
2017 / 8 / 28 - 14:30     

في تموز ( 2011 ) انعقد في دمشق ، بدعوة من الحكومة ، أول لقاء " تشاوري " مباشر ، بين شخصيات وقوى سياسية معارضة ، وبين قوى الحكم ، برئاسة نائب رئيس الجمهورية " فاروق الشرع . وقد تناول اللقاء مسائل عدة ، وتوقف عند المادة ( 8 ) من الستور السوري . وجرى في هذا اللقاء ، جدل جاد وساخن ، بين الحاضرين . لكنه لم ينته إلى حل إيجابي للأزمة السورية .

وعلى امتداد سبع سنوات ، على اندلاع الحرب على سوريا ، التي بدأت بتسليح لقسم من المعارضة ، كان الهدف منه ، انتحار المعارضة .. واغتيال الدولة .. عبر مخطط تقسيم وإلغاء سوريا . وتواصلت هذه الحرب بدعم القوى الإقليمية والدولية ، وفي مقدمها ، تركيا ، المملكة السعودية ، قطر ، وأميركا وفرنسا وبريطانيا ، وإسرائيل . وذلك عبر المال ، والسلاح ، والتدريب ، والإعلام والاتصال ، والتحشيد للمقاتلين . واتخذ هذا الدعم الزخم الأعظم ، بجلب مئات آلاف الإرهابيين ، من مختلف دول العالم . وبالتوازي مع الحرب .. تواصلت اللقاءات النوعية الدولية المسماة " أصدقاء سوريا " . ولقاءات تجمعات وشخصيات معارضة ، تحلم بالتوصل إلى السلطة .

ومع تدخل الأمم المتحدة ، بممثل ، لمتابعة جهود حل الأزمة السورية ، بدأت اللقاءات ( السورية ـ السورية ) غير المباشرة ، تجري في أماكن محددة ، بين وقت وآخر في .. جنيف .. أو فيينا .. تحت إشراف دولي .
وإلى جانب ذلك كانت تجري بين قوى معارضة ، لقاءات عبر قوى دولية ، هي على علاقة متينة متعددة مع الجماعات المسلحة ، التي أنشأتها ، ودربتها ، وسلحتها ، وأرسلتها ، عبر تركيا ، والأردن ، والعراق ، ولبنان ، لبناء تحالف معها ، للقيام معاً بالمجازر الدموية ، والعمليات التدميرية في سوريا . ومازالت الحرب ، بواسطة هذه المفاعيل القذرة المتوحشة مستمرة .

وتكررت اللقاءات تحت الرعاية الدولية ، سبع سنوات ، سادها ، باستثناء بعض المسائل الفنية ، حوار أشبه بحوار الطرشان ، وطروحات ذرائعية تعجيزية ، حالت دون الوصول إلى حل سوري للأزمة السورية . ومن فيينا .. إلى جنيف .. إلى أستانا ، كان فشل يتلوه فشل ، يتراوح بين النسبي والكلي ، تغطيه وعود وأمنيات هوائية . وإذا كان هناك معارضون جادون في التوصل إلى ما يستدعيه وقف حالات التدمير والقتل والتشريد ، وعقد تفاهمات حول ذلك سورية ـ سورية . والمساعدة في إنجاز أي حل شامل يبدأ بوقف الحرب ، فإن هناك من يسمون أنفسهم معارضة معتدلة ، يعارضون بشدة التوصل إلى هذه الصيغة المطلوبة شعبياً ، ووطنياً .. وإنسانياً . وكلما بدا من النقاش في بعض اللقاءات ، أو المؤتمرات ملامح تهدئة واستعداد لمتابعة هذا المسار . يحشد أولئك من طروحاتهم ويلحون من الناحية الفعلية إلى العودة ، إلى المربع الأول .. أي مواصلة الحرب.. بخلفياتها التآمرية ومفاعيلها التدميرية المتوحشة . وإحداث تراكم المزيد من الخراب وسفك الدماء ، ومذلات التهجير والتجويع والتشريد .

وخلال السنوات السبع الماضية ، كانت هناك لعبة دموية سخيفة قذرة مكررة ، متعلقة باللقاءات ، واحتمال اللقاءات . فكلما جرى طرح الرغبة ، والموعد ، والغاية ، بعقد لقاء تفاوضي ، حول حل سوري ، كانت تجري الهجمات الانتحارية ، والتفجيرات ، والمجازر ، للبرهنة على أن من يقوم بهذه الجرائم هم من يحق لهم تقرير مصير سوريا ، والآخرون .. مهما عظمت الدول الداعمة لهم ، هم اقل بكثير من القدرة على وقف الحرب ، وإعادة بناء الدولة . والمحصلة هي .. عثرات .. لقاء محدود .. ذرائع تعجيزية .. اتهامات متبادلة .. وفشل .

