الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (1/ كيف نقرأ الثورة ؟)


موسى راكان موسى
2017 / 8 / 18 - 21:52     


في الذكرى المئوية لثورة أكتوبر ، كيف نقرأ الثورة ؟ .



(( قراءة ماركسية )) سيجيب البعض ، و يعنون بها (( تحليل لينين للظروف المستجدة في الساحة العالمية التي لم تكن حاضرة في زمن ماركس ـ المُتزامن مع إهتمام لينين بالوضع الروسي بشكل خاص ، بسعيه مع رفاقه لتحقيق الماركسية على الأرض : الاشتراكية ، فالشيوعية )) . و لحسن الحظ آلت السلطة للبلاشفة ، فكان النتاج الأدبي و الإيديولوجي في معظمه في صالح البلاشفة* ، و كيف لا يكون و السلطة و القمع آلت لهم ؟! ، بالتالي الثورة أيضا أمست لهم ! .


إن القراءة الماركسية لن تتجاوز (التحليل الطبقي) و (الطليعة الثورية) و (وحدة النظرية و التطبيق) ، و لكن كل من الجانبين (العلمي و الإيديولوجي) في القراءة الماركسية لا يصل لقراءة واقعية أو فعلية لثورة أكتوبر ، فالجانب العلمي مُفرط في العقلانية و الجانب الإيديولوجي مُفرط في الأخلاقية .


الثورة ، أي ثورة ، لا هي بعقلانية (( الثورة لا عقل لها )) ، و أيضا لا هي بأخلاقية (( الثورة لا كرامة فيها )) ، و ثورة أكتوبر ليست إستثناءا ؛ و كون الثورة لا عقل لها فهذا معناه أن الماركسية ما كانت لتحظى و لو للحظة بأن تكون عقلا لثورة أكتوبر ، أو لأي ثورة أخرى ، لذا فالقول بأن شعوب روسيا تبنّت الماركسية فكان أكتوبر ، هو مبالغة عظمى ، بل حتى و إن أقتصر القول بأن عمال و فلاحي روسيا تبنّوا الماركسية فكان أكتوبر ، يبقى مبالغة عظمى ، فروسيا لم تعرف الماركسية لوحدها ، بل لم تعرف ماركسية البلاشفة لوحدها ، عرفت كذا ماركسية و التي منها ماركسية المناشفة ، كما عرفت الأناركية و العدمية الثورية و غير ذلك من مذاهب ثورية .


و لعل سؤالا يوجه (( ما سبب الثورة إذا ؟ )) .

إن السؤال عن أسباب الثورة عبث لا يجاريه سوى عبث السؤال عن أسباب عدم الثورة ، الثورة تكون أو لا تكون ، بل تكون أو لا تكون دون أسباب و دون شرعية و دون قيّم ؛ الثورة لا عقل لها كما لا كرامة فيها .


لكن الأسباب موجودة في الكتب و الخطب و المجادلات ، و هي موجودة كإضافة ؛ لوأد الثورة أو للدفع بإتجاه الثورة ، إلا أنها لا تلزم وأدها و لا الدفع بإتجاهها . و شرعنة الثورة أيضا موجودة ، لكنها أيضا موجودة كإضافة ؛ فتوسم ثورة بأنها ثورة صحيحة ، و توسم أخرى بأنها ثورة مضادة ، و الثورة تبقى ثورة مع كِلا الصفتين . أما القيّم فهي مُبتدعة لإستغلال المثاليين السُذّج (كإبتداع القيّم الثورية) ، فواقع كل الثورات التي حصلت على طول التاريخ أثبت أن أصحاب القيّم أنتهوا إلى المقصلة أو المشنقة أو النسيان و ما شابه ذلك ، بينما من لم يلتزم بالقيّم نال الحكم و السلطة ؛ و البلاشفة لم يشذّوا عن ذلك ، فمن سرقة البنوك و الأعمال الإرهابية و المعاملات المالية الخارجية المشبوهة و الصفقات المخابراتية* التي كان من أبطالها تروتسكي (و الذي أنتهى بسببها منفيا شهيدا) و التعامل مع العدو الألماني (حينها كانت ألمانيا ضد روسيا في الحرب العالمية الأولى ، و قد سمحت للبلاشفة بمن فيهم لينين بعبور أراضيها إلى الداخل الروسي) ، مرورا بمناصرة رأسماليي وول ستريت* للبلاشفة حتى ليمكن القول أن دور الرأسماليين في دعم لينين فاقت دعم رفاقه الحمر (على الرغم من أن لينين كان ناكرا كبيرا للمعروف الرأسمالي ، و هو الذي قال : أن الرأسماليين مستعدين لأن يبيعونا حبل المشنقة الذي سنشنقهم به) ، دون أن ننسى طبعا البروباجندا الإيديولوجية التي مارسها البلاشفة (مع استذكار رقابة ستالين الذي مارس دوره الرقابي حتى على لينين نفسه) ، و لو مارس ذلك غير البلاشفة لقيل عنهم (عملاء) (مافيا) (تخريبيون) (تحريفيون) (إرهابيون) (إنتهازيون) (مجرمون) (أشرار) و ربما أيضا (دواعش) و (إخوان) و (صهاينة) ، في النهاية أليست هذه الأوصاف ما تطلقه أكثرية اليسار العربي (بمن فيهم ماركسيون) بشكل خاص على ثوار سوريا ؟! .


