في بؤس وزير الصناعة.. ((تنمية الاعمال))


قاسم علي فنجان
2017 / 8 / 27 - 20:44     

قصة لا تكاد تنتهي أو يلوح لها في الأفق أي حل, مأساة تتكرر بين الحين والآخر, في بلد يئن من صراعات مميتة وأزمات لا تنتهي, لاتكاد تطوى صفحة حتى تفتح اخرى اكثر ظلامية ومجهولية من الأخرى, أنها حكاية عمال الصناعة, "المنبوذين وازلام النظام السابق", والذين هم الحمل الثقيل والهم الأكبر على حكومة عصابات الاسلام السياسي الرجعية والفاسدة, والتي دأبت منذ أن جيء بها بعد احداث 2003, الى تدمير ممنهج لكل ما بنته الأيدي العاملة في العراق طوال السنين الماضية.
فها هو الوزير بالوكالة يوجه ويؤكد بإلحاح, في المذكرة الداخلية التي وصلت الى قسمنا التابع للشركة العامة للصناعات ال..., على برنامج ما يسمى بـ"تنمية الاعمال"- ربما أستقى هذه التسمية من برنامج الفساد الشهير "تنمية الاقاليم" فهم من ذات الوحل. وبرنامج "تنمية الاعمال" هذا, هو جعل عمال الصناعة كوقف لبقية الوزارات التي تحتاج أو تطلب عمالاً, أي تحويلهم الى سلعة, فيؤخذ من العمال تعهد خطي يؤكد "رغبتهم" بإحالتهم الى هذا البرنامج, فالشركة التي لا تستطيع توفير رواتب عمالها تحيلهم الى هذا البرنامج, أي بمعنى من المعاني جعلهم فائضين, مع ما يترتب على هذه الكلمة من مصائر, مع أنهم يشيرون في المذكرة الداخلية بانهم ليسوا فائضين, لكننا تعلمنا من تجاربنا مع حكومات النهب هذه بأن لا أمان لهم, فالمديونية المرعبة للعراق والتي وصلت الى 123 مليار دولار بفترة وجيزة, بدون تقديم أي خدمات للناس على اي مستوى كان, انما هي عبارة عن نهب منظم, هذه المديونية ستحول على الجماهير المنهكة, وخاصة العمال, وبشكل اخص عمال الصناعة. فضغوطات صندوق النقد الدولي القبيح لا تأتي الا على رؤوسنا عمال الصناعة, فقد اصبحنا الشماعة التي يعلق عليها انهيار الاقتصاد العراقي, وأي "اصلاحات اقتصادية" أول ما تطالنا نحن, فلن نستطيع فك شفرة "تنمية الاعمال" هذه.
ان الصياغات الموجودة في المذكرة تبدو مماثلة لصياغات صندوق النقد الدولي, فنجد فيها الكثير من الكلمات الهلامية, التي لا تستطيع ان تثبت معانيها, فما معنى مثلا كلمة "تنمية الاعمال" او "رواتبهم سيكون مركزي" و"تحمل المسؤولية", وصياغات الصندوق السيئ هي "العراق على المسار الصحيح" و "العراق ينجز الكثير" و"العراق بدأ بتصحيح اقتصاده", فإذا كانت رواتبنا مركزية والحكومة هي من تتحمل المسؤولية, فلماذا يتم نقلنا من مصانعنا أو يتم تفكيكها وبيعها كـ"خردة"؟ واذا كان العراق حقا على المسار الصحيح, فلماذا تراكم عليه الديون؟ وما هو المسار الصحيح بالنسبة لهؤلاء؟ يحق لنا الاعتقاد ان هناك نفسا مشتركا بين الحكومة والصندوق, لكنه نفس قذر. ويبدو اننا عمال الصناعة قد وضعت لنا خططا مرسومة ومدروسة من قبل هذه العصابات ورعاتها, وبالأخص صندوق النقد للتعجيل بإنهائنا بأسرع وقت ممكن.
أن قرارات حكومة العصابات هذه, ما هي الا نباح مستمر لأنهاء الصناعة وتصفية عمالها وهدم معاملها, وهي بحق عار لا سابق له, فلقد اضحت قضية انهاء الصناعة في العراق, الشغل الشاغل للمستشارين الاقتصاديين لهذه الحكومة, بل لقد صارت عندهم عقيدة دينية كعقيدة الحج والصوم, والضحية هم العمال الذين يعانون الامرين من هذه السياسات القبيحة, والذين هم اليوم يقبعون في مؤخرة المسرح الثوري, بسبب السياسات الطائفية والقومية التي تثيرها وتبثها هذه العصابات بين اوساط العمال.
اننا عمال الصناعة لعلى يقين تام من ان حكومة عصابات الاسلام السياسي هذه تعيش حياة معزولة تماما عن واقعنا البائس, فأجورنا هي في ادنى المستويات مقارنة مع بقية الوزارات, وهي سياسات مقصودة تبنتها الطغمة الحاكمة منذ سيئ الصيت "باقر صولاغ", ونحن ندفع ضريبة فسادهم ونهبهم المستمر من رواتبنا المتهالكة اصلا, فلقد امتلأ شريط الراتب بالاستقطاعات, فهبوط اسعار النفط جاءنا باستقطاع أول, مع اننا ليس لنا يد بذلك, ثم جاء تأسيس الجيش الثاني "الحشد الشعبي", ليسجل استقطاعا اخر, ولسنا من افتى بتأسيسه, ونزوح الناس بمخيمات, جاءنا باستقطاع اخر, وليس لنا يد بتدمير المدن وشن الحروب, هذا غير استقطاعات صندوق التقاعد المتصاعد, ونادي الصناعة, والمنافع الاجتماعية المتعددة, والتي لا نعلم ماهية هذه المنافع, ولا نعلم اذا ما اصيب السيد الوزير بوعكة صحية يوما ما, فكم سيتم استقطاعه, فقد يأتي الشريط يحمل استقطاع "صحة الوزير", فهكذا هي الحال مع هؤلاء اللصوص.
هي ذي انجازات الاسلام السياسي الحاكم في العراق, والتي ضيعت البلد وارسلته الى غياهب المجهول بسياسته الحمقاء, وتلك هي عقليتهم البدوية التي لا ترغب بوجود أي ماكنة تعمل, لأنها تعد بمثابة انهاء لوجودهم القائم على تخلف الجماهير, وبالأخص العمال.
ان التفكير الذي يخرج من عقول هذه الطغمة الحاكمة هو تفكير اجرامي وتدميري, فهم بهذه القرارات كمن يضعنا على فراش بروكوست, الذي كان يطيل قصار القامة بضربات مطرقته, واذا كانوا طوالا قصرهم عنوة, كما تقول الاسطورة اليونانية, فهم قد اقحمونا في موقف الزامي بين ان نختار البقاء في وزارت-نا المتهالكة والراحلة حتما, وبين ان نكون سلعة في برنامجهم المجهول "تنمية الاعمال".
كان فردريك الثاني ملك بروسيا يقول "بأن الحرب يجب أن تشن بشكل لا يحس معه السكان المدنيون", ونحن عمال الصناعة تشن علينا حرباً قاسية, منذ سنين طويلة, بدون ان يشعر بها او يلتفت لها احد. حقا قد لا يكون الوزير هو البائس بقدر ما يكون بؤسنا نحن.