بعد مشاركة روسيا سوريا في حربها ضد الإرهاب ، وبعد التغييرات التي حصلت في أميركا وفرنسا وبريطانيا والمملكة السعودية . وتسلل الإرهاب بعدد من الهجمات المؤلمة في بعض بلدان أوربا . وبعد انتقال الجيشان السوري والعراقي ، إلى استراتيجية الهجوم ، وتحقيق انتصارا ت ميدانية متوالية في كلا البلدين ، دخلت المعارضة السورية في مرحلة مختلفة عن المراحل الماضية . وشرعت تعيد النظر في بنيتها التنظيمية والسياسية واستقرت على التموضع فيما سمي " منصات " . وهي منصة القاهرة ، ومنصة موسكو ، ومنصة الرياض . وعليها بدأ الاتكال الدولي في المفاوضات القادمة مع الحكومة السورية ..بشكل يجمع المنصات الثلاث في وفد مفاوض واحد ؟ وقد نشر الإعلام ، أن اللقاء بين ممثلي المنصات الثلاث ، للتشاور حول لقاء أستانا المقبل ن لم يتوصلوا إلى اتفاق . ذلك أن ممثلي الرياض طرحوا آراء لبناء صيغة مشتركة بين المنصات الثلاث ، تتضمن أفكاراً سابقة حول استرار الرئيس ، قد تم صرف النظر عنها . بينما منصة موسكو رفضت هذه الطروحات القديمة الملغاة .

إن ما يثير الاستغراب والاستهجان ، أن يصر فريق معارض على مواصلة الحرب ، في وقت بات فيه الشغب ، يصرخ متألماً من اندلاعها ومتابعتها ، ويجمع على وقفها . وبات الرأي العام العالمي ، يستنكر حدوث هذه الحرب واستمراراها . وذلك تضامناً مع الشعب السوري .. ضحية " الربيع العربي " وعملية التدوير للقطبية الدولية . وتضامناً مع الشعوب التي تتعرض للإهاب في غير بلد في أوربا والعالم . ما يدل على أن وراء ما طرحه ممثلو منصة الرياض في اللقاء التشاوري ، هم أنفسهم الذين أشعلوا الحرب . وتاجروا بارتداداتها السياسية والاقتصادية . وأمروا ، ونفذوا التدمير الواسع ، والمجازر الدموية . وما زالوا مصرين على متابعة جرائمهم هذه .. ما يدل أيضاً ، على أن لقاء أستانا المقبل مهدد بالفشل .

إن من يطرح مثل هذه الطروحات بإصرار ، في الوقت الراهن ، المعبر عن مستوى ما وصلت إليه الأمور السورية ، السياسية ، والتفاوضية ، سيما .. في سباق أستنانا وجنيف .. في هذا العام .. ومستوى التطورات الميدانية العسكرية في سوريا والعراق .. وأخيراً في لبنان . وما تأتى من الخسائر في سنوات الحرب .ز البشرية والمادية .. غايته العودة بالبلاد وكوارثها إلى المربع الأول . أي إلى الجدل الاستفزازي ، المسوغ للتوتر .. والحرب .. والخيانة.. والتحالفات العدائية الخارجية . وخاصة في التفاصيل ، حول صلاحيات اللجنة الانتقالية .. وتدوير السلطة .. وأهمها السيطرة على الجيش والمؤسسات الأمنية .. والتواصل مع الدول الأجنبية ومخططاتها في سوريا والمنطقة .. أو إخضاع الشعب إلى إجراءات اللجنة الانتقالية الفوقية ، في بناء الدولة ، وسلطاتها التشريعية والتنفيذية .. دون السماح له في تحديد خياراته الديمقراطية بشفافية .

إن من يطرح مثل هذه الطروحات التراجعية المخيفة ، وبإصرار طوال سبع سنوات من الحرب والمفاوضات الفاشلة ، وويكررها خاصة في الظروف الراهنة الكارثية العصيبة ، هو لمن يطرحها ليس خياراً سياسياً.. وإنما هو خيار انتحار . ومنعكسات ذلك .. بالنسبة للدولة .. هي محاولة اغتيال .
إن التفكير بإعادة الأوضاع السورية إلى المربع الأول .. هو فقدان لمعايير وموازين السياسة والعقل والمنطق .. وهو انتهاك لقدسية قيم إنسانية الإنسان .