كي لا نهلوس مع هلوسة ترامب


محمد باليزيد
2017 / 8 / 18 - 19:49     

[نشر ترامب تغريدة على "تويتر" يعرض فيها مساعدة إسبانيا بعد اعتداء برشلونة، وبعد نحو ساعة نشر ترامب تغريدة ثانية يقول فيها "ادرسوا ما فعله الجنرال الأمريكي بيرشينغ بالإرهابيين بعد القبض عليهم. اختفى بعدها إرهاب الإسلام المتطرف لمدة 35 عاما"] انظر الرابط في الهامش1
سأناقش مع القارئ العزيز هنا، ليس "منطق" ترامب الذي حتى قد لا يستحق أن ينعت بكلمة منطلق، وإنما منطق المقال الذي اقتبست منه ما سبق والمنشور في (lakome2.com 18/08/2017).
يقول الكاتب:( والواقعة التاريخية المشكوك بها التي أشار إليها ترامب هي التالية: قوات بيرشينغ تجمع 50 متمردا إسلاميا ثم تعدم 49 منهم برصاص مغمس بدم الخنزير الذي يعتبره المسلمون نجسا) ثم:(وفي ذلك الوقت كانت الفلبين مستعمرة أمريكية، وقوات الجنرال بيرشينغ تقاتل التمرد الإسلامي هناك). يجب أن نفهم أولا أن الجنرال الأمريكي السيء الذكر لم يكن يحارب "إرهابا" إسلاميا كان أو بوذيا. فالمقال نفسه الذي يسقط بسرعة في الخلط الذي يريد ترامب وقادة العصر مثله أن يعودوا منطقنا عليه، هذا المقال يصف الطرف المعادي للجنرال ب"التمرد الإسلامي". أليس الفرق واضحا، إخوتي، بين المفهومين "تمرد إسلامي" و"إرهاب إسلامي"؟ هل يمكن لتغريدة ترامب أو لتردي العصر أن يجرنا إلى هذا المستوى من الانحطاط المنطقي؟ لقد كانت الولايات المتحدة محتلة للفليبين وكان من حق الفلبينيين أن يحاولوا التحرر كذا من حق النخبة الفليبينية، أو المورية، أن تستغل دين أغلبية الإقليم(مورو) كي تحرض الأهالي ضد الاستعمار.
ثم يضيف الكاتب (وأشارت تغريدة الخميس أيضا إلى أن ترامب يؤمن حقيقةً بقصّة يعتقد العديد من المؤرخين أنها ملفّقة) ثم: (ونقلت "بوليتيفاكت" نفي أربعة مؤرخين للواقعة.) إنني أتساءل هنا عزيزي القارئ: لماذا يحاول الكاتب في البداية التشكيك بالواقعة ثم في الأخير يحاول أن يقنعنا أن نتبع رأي "بوليتيفاكت" التي خلصت إلى عدم صحة الواقعة؟
تخميني، وليسمح لي كاتب المقال إن كنت مخطئا هو أن الكاتب يرى أن مسألة الإعدام الجماعي ل"الإرهابيين الإسلاميين" التي ينادي بها ترامب غير مقبولة ولذلك فالكاتب يحاول أن يدحض المثال التاريخي الذي اعتمد عليه ترامب كحجة.
أولا: كما قلت أن الجنرال الأمريكي (إذا الواقعة فعلا قد حصلت) لم يعدم "إرهابيين"، وإنما أعدم مقاومين للاستعمار الأمريكي والذي حتى وإن لم يقاوموه لن يكون مصيرهم وكرامتهم بأحسن حال. والاستعمار الأمريكي تصرف بوحشية مماثلة في فيتنام والجزائر والعراق...
ثانيا: إذا كانت الواقعة فعلا قد حصلت وإذ كان بعض المؤرخين الأمريكيين يحاولون نفيها فليس ذلك سوى محاولة من هؤلاء، ربما تلبية لنداء ضمير أو لمصلحة سياسية، محاولة لغسل التاريخ الأمريكي. لكن هؤلاء الأمريكين الذين يحاولون هذا عليهم أن يعرفوا أن أفضل مادة ل"غسل الماضي" هي السلوك الإنساني في الحاضر. فأجداد المسلمين مارسوا ما مارسوا وأجداد الأمريكيين والأوروبيين... التاريخ البشري مليء بظلم القوي للضعيف. والمطلوب من الأجيال الحاضرة هو تصحيح الماضي بالحاضر.