لكن البلاشفة غير مُلامين في سلوكهم (الثوري) ، بل إنهم إن لم يقوموا بذلك لكانوا بالفعل مُلامين ، لكن اللوم يقع على من يصف سلوك البلاشفة بغير ما يستحق من مثالية أو يسلك مسلكا دوغمائيا لتبرير سلوكهم .



خلاصة القول : (( لأن الثورة لا عقل لها )) ما كان للماركسية أن تكون عقلا لثورة أكتوبر ، و (( لأن الثورة لا كرامة فيها )) آلت السلطة للبلاشفة لا لكونهم ماركسيين أقحاح أو لأنهم ذوي قيّم ثورية عظيمة ، آلت لهم بفعل عملهم الحزبي الطلائعي اللا أخلاقي و دعايتهم الإيديولوجية ، و فيما لو لم يستلم البلاشفة زمام الحكم لقيل عن الثورة بأنها فاسدة أو غير صحيحة ؛ فثورة أكتوبر ليست صحيحة لأنها ثورة صحيحة ، بل الثورة صحيحة لأن البلاشفة (من أستلم الحكم) قالوا أنها صحيحة .


(( رحم الله امرئ عرف قدر نفسه )) ، و الأجدر مع الذكرى المئوية لثورة أكتوبر أن نعرفها و نعرّفها قدر نفسها ، بعيدا عن الأوهام المثالية و الأساطير البطولية ، و أعتقد أن ذلك يبدأ بـ(كيف نقرأ الثورة ؟) ؛ لعل هناك رهاب من الوقوع في ما يسمى بـ(( قراءة برجوازية )) أو كما هي تهمة النمريين (( قراءة برجوازية وضيعة )) ، لكن أيا تكن التهمة تبقى أفضل من عقود بقيود (( القراءة الماركسية )) التي لم تنتهي إلى حل جامع مانع حاسم بين ملل الماركسية [ليس هناك (( قراءة ماركسية )) بل (( قراءات ماركسية )) ، و كل منها لا يكتفي بالأختلاف مع الأخرى بل و تصل لدرجة تنقض فيها أحداها الأخرى ــ إذا بماذا ستختلف حينها (( القراءة الماركسية )) عن (( القراءة البرجوازية )) ؟!] .




================


* رغم القمع البلشفي وُجدت أعمالا أدبية و أسماء أدبية طريقا للظهور خصوصا مع الفترة التي بدأ فيها مشروع (( الأدب المُستعاد )) مثل : إسحاق بابل (حكايات أوديسا) (فرقة الخيالة) و أندريه بلاتونوف (الحفرة) و ميخائيل بولغاكوف (قلب الكلب) و إيفان بونين (الأيام الملعونة) و إيفان شميليوف (شمس الموتى) ... و غيرهم الكثير .


* كان أن تحدثت يلينا تشافتشافادزه (المؤرخة و رئيسة البرامج الرئاسية في صندوق الثقافة الروسي) في برنامج (( رحلة في الذاكرة )) على قناة روسيا اليوم بإسهاب عن ذلك في حلقتين : (لغز تروتسكي. كيف أضحى الصبي ليو برونشتاين من مدرسية يهودية دينية زعيما للثورة العالمية؟) و (مشروع "إدارة العاصفة" . أسرار الأب الروحي للثورات الملونة مطلع القرن الماضي و نماذجها الحديثة) .


* يتناول (أنتوني سي ، ستن) في كتابة (( وول ستريت و الثورة البلشفية )) بإسهاب رصين و عميق دور رأسماليي وول ستريت في دعم الثورة البلشفية .