ثالثا: الولايات المتحدة عليها، قبل أن تعرض على إسبانيا المساعدة في قضية الإرهاب المتأسلم، ونحن نعرف أنها حاشرة أنفها في كل قضية دون طلب المساعدة، عليها أولا أن تنظر في متطرفيها البيض الذين لو تقووا لاعتبروا كل ملون يطالب بالمساواة إرهابيا يجب إعدامه حسب منطق ترامب. ويجب أن لا ننس أن غالبية شعب الولايات المتحدة ينجرون وراء ديماغوجية رؤسائهم. لقد أعطى المناضل الأمريكي شومسكي مثالا واضحا على ذلك حيث قال بأنه خلال حرب الولايات المتحدة في فيتنام، وليحشر الرئيس شعبه وراء أعماله الهمجية، خطب قائلا: "إن الطريقة الوحشية التي يسقط بها الفيتناميون طائراتنا تستحق ردا قويا." (3) الشعب الذي تتجول طائرات المستعمر الأمريكي في فضائه عليه أن يكون متخلقا ويرد تحيتها "بأحسن منها".
لنرجع إلى مسألة كيفية التعامل مع "الإرهاب"، سواء تمسلم أم تهود أو تمسح.
أولا: إن هوس محاولة نفي تلك "الواقعة" من التاريخ الأمريكي يحكمه منطق داخلي مفاده أن الأمريكيين "أساتذة في الحضارة" فإذا تأكد بأن تلك "الواقعة" قد حصلت فعلا فحسب هذا المنطق فإن "الإعدام الجماعي للإرهابيين" سوف يطرح نفسه بقوة كطريقة للتعامل مع "الإرهاب". لا يا أخي، فلتصح تلك الواقعة أو لا تصح. لقد تطورت الحضارة الإنسانية إلى مستوى يجعل مسألة الجواب على الإرهاب، جوابا حضاريا، مسألة واضحة بغض النظر عن الكيفية التي تعامل بها جنرال أمريكي أو قائد البيت الأحمر أو المهاتما غاندي.
علينا، في نظري أن نفصل في كلامنا بين مجالين:
المجال الأول: هو التعامل الأمني أو القضائي مع الإرهاب. وهنا يجب أن نتكلم فقط عن الإرهاب. قتل للأرواح البريئة انطلااقا من مبررات الإرهابي التي لا تهمنا وإنما يهمنا فقط حق الضحايا في الحياة. هنا أرى أن عقوبة الإعدام قليلة في حق المجرم. وطبعا المسؤولية على القضاء في التأكد من تورط المتهم فعلا. لكن ما يتحدث عنه ترامب من "إعدام جماعي" ليس سوى هراء لأن القضاء العادل لا يتعامل مع الجماعات. إن من يتعامل بمنطق الجماعات هي القبائل التي يود بعضها لو يبيد البعض الآخر. فالانتماء للقبيلة الأخرى هو في حد ذاته جريمة تستحق الإعدام. منطق ترامب الذي لا يختلف عن منطق الدواعش أو البوكوحرام أو البيض الذين أبادوا الملونيين.
المجال الثاني هو التعامل الاستراتيجي مع الإرهاب. هنا فعلا يجب أن نضع في الحسبان الانتماء الاجتماعي للمتورطين في قضايا إرهاب: الدين، العنصر، اللغة، الطبقة الاقتصادية... وكل ما يحدد شخصية الفرد.
1) (http://out.easycounter.com/external/lakome2.com )
2) المقال بعنوان (ترامب في تغريدة استفزازية.. دعا لإعدامات جماعية للمتطرفين الإسلاميين)
3) أعتذر عن نسيان المصدر الذي اقتبست منه هذا القول لنعوم شومسكي.